أردوغان في روسيا: بوتين استفاد من الوقائع على الأرض.. والغرب غارق في التناقضات والبلادة

أردوغان في روسيا
كتب :

نبه غريغول ماغالوبليشفيلي، ورئيس الوزراء الأسبق في جورجيا، الناتو إلى خطورة التقارب الحاصل حاليًا بين تركيا وروسيا.

وكتب ماغالوبليشفيلي في مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية، أن انتهاء الاجتماع "المصالحة" بين الرئيس التركي رجب طيب أردوعان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، قد ينهي حقائق مريحة شأن سياسات عالمية، بأسرع مما توقعه البعض.

أول رئيس

ويلفت السياسي الجورجي إلى أن بوتين هو أول رئيس دولة يلتقي أردوغان بعد فشل محاولة الانقلاب ضده في 15 يوليو، ما يظهر أن الرئيس الروسي كان أول من سارع للاستفادة من "وقائع على الأرض"، فيما لا زال صناع سياسة غربيون غارقين في التناقضات والبلادة.

ويحظى بوتين بين الأتراك بقبول نظرًا لسياساته المعادية لأمريكا، ولنجاحه في إعادة صياغة النظام العالمي الحالي، ما يدفع الغرب نحو دوره المعتاد القائم على ردة الأفعال وفقدان السيطرة.

انعطافة قاسية

ويشير ماغالوبليشفيلي لمواقف العالم المتفاوتة حيال الانقلاب، ولحملة أردوغان الكاسحة ضد قوى معارضة داخل تركيا في أعقاب فشل المحاولة. وحتى الانعطافة القاسية التي شهدها مسار تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، قد يجعل مكانتها داخل الناتو، وهي أساسية منذ عام 1952، مثار جدل ودراسة.

والشيء الأهم أن علاقة تركيا مع الولايات المتحدة تمر بظروف صعبة، جراء تكرار أردوغان وزعماء أتراك اتهاماتهم لواشنطن بضلوعها في التدبير للانقلاب. وقد أدت تلك التطورات لابتعاد تركيا عن الغرب بدرجة أكبر مما كانت عليه منذ نهاية الحرب الباردة.

استغلال

ذلك التباعد، يمثل برأي الكاتب فرصة كبيرة بالنسبة لبوتين يستطيع استغلالها على أكمل وجه. وهكذا قد يدرك رجلان من أشد زعماء العالم غطرسة وعدوانية واستبدادًا، بأن تعاونهما، عوضًا عن خصومتهما، يعد خيارًا أمثل. وبالنسبة للغرب، تشكل تلك الشراكة الواعدة صعوبات كبيرة، مفسحة المجال أمام احتمال إعادة ترتيب جيو سياسي هائل في العالم.

فرص كبيرة

ويلفت ماغالوبليشفيلي لتنافس دام طوال قرون بين الروس والأتراك. وبقيت القوتان على طرفي نقيض طوال الحرب الباردة، ولكن منذ نهايتها، شهدت العلاقات التركية ـ الروسية كثيرًا من الشد والجذب. وتبقى هناك فرص كبيرة لتحقيق تعاون اقتصادي، وتجاري وسياحي، فضلًا عن التنسيق في مشاريع كبرى للطاقة مثل "ستريم التركي"، لنقل الطاقة عبر البحر الأسود.

ولكن، كما يلفت الكاتب، تعطل عدد من المشاريع بين تركيا وروسيا بسبب خلافات جيو سياسية، وقضايا سياسية، كالمواقف من الناتو وأوكرانيا وسوريا وأرمينيا وقبرص. ثم تدهورت العلاقات الروسية ـ التركية في نوفمبر 2015، عندما أسقطت طائرة تركية من طراز إف ـ 16 قاذفة روسية شردت إلى المجال الجوي التركي. وفي نفس الوقت، تدور تساؤلات حول دور الناتو في الأزمة، واحتمالات التصعيد هناك.

تحكيم العقل

وبحسب ماغالوبليشفيلي، يبدو أن أردوغان وبوتين وجدا عشية المحاولة الانقلابية الشهر الماضي، أن الوقت قد حان لتحكيم العقل. ويبدو أن مجموعة لافتة من القضايا تدفع البلدين نحو تسوية مؤقتة. وأول تلك القضايا، إدراك بوتين أنه حتى ضمن أشد الأنظمة استبدادًا، لا يستبعد وقوع ثورة أو إنقلاب. كما ترسخت لدى الزعيمين قناعة بأن الولايات المتحدة تتآمر للإطاحة بهما، وأنها تدعم قوى معارضة لنظاميهما.

الوضع في سوريا

رغم ما جرى مؤخرًا في حلب، يرى الكاتب أن الوضع في سوريا استتب لصالح روسيا. وربما بات أردوغان أكثر استعدادًا لتقبل بقاء خصمه الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، وما يهمه اليوم هو القضاء على متمردين أكراد يحاربونه في جنوب تركيا، لذلك هو يحتاج لدعم روسيا. كما يدرك أردوغان حاجته الماسة لمساعدة الكرملين لمنع تسلل جهاديين عائدين من سوريا لتنفيذ هجمات في تركيا.

منافع مشتركة

من جهة أخرى، يشير ماغالوبليشفيلي لحاجة كل من تركيا وروسيا لتعاون اقتصادي، يعوض روسيا خسائرها الناتجة عن العقوبات الأوروبية والأمريكية جراء ضمها لإقليم القرم، وبسبب تراجع أسعار النفط. كما تنتظر تركيا عودة السياح والمشاريع الروسية المربحة إليها، وعلى رأسها خط "ستريم التركي".

فرصة ذهبية

كل ما سبق ذكره، يمثل، برأي الكاتب، فرصة ذهبية لبوتين البارع في إثارة الانقسامات بين حلفاء ضمن حلف الناتو، من أجل جني ثمارها. وفي هذه المرة جاءته فرصة ذهبية دون أي يبذل أي جهد، بالرغم من انتشار شائعات بأن الاستخبارات الروسية هي التي كشفت لأردوغان الانقلاب.

مبادرة

وفي الوقت نفسه، يصر زعماء وصناع سياسة في أمريكا وأوروبا على نفي أي علاقة لهم في محاولة قلب نظام حكم أردوغان، مع عدم سعيهم للتقارب مع تركيا، ما يعطي بوتين زمام المبادرة.

ويخلص الكاتب إلى أن ابتعاد تركيا المتزايد وانفكاكها عن الغرب يعني أن بوتين وأردوغان سيجدان في ما بينهما أرضية مشتركة تمهد لتعاون لتنفيذ سياسة مشتركة. ومن هنا يخشى أن يصبح الأمن الغربي واستقرار الناتو أضعف من أي وقت آخر منذ نهاية الحرب الباردة. إنه احتمال مقلق، لكنه واقعي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً