الحريات في مقبرة المصالح.. حين منح الغرب أردوغان الضوء الأخضر للاستبداد

أردوغان
كتب :

طوال سنين، تغاضت حكومات غربية، بما فيها حكومات ديموقراطية ليبرالية، عن انزلاق تركيا نحو حكم ديكتاتوري، إذ كانت السياسات التركية تصب في خدمة المصالح والكليشيهات الغربية.

وكتبت نوراي ميرت، الباحثة السياسية، في صحيفة حريت ديلي نيوز، كيف تجاهل عدد من الغربيين انتقادات طالت السياسات الاستبدادية في تركيا، واصفين أصحابها بأنهم "أعضاء نخبة علمانية مستبعدة، ممن فقدوا امتيازاتهم". ولم يهتم أولئك قط بالتجاوزات التي تمت من خلال محاكمات أردوغانية باسم "إنهاء سيطرة العسكر على السياسات المدنية".

سوء إدارة

وتقول ميرت إن الشيء نفسه انطبق على سوء إدارة السياسات الكردية، وتتذكر أنها التقت خلال انقعاد مؤتمر خاص بالأكراد في بروكسل، برلمانيًا أوروبيًا يساريًا دافع عن رفض الحكومة التركية التحقيق في حادث قتل فيه 34 مدنيًا، عندما قصفت مقاتلة تركية بلدة روبوسكي الكردية، في جنوب شرق تركيا.

وإلى ذلك، تقول الصحافية إن الحكومات الغربية شجعت تركيا على الانخراط في الحرب السورية، ومساعدة ما يسمى "المعارضة المعتدلة". فقد أنشئ أكبر فصيل عسكري معارض، هو الجيش السوري الحر في تركيا بعلم ودعم غربي.

عثمانية جديدة

وقبل أيضًا، تشير ميرت إلى أن الغرب لم يعترض على سياسة الحكومة التركية "العثمانية الجديدة"، بل بارك ظهور زعامة إقليمية طموحة، وذلك من أجل تحقيق توازن مضاد ضد نفوذ إيران المتصاعد في الشرق الأوسط. كما روج الغرب لتركيا باعتبارها "نموذجًا لابتكار ديموقراطية إسلامية".

قيمة أصيلة

وفي ذلك الوقت، نشرت في تركيا، خلال العقد الأول من القرن الحالي، كتب ادعى مؤلفوها أن العلمانية ليست قيمة أصيلة في المجتمعات الإسلامية، وأن السياسات العلمانية لا تحظى بشرعية اجتماعية، وأن الغرب مطالب بالقبول "بشراكة ضرورية" مع إسلاميين معتدلين. لكن تلك الأفكار رفضها ليبراليون أتراك، ومعهم ديموقراطيون ليبراليون أجانب.

مزيد من التسلط

وتلفت ميرت إلى أن الغرب لم يغير موقفه من النظام في تركيا، ولم يدرك أن ذلك النظام يتجه نحو مزيد من التسلط، إلا بعدما نشأ خلاف بين حكومات غربية والحكومة التركية بشأن سياساتها في سوريا، والشرق الأوسط. عمومًا، وبدأ تبادل الشكوك والاتهامات بين الجانبين. ورغم ذلك، أنقلبت الأمور رأسًا على عقب، وخاصة بعد المحاولة الانقلابية في 15 يوليو الماضي. وهذه المرة، اختار الأصدقاء في الغرب غض الطرف عن الخطر الذي تعرضت له تركيا في تلك الليلة، وحتى بعدها، وعوضًا عن تبني وجهات نظر توحي بأن "الانقلاب ربما كان مزيفًا أو مدبرًا"، وعوضًا عن التعبير عن مخاوف كبيرة، سارع الغرب لدعم السياسات المدنية.

مشاركة إيجابية

وتقول الكاتبة إنه سواء اتجهت تركيا نحو تكريس التفرد بالحكم كرد على المحاولة الانقلابية، أو هدأت الأمور، كان الأجدى أن يكون أول رد فعل غربي التزامًا إيجابياُ مع سياسيين مدنيين في الحكومة وفي المعارضة، لتشجيع تركيا على توجيه سياساتها صوب الديموقراطية. ولكن بدل ذلك، اقتصرت تغطية الحكومات الغربية وصحافتها على توجيه اللوم لتركيا.

انتقادات عمياء

وتقول ميرت إنها عبرت سابقًا عن رأيها حيال ما يجري عندما تصاغ سياسات غربية عبر انتقادات عمياء لطغاة، وأنظمة تحكم بلدانًا كبلداننا. فقبل كل شيء، تقود ردود أفعال سلبية إلى مواقف محلية معادية للغرب، وتشدد قومي ومزيد من التسلط، يتبعه استقطاب إضافي، وتوتر داخلي وعزلة عن المجتمع الدولي. وفي نهاية المطاف يؤدي كل ذلك إلى توقع "انهيار أنظمة بسرعة كبيرة". وقد حدث أن عبر معارضون أشداء لأنظمة استبدادية ولطغاة، عن حنينهم لزمن مضى، وحتى لو كان ذلك لحكم صدام حسين.

وتنهي الكاتبة مقالها: "لا أريد أن أخسر بلدي، وخاصة مع احتمال أن يكون في طريقه نحو فوضى مشابهة، ليس لمجرد أن حكامه يسيؤون إدارة الأزمات"، بل بسبب أهواء السياسات الغربية.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً