نشر بنك QNB الأهلي تقريرا بعنوان: "الأسواق الناشئة الآسيوية تتجه لتحقيق انتعاش اقتصادي تدريجي".
وجاء التقرير كما يلي:
انتشر فيروس كورونا (كوفيد-19) بسرعة في جميع أنحاء العالم. وقد ردت الحكومات بسياسات لاحتواء الوباء والتخفيف من آثاره، بما في ذلك إجراء الفحوصات الطبية وعزل المرضى وفرض تدابير عامة للتباعد الاجتماعي. ومع ذلك، فقد أثر انتشار الوباء على سلوك الأسر والشركات على حد سواء، مما تسبب في ھبوط اقتصادي كبير.
ويتناول هذا التقرير التجارب الأخيرة لاقتصادات مختارة في شرق وجنوب شرق آسيا (الأسواق الناشئة الآسيوية) بما في ذلك الصين وكوريا الجنوبية وإندونيسيا وتايلاند وماليزيا وسنغافورة والفلبين وفيتنام.
وجاءت بيانات الناتج المحلي الإجمالي للأسواق الناشئة الآسيوية ضعيفةً في الربع الأول من عام 2020، حيث تراوحت بين 3.8% و-6.8% على أساس سنوي، بعد أن كانت تتراوح بين 1% و7% على أساس سنوي في الربع الأخير من العام الماضي. ويُعزى هذا التفاوت في الأداء إلى حجم انتشار الوباء وتوقيت تفشي الفيروس. فقد انتشرت العدوى بشكل مبكر نسبياً في كل من الصين وكوريا الجنوبية وتايلاند وماليزيا وسنغافورة (الموجة الأولى) وفيتنام، في حين لم يحدث انتشار كبير للعدوى إلا بعد أسابيع من ذلك في إندونيسيا والفلبين. وعلاوة على ذلك، تمكنت كوريا الجنوبية وفيتنام من تحديد الأسباب الجذرية لانتشار الفيروس في وقت مبكر، وقد شهدتا بالتالي سياسات أقل صرامةً لاحتواء المرض (الفحوصات المكثفة، وعزل المرضى، وفرض التباعد الاجتماعي الشامل على المستوى الإقليمي فقط). وقد حتم حجم الانتشار الأولي للوباء على الصين وتايلاند إطلاق سياسات أكثر شمولاً وأوسع نطاقاً لاحتوائه، بما في ذلك فرض تدابير صارمة وواسعة النطاق بشأن التباعد الاجتماعي.
ولا يزال هناك عدم يقين بشأن تأثير كوفيد- 19 على الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني، ولكن "فتح" الاقتصادات الناشئة الآسيوية سيوفر رؤيةً أوضح حول سرعة التعافي الاقتصادي. وينطبق ذلك بشكل خاص على الدول التي تجاوزت بفارق كبير ذروة الإصابات الجديدة (الصين وكوريا الجنوبية وفيتنام وتايلاند وماليزيا)، والتي من المحتمل أن تكون في طريقها لتحقيق انتعاش اقتصادي سريع. ولكن يجب عدم المبالغة في التفاؤل، حيث أن إزالة الأشكال الأكثر صرامة من تدابير التباعد الاجتماعي يهدد بظهور "موجة ثانية" من انتشار الوباء، وهو ما قد يستوجب العودة لفرض سياسات قوية لاحتوائه. ويعتبر ما حدث في سنغافورة مثالاً يستوجب الحذر. فبعد النجاح في السيطرة على الوباء بشكل أولي وفي توفير البنية التحتية الصحية المطلوبة، واجهت البلاد موجة ثانية كبيرة من حالات الإصابة بالوباء بعد فترة من استعادة الحياة الطبيعية.
وبشكل عام، نعتقد أن هناك أربعة أسباب تفسر لماذا سيكون الانتعاش الاقتصادي في الأسواق الناشئة الآسيوية تدريجياً إلى حد ما وبطيئاً خلال النصف الثاني من العام.
أولاً، من المتوقع أن تظل بعض القيود المفروضة على التجمعات العامة، والعمل، وإجراءات التباعد الاجتماعي، وحركة المرور وغيرها من الأنشطة قائمة بشكل جزئي. لذلك، يبدو من غير المحتمل العودة الكاملة إلى الوضع الطبيعي لما قبل كوفيد- 19، حيث سيحد هذا الأمر بطبيعة الحال من سعة الإنتاج، مما يضع سقفاً للتعافي خلال الأشهر القليلة القادمة.
ثانياً، بغض النظر عن الإجراءات التي تفرضها الحكومات، من المرجح أن يصبح الأفراد والمؤسسات الخاصة أكثر حرصاً على تجنب المخاطر عندما يتعلق الأمر بالقضايا المالية والصحية. ونتيجة لذلك، سيزيد ميلهم إلى الادخار بدلاً من الإنفاق أو الاستثمار، مما يقلل من الاستهلاك والاستثمار.
ثالثاً، سيستغرق تغلغل السياسات الداعمة في الاقتصاد بعض الوقت لتعزيز النمو. وينطبق ذلك على تيسير السياسة النقدية وكذلك على الموقف المالي الأكثر توسعاً. ففي حين قامت البنوك المركزية المحلية بخفض أسعار الفائدة بحد أدنى من 50 إلى 125 نقطة أساس، وأطلقت السلطات المالية حزم إنفاق تتراوح بين 2% إلى 17% من إجمالي الناتج المحلي الخاص بها، من المرجح أن يستغرق التحفيز عدة أشهر على الأرجح ليؤدي إلى ارتفاع كبير في الاستهلاك والاستثمار.
رابعاً، ليس لدى جميع البلدان بنية تحتية قوية للرعاية الصحية لزيادة الطاقة الاستيعابية وتجميع القدرات اللازمة لاحتواء الموجات الجديدة المحتملة لانتشار الفيروس. فقد كان جزء أساسي من التقدم الذي أحرزته دول مثل الصين وكوريا وفيتنام وسنغافورة في البداية مرتبط بقدرات الاختبار والتتبع. وبدون استراتيجية احتواء قوية، لن تتمكن البلدان من الحفاظ على تسطيح منحنى الحالات الجديدة لفترة طويلة.
باختصار، من المرجح أن تضع التحديات الحالية سقفاً للتعافي الاقتصادي الجاري في الأسواق الناشئة الآسيوية. ومن المتوقع أن يكون الانتعاش تدريجياً نوعاً ما وسيختلف بشكل ملحوظ من بلد إلى آخر. ولن يتسارع التعافي إلا بعد الاحتواء التام لجائحة كوفيد- 19 وبعد السريان الكامل لمفعول الدعم الرسمي.