تستعد إسرائيل في هذه الأيام لضم معظم أراضي الضفة الغربية بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "صفقة القرن"، كما وعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ناخبيه، وفي خضم هذا الأمر ظهرت تصريحات أوروبية تشير ظاهرياً حملت تهديداً أوروبياً لتل أبيب إذا أقدمت إسرائيل على تلك الخطوة التي تنهي تماماً حل الدولتين، في ظل انشغال العالم العربي والغربي بفيروس كورونا وانهيار الاقتصاد العالمي فهل تكشف تلك التصريحات عن تحرك أوروبي حقيقي لاتخاذ موقف، وهل سترضخ إسرائيل لذلك؟ ومع بداية فصل جديد في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ، ستكون هناك أسئلة كثيرة ، وإجابات قليلة،هل ينبغي أن يكون الهدف السياسي الجديد إنشاء دولة ثنائية القومية وديمقراطية تشمل إسرائيل والضفة الغربية وغزة؟ ما هي الآثار المترتبة على السلطة الفلسطينية ودولة فلسطين؟ كيف يجب إعادة تشكيل الدبلوماسية والتمويل الدوليين؟
ما الجديد في قصة ضم الضفة الغربية جعل أوروبا تخرج عن صمتها؟
منذ أيام هدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتخلي السلطة عن الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل والولايات المتحدة، وتأتي تلك التحركات بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الأحد الماضي برئاسة رئيس وزراء إسرائيل "بنيامين نتنياهو"، عقب التوصل لاتفاق مع "بيني غانتس" رئيس حزب-أزرق أبيض لتقاسم السلطة، وبهذا الاتفاق تستمر حكومة الوحدة لمدة ثلاث سنوات، بحيث يتقاسم نتنياهو، الذي يحكم منذ 2009، وغانتس رئاسة الوزراء مناصفة يبدأها الأول لمدة ثمانية عشر شهراً، ووفقاً للصفقة التي أعلنها "ترامب"، يمكن للحكومة الجديدة البدء في تنفيذها اعتباراً من الأول يوليو بتطبيق خطوة الضم،وأعطت الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط التي أعلن عنها في أواخر يناير الماضي الضوء الأخضر لإسرائيل لضم غور الأردن، المنطقة الاستراتيجية التي تشكل 30٪ من مساحة الضفة الغربية.
ماذا قال وزير خارجية فرنسا؟
أمام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية "البرلمان الفرنسي"، قال وزير الخارجية جان-إيف لودريان: "نحن نعمل مع إيطاليا وألمانيا وإسبانيا بالإضافة إلى بعض الدول الأعضاء، لتحرك مشترك ضد إسرائيل لمنع هذا الأمر الذي فرصته أمريكا على الجميع، مضيفاً أن الهدف من هذا التحرك هو إعادة "الجميع إلى طاولة المفاوضات"، مشيراً إلى أنه سيجتمع "في غضون أيام قليلة" مع نظيره الإسرائيلي الجديد، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
لودريان قال إن إسرائيل قد تواجه إجراءات أوروبية انتقامية إذا ما مضت قدماً بخطتها ضم أجزاء من الضفة الغربية،ولكنه لم يوضح طبيعة الإجراءات الانتقامية التي يمكن أن يتخذها الاتحاد الأوروبي تجاه إسرائيل، مشيراً إلى "أننا سنعمل بهذا الاتجاه مع بعضنا البعض بتكتم، وبطريقة أكثر علنية إذا ما أتيحت لنا الفرصة في الأيام المقبلة".
اقرأ أيصاً: من صفقة القرن إلى فيروس كوفيد 19.. كيف انهارت أمريكا على يد جاريد كوشنر؟
لأمم المتحدة تتخذ إجراءات لمنع ضم الضفة الغربية
وفي نفس السياق، قال مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط إنه على إسرائيل التخلي عن تهديدها بضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، واصفاً مثل تلك الخطة بأنها انتهاك خطير للقانون الدولي من شأنه أن "يغلق الباب أمام استئناف المفاوضات".
نيكولاي ملادينوف قال لمجلس الأمن الدولي: "التهديد المستمر بضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية سيشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي ويوجه ضربة مدمرة لحل الدولتين ويغلق الباب أمام استئناف المفاوضات"، وأضاف: "على إسرائيل التخلي عن تهديدها بالضم، وعلى القيادة الفلسطينية أن تعيد التواصل مع جميع أعضاء اللجنة الرباعية" في إشارة إلى الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
وحث ملادينوف المجلس المؤلف من 15 عضواً على دعم مسعى من جانب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش للتصدي للخطوات الأحادية التي من شأنها أن تعيق الجهود الدبلوماسية لاستئناف المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن من غير المرجح أن يصدر المجلس مثل هذا البيان إذ لا بد من الموافقة عليه بالإجماع، والولايات المتحدة تقليدياً تحمي حليفتها إسرائيل من أي تحرك داخل المجلس، وهو ما أكدته سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة كيلي كرافت بقولها: "لا يمكن لهذا المجلس أن يملي نهاية هذا الصراع. يمكننا فقط تشجيع الأطراف على الجلوس معاً لتحديد كيف يرغبون في إحراز تقدم".
اقرأ أيضاً: كوشنر يهدد فلسطين: إذا لم توافقوا على التوافق ستبدأ إجراءات "صفقة القرن" في التنفيذ
ومن المهم هنا التوقف عند التصريحات الأوروبية في أعقاب اجتماع وزراء الخارجية، وتحديداً ما قاله المتحدث باسم الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي رداً على أسئلة الصحفيين بشأن العقوبات الأوروبية على إسرائيل حال إقدامها على الضم، حيث قال: "دعونا لا نضع العربة أمام الحصان. ما زال هناك وقت"
موقف الاتحاد الأوروبي من ضم الضفة الغربية لإسرائيل
إن اختفاء حل الدولتين، وظهور وضع الفصل العنصري المعترف به دوليًا ، سيكون له تداعيات أعمق على المدى الطويل ، مما يهدد الصرح الكامل لعلاقة الاتحاد الأوروبي مع إسرائيل،من غير المحتمل أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من توقيع اتفاقيات جديدة مع إسرائيل بسبب معارضة بعض الدول الأعضاء على الأقل (حيث يلزم الإجماع) وداخل البرلمان الأوروبي. سيتم طرح جوانب أخرى من العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل على الطاولة: من اتفاقية الشراكة والترتيبات التجارية القائمة إلى برامج التعاون (مثل Horizon Europe) والتمويل من خلال أداة الجوار الأوروبية.
اقرأ أيضاً: صحيفة عبرية: وثيقة متزامنة مع "صفقة القرن" تؤكد أن تقسيم القدس لم يعد صالحًا
بالإضافة إلى هذه التعقيدات ، سيتعين على الحكومات الأوروبية أن تزن العلاقات مع إسرائيل برغبتها في الدفاع عن البنية الدولية الأوسع وحظرها على الاستيلاء على الأراضي بالقوة. هذه الاعتبارات مهمة بشكل خاص بين الأعضاء الشرقيين - وهم تقليديًا أكثر دعمًا لإسرائيل - نظرًا لمخاوفهم من أن الرد الضعيف على ضم إسرائيل يمكن أن يرسل إشارة إشكالية إلى روسيا ، التي يخشون أن يكون لها المزيد من الطموحات الإقليمية. في هذا السياق ، ستضغط بعض الدول الأعضاء بلا شك على أنواع الإجراءات التي تم اتخاذها بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
الفلسطنيون في الضفة الغربية في مواجهة جنود الاحتلال
إلى جانب كل هذا ، يجب إعادة تقويم علاقات الاتحاد الأوروبي مع الفلسطينيين. إن اختفاء حل الدولتين (والتحول التدريجي من قبل الحركة الوطنية الفلسطينية نحو استراتيجيات الدولة الواحدة) سوف يشكك في منطق تمويل الاتحاد الأوروبي لبناء الدولة الفلسطينية ، الذي تجسده السلطة الفلسطينية. وستكون هناك حاجة لمزيد من التفكير في هذا. لكن أحد الردود يمكن أن يكون لتوجيه تمويل إضافي نحو الجهود الجارية للمساعدة في الحفاظ على الوجود السياسي والثقافي والاجتماعي الفلسطيني على الأرض. يمكن للاتحاد الأوروبي أيضًا التفكير في دعم المجتمع المدني الفلسطيني ، مع التركيز على مجتمعات الشباب غير العنيفة والهياكل القيادية.
اقرأ أيضاً: 22 بندًا في 181 صفحة.. صحيفة عبرية تنشر التفاصيل الكاملة لـ صفقة القرن
والأهم من ذلك ، على الرغم من ذلك ، يجب أن يكون الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه واضحين أنه إذا لم يعد حل الدولتين خيارًا قابلاً للتطبيق ، فإن الوسيلة البديلة الوحيدة المقبولة لتحقيق الحقوق المتساوية لكلا الشعبين ستكون من خلال دولة ثنائية القومية. وهذا يعني رفضًا لا لبس فيه لتوطيد واقع الدولة الواحدة للاحتلال المفتوح والحقوق غير المتساوية للفلسطينيين - لاستخدام لغة الاتحاد الأوروبي الخاصة.