"هذا صباح طيب مبارك، هذا صباح النجاح والتوفيق، هذا عامكم الطيب عام خير وتوفيق بإذن الله"، كانت هذه الكلمات هى مُفتتح محاضرات أستاذنا الدكتور الراحل محمد يحي عقل، أستاذ اللغة العربية وآدابها بجامعة كفر الشيخ، والذى فُجعنا بنبأ وفاته صباح اليوم، داخل مستشفى العزل بمدينة بلطيم، متأثراً بإصابته بفيروس كورونا المُستجد.
منذ عامى الأول فى الكلية ومنذ أن تعارفنا وهو يُشجعنى، ويُحفزنى بشكل دائم على التفوق والاستمرار، وكانت مقولته الدائمة لشخصى: "اتجدعن يا ولا أنت مكانك معانا هنا، لازم تبقى مُعيد".
كان دائماً يطلب منى أن أُجهز قصائد متنوعة للشعراء "نزار قبانى، وأمل دنقل، وصلاح عبد الصبور"، لإلقائها على مسامع زملائى فى كل مُحاضرة له، وكان يسمتع إليَّ بإنصات، ويُثنى عليَّ بعد إلقاء كل قصيدة، بل ويطلب من زملائى التصفيق لى.
كثيرون كانوا يجدون شبهاً كبيراً بينى وبين أستاذنا الدكتور الراحل، الذى نهلت من علمه، وكان له أثراً بالغاً فى حياتى، وكُنت أفرح كثيراً بهذا التشبيه، وأقول لهم: "أتمنى أن أكون نقطة فى بحر علمه".
الدكتور عقل شخصية نادرة لن تتكرّر من حيث درجة الاهتمام والتفكير ونوعية الكتابات والأقوال المأثورة والاهتمام بالظواهر الاجتماعية والحياتية لطلابه، فهو العصيٌّ عن النسيان، الذى لا يخشى فى الحق لومة لائم.
كان يتوعد الطلاب المُشاكسين، وكانت الغريزة الأبوية هى التى تتحكم فى مشاعره، فلم نسمع أنه أذى طالباً من طلابه قط، بل كان رحيماً بطلابه، وبأولياء أمورهم، وكان دائماً ما يُعنف الطلاب المُستهترين المُتقاعسين عن حضور المحاضرات، ويُطالبهم بالالتزام حتى لا تذهب أموال أهليهم هباءً منثوراً.
الدكتور محمد كان فخوراً بنشأته المُتواضعة، وأصوله الريفية، وكان شديد التعلق بمسقط رأسه فى قرية "الورق"، التابعة لمركز سيدى سالم، بمحافظة كفر الشيخ، حتى أنه كان دائماً فى محاضراته ما يتواصل مع أبناء قريته داخل قاعات المحاضرات، ويطمأن عليهم، وعلى أهليهم، وييسّر لهم الصعاب.
وكان دائماً أيضاً ما يُشجينا الدكتور محمد عقل فى كُل مُحاضرة بقصة ومغامرة من مغامراته أثناء فترة شبابه وحتى التحاقه بكلية التربية بجامعة كفر الشيخ، حيث أنه كان الأول على دفعته خلال سنواته الجامعية، وكان دائماً ما تنهمر من عينيه الدّموع حين يتحدث عن والديه، رحمهما الله.
الحديث عن جوانب شخصية الدكتور محمد عقل، رحمه الله، يحتاج إلى مجلدات كثيرة حتى نُلم بجوانب هذه الشخصية الفريدة من نوعها، التى لن تتكرّر، هذا الرجل الذى قلّ أن يجود الزمان بمثله، الرجل المُثقف، المُتواضع، المُحب لبلده وأبناء بلده المُخلصين.
"سيموت الكاتبُ وسيبقى النصُ يُقدم إجاباتٍ لأعوامٍ وأعوامٍ".. كانت هذه المقولة من المقولات الشهيرة للدكتور محمد عقل، رحمه الله تعالى، وكأنه ينعى إلينا نفسه، وبالفعل مات الكاتب وبقى النص، فقد عشت بطلاً ومت شهيداً بإذن الله يا أستاذنا ويا مُعلمنا الفاضل، ولا نقول إلا ما ما يُرضى ربنا.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
رحم الله الدكتور محمد يحي عقل، واسكنه فسيح جناته، وجعل صبره على فيروس كورونا اللعين فى موازين حسناته، وألهم أهله وزملائه وطلابه ومُحبيه الصبر والسلوان على فراقه.