قال فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن مرضُ «حُبِّ الجاهِ والسَّيطرةِ واستغلالِه لتحقيقِ المنافعِ الخاصَّةِ» من الأمراضِ الاجتماعيَّةِ التي لا يتوقَّفُ العلماءُ والحُكماءُ منذُ أقدَمِ العصورِ عن التَّحذيرِ منها - وللإسلامِ عنايةٌ خاصَّةٌ بهذا المرضِ الوخيمِ، الذي لا تتوقَّفُ آثارُه الضارَّةُ على صاحبِها، وإنَّما يتعدَّاه إلى طبقاتٍ مختلفةٍ من الناسِ، وموقفُ الإسلامِ في هذه القضيَّةِ هو التشدُّدُ في مراقبةِ صاحبِ الجاهِ ومحاسبتِه وكفِّ أذاه عن الناسِ.
وخلال الحلقة 28 ببرنامجه الرمضاني "الإمام الطيب" أكد شيخ الأزهر أن الإنسانُ لا يَحتاجُ إلى عناءٍ في البَحثِ عن هَدْي الإسلام في هذا الأمرِ ليعلَمَ أنَّ الإسلامَ يقرِّرُ أنَّ الجاهَ إن سعى إليك فسوفَ يُعينك اللهُ عليه، وإن سعَيت له فسوفَ يَكِلَك اللهُ إليه؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: لعبد الرحمن بن سَمُرة: «يا عبدَ الرَّحمنِ لَا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَها عَنْ مَسْألَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وإنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْألَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا»، وقد جعلَ الله الدارَ الآخرةَ للذين ﴿لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾، وانظرْ كيفَ اقترنَ العُلوُّ في الأرضِ بالفسادِ فيها، وهو ما تكشفه لنا الأيام.
وحذر الطيب من قَصْر معنى "التَّقوى " على بابِ العباداتِ فقط دونَ بقيَّةِ الجوانبِ الأخرى: السلوكيةِ والأخلاقيةِ، فكلمةَ «التقوى» في تراثِنا مرتبطةٌ أشدَّ الارتباطِ بالجانبِ العمليِّ في الحياةِ، والتَّقِيُّ رَجُلُ مجتمعٍ صالح قادر على الدَّفعِ بالتَّنمية بكلِّ توجُّهاتِها، ويبدو أنَّ الذي حملَ بعضَ المعاصرينَ على استبعادِ كلمةِ «التقوى» من قاموسِ المصطلحاتِ الاجتماعيةِ هو مضمونُها الدِّينيُّ الذي تعرَّض منذُ بدايةِ القرنِ الماضي إلى شيءٍ من التشكيكِ في قيمتِه العمليةِ والتداوليةِ؛ أدَّى إلى زَحزحتِه وإحلالِ مصطلحاتِ أخرى محلَّه، مثل: اشتراكي وقومي ورأسمالي وشُيوعي ونَهضوي ومحافظ وإصلاحي وما إليها من مصطلحاتٍ أخرى وافدةٍ لا تُعيرُ التفاتًا لخطَرِ العُلوِّ في الأرضِ ولا الفسادِ فيها.
وأوضح الطيب أن الإسلامَ والأديانَ الإلهيةَ كلَّها، لا يُقيمُ وَزْنًا، في تقييمِ الإنسانِ، لوجاهةِ الشكلِ ولا وسامةِ الصورةِ، ولا طولِ الأجسامِ أو عرضِها، وما كان لهذا الدِّينِ، ولا للأديانِ السابقةِ عليه، أن يُفاضِلَ بين الناسِ بأعراضٍ لا يملكونها، ولا يستطيعونَ صنعَها، أو يعلِّقَ نُظمَ الحياةِ الاجتماعيةِ والمعيشيةِ على الوجاهةِ أو الثراءِ أو القوةِ الغاشمةِ، فكلُّ هذه العناصرِ لا وزنَ لها في تقييمِ قدراتِ الإنسانِ العلميةِ والعمليةِ، ولا هي بشيءٍ في التعرفِ على هذه القدراتِ، والعمل النافعِ وحدَه هو فَرقٌ ما بين الإنسانِ العظيمِ والإنسانِ الآخرِ.. «إِنَّ اللهَ لَا ينظرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأمْوالِكُمْ، ولكنْ ينظرُ إلى قلوبِكم.