للعزلة فوائد.. فقد تابعت بعين القارئ بعض البيانات التي كنت أنشرها كخبر ولا أتمعن في معناها وتوقفت أمام عدة بيانات للنيابة العامة في عدد من القضايا: ولفت انتباهي بيان أري أن من كتبه وصاغه يستحق أن تمنحه نقابة الصحفيين درعها لأنه لفت نظرنا إلي غياب دورنا الاجتماعي، البيان كان بخصوص ظاهرة عمل الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي ونشرها من قبل الفتيات والتى كان آخرهن الطالبة حنين حسام، وبعدها شيري هانم وابنتها زمردة، والتي تم القبض عليها بتهم منافية للآداب .. دعونا نعود للبيان، والذي قال نصًا لقد تأكد أنه استُحدِث لبلادنا حدود رابعة خلاف البرية والجوية والبحرية تؤدي بنا حتمًا إلى تغييرات جذرية في سياسة التشريع والضبطيات الإدارية والقضائية، حيث أصبحنا أمام حدود جديدة سيبرانية مجالها المواقع الإلكترونية، مما يحتاج إلى ردع واحتراز تام لحراستها كغيرها من الحدود.
وتابع بيان النيابة العامة، أن تلك الحراسة ليست دعوة لتتبع الناس، أوحرماتهم الخاصة ولا استطالة على الحريات أوتقييدًا لها ولا دعوة إلى الرجعية ورفض التطور، إنما هي تصدٍ لظواهر من ورائها قوى للشر تسعى لإفساد مجتمعنا وقيمه ومبادئه وسرقة براءته وطهارته فتتسلل إليه مستغلة ظروفه وضائقته لتدفع شبابه وبالغيه، إلى الهلاك بجرائم تكتمل أركانها في فلك عالم إلكتروني افتراضي جديد، فهكذا يُسْتَغَل الناس عامة والشباب خاصة، فهل يروَّج للفسق إلا في دعوات للترفيه والتسلية، وهل يوقَع بالفتيات في فخاخ ممارسة الدعارة إلا باستغلال ضعفهن وضائقاتهن الاجتماعية.
وانتهي البيات لتفوجئ بقضايا حنين ومودة وشيري وغيرها . وفي العزلة وجدت طوفان من أصدقائي وأقاربي وأبنائي على التيك توك الذي لا طعم له ولا لون ولم أجد من ينبه لخطورة تلك المواقع إلا بيان النيابة العامة.
واسترجعت ذكرياتي حول الصحافة في أواخر القرن الماضي والتفاف الملايين حول بريد الجمعة، للعملاق الراحل عبد الوهاب مطاوع، وكانت صفحة لفضفة المصريين ومناقشتها وتناول الظواهر السلبية والدخيلة على الشعب المصري، وكان برنامج الرائعة فايزة واصف "حياتي" على شاشة القناة الأولي، أما العظيم ضياء الدين بيبرس، وبرنامجه الإذاعي ماذا تفعل لو كنت مكانى كان يناقش قضايا مجتمعية حقيقية كان الإعلام وقتها المرئي والمسموع والمقروء، فرق كبير جدًا مثل الفرق بين السماء والأرض بين الماضي والحاضر.
كانت الصحافة وقتها تخلق حالة من الوعي حول القضايا الاجتماعية، وحلت مواقع وصفحات مجهولة دور بديل للأسرة والجد والجدة وبريد الجمعة، الذي كان مسار حديث المواطنين، خاصة موظفي المصالح الحكومية في وقت كانت تملأ فيه صفحات الجرائد بيوت المصريين.
وغابت الصحافة عن مسئوليتها التنويرية والتي كانت تخاطب كل المستويات، وغاب الواعظ الحقيقي في كل أسرة فكانت النتيجة ارتفاع الطلاق وقضايا الخلع، والتي نشهد بأنها عرت الشعب المصري لأسباب تافهة .. بل أزعم أن الصحافة والاعلام غاب عن قلب الحدث، فقد اهتمت بما لا يهتم به الشعب فقدت صوتها وفقدت بريقها وجف حبرها أمام عالم إلكتروني افتراضي جديد.
فخطورة هذا العالم لا يقل بل يزيد عن خطورة ما يبثه الإخوان الإرهابيون، وهو ما تنبهت إليه النيابة العامة التي قامت مشكورة بدور الأخ والأب وعبدالوهاب مطاوع وفايزة واصف وضياء بيبرس.
فللأسف قد فشل الإعلام الرسمي في مواجهة تلك الظواهر والمطلوب الآن بعد درس النيابة العامة المشكورة والتي قامت بدور فوق دورها، استراتيجية إعلامية تساند وتدعم خطط مواجهة المرحلة المقبلة، فعملية التنوير والإقناع تتطلب من القائمين على وسائل الاعلام الرسمية، أن تنشط بشكل كبير للمواجهة وتخصيص صفحات وبرامج لمواجهة الخطر القائم بدلًا من برامج الفضفضة التي لا تفيد ولا يتابعها أحد، تحية للنيابة العامة على دورها في تلك الأزمة.