اعلان

"تنيس بورسعيد" من الخيوط الذهبية إلى دائرة النسيان.. الجزء الأول

"تنيس "اثار تاريخية فى ذاكرة النسيان
"تنيس "اثار تاريخية فى ذاكرة النسيان

فشلت الأجهزة التنفيذية ببورسعيد، منذ عشرات السنين فى الاستغلال الأمثل للآثار الموجودة فى المحافظة والتى كان من الممكن أن تضع بورسعيد، وبقوة على خريطة السياحة، خاصة وأن بعض السياح الذين يتوافدون على المدينة من خلال الميناء السياحى لا يجدون آثار لزيارتها سوى المتحف الحربى الذى يحكى تاريخ المدينة.

"أهل مصر" تتناول أهم الآثار فى بورسعيد فى سلسلة من الحلقات و نبدأها بجزيرة "تنيس"

وهى جزيرة قريبة من البر ما بين الفرما"بورسعيد" ودمياط ولما فتحت مصر سنة 20ۿ كانت "تنيس "أخصاصاً من قصب وكان بها الروم وقاتلوا أصحاب عمرو بن العاص" ، وقد أحاطت بنشأت المدينة الأساطير كما لم يتفق جمهور المؤرخون العرب حول نشأتها وأسمها، ويقال بناها "قليمون من ولد أتريب بن قبطيم أحد ملوك القبط فـي القديم" ..هكذا بدأ طارق إبراهيم حسينى، مدير عام الآثار ببورسعيد وبحيرة المنزلة حديثه ل "أهل مصر".

وتابع بأن التيفاشي ذكر في سرور النفس"أن تنيس ودمياط والفرما ثلاثة أخوة ملكوا هذه المدن الثلاثة فسمي كل واحد منهم مدينته باسم نفسه، في حين يذكر ياقوت" أنها سميت باسم تنيس بنت دلوكة الملكة وهي العجوز صاحبة حائط العجوز بمصر فإنها أول من بني بتنيس وسمتها باسمها "، وجاء بعده ابن بسام فقال" وبنت هذه المدينة تنيس بنت صاين تدارس أحد ملوك القبط ".

وأشار حسينى إلى أنه يبدو علي أقوال المؤرخين، الاختلاف والتشعب مما يجعلنا نعتبر أن هذه القصص لا تعدو أكثر من أساطير من نسج الخيال ومن نمط الأساطير التي تحاك عادة حول تأسيس بعض المدن".

مجمع المياه وأحواض التنقية والترشيح وقنوات المياه المتصلة به

يتابع مدير عام آثار بورسعيد وبحيرة المنزلة، حديثه، فيقول أن أول ظهور لاسم المدينة في المصادر التاريخية القديمة ورد عند John Cassian الذي زار مصر في العقدين الأخيرين من القرن الرابع الميلادي 380 – 390 م فيذكر "، وصلنا إلي مدينة مصرية تسمي Thinnesus " تنيسوس " يحيط بها الماء من جميع جهاتها بحر ومستنقعات ملحة وقد تسابق الكتاب الغربيون لوضع أصول للاشتقاق اللفظي لكلمة "Tinnis" " تنيس" كما جاء عند "Champallion " فهو يفضل رجوع اسم المدينة إلي الأصول المصرية القديمة، ويري أنها مجمعة من الكلمة المصرية القديمة "Ta – n – isis " أي مدينة ايزيس "، إلا أنه لم يثبت بشكل مقنع وجود أي استيطان في موقع تنيس قبل القرن الثالث الميلادي، وكذلك المعلومات التاريخية والأثرية التى قمنا بها لم تشير إلي وجود أي نشاط سكاني في تنيس في العصر الفرعوني.

الأعمدة والعقود والأكتاف الساندة في الأركان والحاملة للسقف المتقاطع من داخل الصهريج

تنيس لعبت دوراً هاماً في المجالين السياسي والحربي طوال تاريخها

وأضاف حسينى: أنه مع بداية الفتح العربي لتنيس وصفت بأنها مجرد أخصاص من قصب حتي عرفت "بذات الأخصاص" وظلت هكذا إلي صدر من أيام بني أمية، وجاء ازدهارها ونموها حين برزت كمدينة متخصصة في صناعة أنواع من النسيج المشهور، وواصلت نموها خلال حكم الخلافة العباسية إلي أن بدء في بناء سورها في عصر المتوكل على الله العباسى عام 230 ھ وانتهى منه فى 239 ھ ".

وتابع قدر للموقع الجغرافي المتميز لتنيس أن تلعب دوراً هاماً في المجالين السياسي والحربي طوال تاريخها وتميزت كرباط بموقعها الجزري الحصين " فأهل تنيس سادة المرابطين لأنهم في جزيرة محاصرين " كما كانت المدينة في حماية حصن أو رباط الأشتوم (أشتوم بحيرة تنيس) وكان يعد هذا الحصن بمثابة خط دفاع أمامي للمدينة كما كانت دمياط بإمكانياتها الحربية في وضع يـمكنها مـن مساعـدة ومساندة تنيس عند تعرضها للاخطار الخارجية، كل هذه العوامل مكنت لتنيس أن تلعب دوراً مميزاً في المجالين السياسي والحربي حتى الربع الأول من القرن السابع الهجري سواء أثناء الصراعات الداخلية أو أثناء الغزو الخارجي.

فلعبت المدينة دورا هاما في الأحداث السياسية اثناء عصر الولاة في الفترة محـل النزاع بين ولدي هارون الرشيد الأمين والمأمون، حين استطاع عبد العزيز الجروي وولده أثناء هذه الفترة من إقامة إمارة بتنيس علي ساحل مصر كانت تبسط سلطانها علي الإسكندرية ومدت سيطرتها جنوبا حتى بلبيس كما استولت علي الصعيد مدة مـن الزمن حتى لقبه صاحب الانتصار بملك الساحل".

مجمع المياه وأحواض التنقية والترشيح وقنوات المياه المتصلة به

ثلاثة مراحل تاريخية اخرى بعد عصر الولاة فى تاريخ تنيس السياسي والحربي

وقال مدير الاثار ببورسعيد إن هناك ثلاثة مراحل تاريخية أخرى مميزة بعد عصر الولاة فى تاريخ تنيس السياسي والحربي:

الأولى في عصر الدولتين الطولونية والإخشيدية، فمنذ تولي أحمد بن طولون شئون مصر اتجه إلي دعم قوته البحرية ليدفع عن نفســه وولايته محاولات الخلافة العباسية استرداد نفوذها فيها، ومن ثم اتجه إلي الاهتمام بشئون الأسطول والثغور المصرية وكانت تنيس بحكم موقعها أقرب المرافئ إلي بلاد الشام – التي هيمن عليها أحمد بن طولون وضمها إلي ولايته في عـام ( 264 ﻫ /877 م) - ولهذا لقيت تنيس عنايته فدخلها في عام ( 269 ﻫ/ 882 م ) وأنشأ بها عدة صهاريج وحوانيت كثيرة بالسوق عرفت هذه الصهاريج "بصهاريج الأمير" وأغلب الظن أن أحمد بن طولون قد أقدم علي بناء هذه الصهاريج ليوجد لأهل المدينة وجنوده المرابطون في المدينة المئونة الكافية من الماء العذب، فتنيس في عصر الطولونيين لم تكن ثغر واجب حمايته فقط بل كانت من أهم مدن مصر الصناعية والتجارية إلي جانب أنها كانت تشارك بالأسطول والحامية المرابطة بها في تأمين سواحل الشام بل وتشارك في الغزوات.

الأعمدة والعقود والأكتاف الساندة في الأركان والحاملة للسقف المتقاطع من داخل الصهريج

والثانية في العصر الفاطمي فقد شهدت تنيس في عصر الدولة الفاطمية نشاطا بحريا واضحا إذ أنها كانت مركزا هاما للأسطول الفاطمي الذي تولي بالإضافة إلي حراسة السواحل المصرية القيام بمهام حربية في الشام، ففى بداية العصر الفاطمى شاركت تنيس دمياط والإسكندرية في الحملات التي خرجت إلي صور وطرابلس لحفظ حصون الشام والدفاع عنها" واستخدمت المدينة في ذلك العصر أيضا كمكان لنفي المغضوب عليهم فيها كما حدث مع ولي العهد" ابن عم الحاكم عبد الرحيم بن الياس فقبض عليه وحمل إلي تنيس وقتل هناك "وأثناء خلافة المستنصر بالله الفاطمي قبض علي وزيره الناصر للدين عبد الرحمن اليازوري وأخرج إلي تنيس ومعه نساؤه وأولاده ليلا وضربت رقبته في أسفل دار الامارة بتنيس وحملت رأسه إلي المستنصر، كما نفي إليها أبو عبد الله محمد بن ميسر بعد أن صرف عن قضاء القضاة وقتل بها أيضا" وكان ذلك شأن المدن الحربية في العصر الوسيط ذلك لوجود القلاع الحصينة بها ولهامشية موقعها وبعدها عن العاصمة ".

أما فى عهد الدولة الأيوبية وبعد خراب الفرما أصبحت تنيس الهدف الأول للصليبين علي الساحل الشمالي لمصر وهدف رئيسي أيضا لغارات وأعمال القرصنة للنورمانديين في صقلية لذلك انتدب السلطان الناصر صلاح الدين لعمارة قلعة تنيس وتجديد الآلات بها"، فقدروا لعمارة سورها القديم علي أساساته الباقية مبلغ ثلاثة آلآف دينار ثمن آجر وأصناف"، وأنفق السلطان في رجال الشواني وجردهم للغزو، إلا أن كل ذلك لم يكن كافيا، فاحتدم الصراع بين المسلمين والصليبين جعل من مصر هدفا خاصة بعد استيلاء المسلمين علي بيت المقدس في أواخر القرن السادس الهجري" فعقب صلح الرملة سنة ( 588 ﻫ / 1192 م ) أمر السلطان صلاح الدين بإخلاء تنيس ونقل سكانها إلي دمياط فأخليت في شهر صفر من الزراري والأثقال ولم يبقي في المدينة سوي المقاتلة في قلعتها " إلا أن تطرف تنيس جهة الشرق. وغناها ونشاطها الاقتصادي، جعل صلاح الدين الأيوبى يخشي عليها الخطر الصليبي، وقد صدق حدس صلاح الدين إذ تكررت غارات الصليبين البحرية علي شواطئ مصر وثغورها الشمالية "، لذلك أمر الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر الأيوبي في سنة ( 624 ﻫ / 1227 م) بإخراج السكان منها ونقلهم إلى دمياط، كما أمر بهدم ما بقى من سورها وبيوتها خوفا من سقوطها في أيدي الفرنجة فخربت أركانها الحصينة وعمائرها المكينة "، وفي شوال من نفس العام بعث الملك الكامل حجارين وفعلة لهدم المدينة، فنقضت وأخليت حتى لم يبق بها ساكن"، فهدم ما بقي من سورها وبيوتها ولم يبق منها إلا رسومها في بحيرة تنيس".

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً