ترك ألعابه المفضلة وانتقل إلى مستشفى الحميات في قنا، وهو لا يعي شيئًا، فقط يسأل ويردد "أنا ليه هنا،" رأي كل ما حوله أشياء غريبة من أطباء وممرضين ببدل وزي مختلف عن ما كان يراه في صورة الأطباء المتعارف عليها، وجد غُرف وأجهزة وكمامات وأقنعة ولا يعرف أين ذهب وعندما اشتدت أسئلته، طمأنوه الممرضين بأنه أتى ليرافق والدته المريضة في مراحل علاجها، فصمد قليلًا ولكن سرعان ما عادت أسألته بعد دخوله الحجر الصحي في مستشفى أبوتيج المركزي في أسيوط المخصصة لمصابين فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19".
مكاريوس أول طفل أصيب بكورونا في قنا
أصيب الطفل مكاريوس مينا رزيقي، 4 أعوام، بفيروس كورونا المستجد، مُقيم في منطقة الشيخ محسن، خلف الطب البيطري بمدينة قنا، في يوم 7 مايو من الشهر الجاري، وذلك بعد إصابة 5 من أفراد عائلته بالوباء من بينهم والده ووالدته اللذان انتقلا كلا منهما إلى مكان عزل مختلف عن الآخر وفي محافظات مختلفة، وظل الطفل وحيدًا في المنزل بصحبة عمه والدموع لا تفارق عينيه حزنًا على والديه الذي لا يعلم أين ذهبا.
مكاريوس أول طفل أصيب بكورونا في قنا
شعر شنودة عم الطفل مكاريوس بالخوف من إصابة نجل أخيه بكورونا وانتقال العدوى له من أسرته، ففكر في اصطحابه إلى مستشفى الحميات في قنا لإجراء تحليل الفيروس له، ولكن فكر عمه بإبلاغه أنه سوف يذهب لزيارة والدته المريضة ليطمئن عليها، وفرح الطفل بعرض عمه من اشتياقه لوالدته المتغيبة عنه منذ أيام، فانتقل للمستشفى مرتديًا الكمامة بدون بدلة عزل، ومباشرة تم إجراء مسحة له ولا يعرف شيئًا سوى أن ذلك إجراء حتى يرى والدته فتحمل الألم منفذًا كل ما يُطلب منه.رحلة مكاريوس داخل حميات قنا
وقضى الطفل ليلة كاملة في مستشفى الحميات وهو لا يرى والدته، حتى ظهرت نتيجة تحليله والتي أذهلت الأطباء بأنها إيجابية وذلك لعدم ظهور أي أعراض عليه حتى الانفلونزا العادية لم يكن لها أثر عليه، ففي تلك اللحظة تم حجز الطفل مع والدته في غرفة واحدة لحين نقلهما إلى مستشفى الحجر الصحي.
مكاريوس وأزمة سيارة الإسعاف
بعد ساعات وصلت سيارات الإسعاف أمام مستشفى الحميات بقنا، وتم إخراج مكاريوس لنقله ونقل والدته للحجر الصحي بمستشفى أبوتيج المركزي في أسيوط، علمًا أن كل منهم في سيارة بمفرده.
مكاريوس داخل سيارة الإسعاف بعد إصابته بكورونا
وهنا بدأت العاصفة من الأم "جاكلين" المصابة بفيروس كورونا بأنها لن تنتقل من مكانها حتى يكون طفلها بحضنها، واشتدت في النقاش فترة مع إدارة المستشفى والدموع في عينيها، وذلك خوفًا على طفلها من الجلوس بمفرده في سيارة الإسعاف 4 ساعات سكة سفر وصولا للحجر الصحي ولكن إدارة المستشفى لم تنصت لها، فجاء دور العم الذي لجأ إلى نائب محافظ قنا الدكتور حازم عمر بعد شرح الموقف له ووافق على طلبه، وبعدها مباشرة ذهب العم لشراء مجموعة من الألعاب ليرسم بها البهجة على وجه نجل شقيقه، ثم سأله أنه يفضل الجلوس معه أم الذهاب مع والدته للعلاج، فاختار الطفل السفر والدته وركب سيارة الإسعاف وشاهدها من الداخل والخوف تملك به حتى أضحكته والدته وعمه والممرضين، إضافة لإعطائه الألعاب لتسليته أثناء الطريق، وأغلق باب سيارة الإسعاف وهو في حضن والدته.
مكاريوس داخل سيارة الإسعاف متجهًا للحجر الصحي
رحلة مكاريوس داخل الحجر الصحي في أسيوط
وصل مكاريوس لأسيوط ودخل مع والدته في غرفة عزل واحدة، وتفاجأ أن الأطباء يتعاملون معه كمريض ويأخذ العلاج من حقن ومحاليل صباحًا ومساءً، فاتصل على عمه قائلًا "أنت مش قلتلي إن ماما المريضة ليه بيدوني أنا الحقن"، فأقنعه العم بأنها فترة بسيطة وسوف تمر سريعًا وبمساعدة أطباء عزل أسيوط أصبح الطفل متقبلًا العلاج شيئًا فشيئًا، بل وفهم جيدًا أنه مصاب فيروس كورونا لكثرة ما يسمعه من الأطباء ووالدته داخل الغرفة.
وقال شنودة رزيقي، عم الطفل، إنه كان عندما يتصل ليطمئن على مكاريوس ووالدته ويتحدث معه فيديو ويراه بصحة جيدة وعندما يسأل مكاريوس عن صحته يقول له "لما نتيجتي تكون سلبي هخرج من المستشفى"، وذلك بعد أن سمعها كثيرًا من الأطباء، وأوضح العم أن نجل أخيه أجرى له 3 تحاليل وتكون نتيجته إيجابية بحمله الفيروس، ورغم كل هذه الفترة إلا أنه لم تظهر على مكاريوس أي أعراض وفي التحليل الرابع كانت نتيجته سلبية فتم عزله عن والدته.
سبب نقل مكاريوس إلى المدينة الجامعية بأسيوط
بعد تحول نتيجة الطفل مكاريوس من إيجابي إلى سلبي، تم نقله إلى الحجر الصحي في المدينة الجامعية بأسيوط، ليقضي بها 3 أيام في غرفة بمفرده وسط الأطباء والممرضين وأُجرى له التحليل الأخير وكانت نتيجته سلبية، فاتصل الأطباء على عمه ليستلمه بعد تعافيه نهائي يوم 22 مايو من الشهر الجاري.
مكاريوس مع عمه من أمام الحجر الصحي بأسيوط بعد تعافيه
وأوضح العم شنودة أن لحظة استلامه كانت صعبة للغاية عليه، لأنه لا يعرف كيف يقنعه بالمغادرة معه بدون والدته، وعندما وصل العم ظل يلعب مع نجل شقيقه ويلتقطون الصور السلفي لينسيه أمر والدته، فاستلمه وذهبا سويًا إلى منزلهم في قنا بعد تعافيه نهائيًا.