يبدو أن العالم بات على مشارف مرحلة ازدهار غير مسبوقة للمرأة.. شواهد ومؤشرات كثيرة تؤكد ميلاد ظاهرة تتحرك ببطء نحو التأكيد على أن المساواة بين الجنسين التي أقرها إعلان بكين قبل 21 عاما، ودعمتها أجندة ٢٠٣٠ للأهداف الإنمائية المستدامة التي تبنتها الدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة في شهر سبتمبر الماضي كخريطة طريق للعالم أجمع، أصبحت مؤكدة ومعطياتها لا تقف عند حدود دولة بعينها لأنها قضية المرأة في كل مكان وزمان.
في عالم يتسم بضعف اليقين بقدرات المرأة والانحياز للرجل، والاتجاه نحو التمييز بين الجنسين، نرى نساء وفتيات حديديات لديهن صلابة رغم وجود معارضين على مشاركتهن في الحياة العامة أو معارض كليا لمجرد ظهورهن في العمل العام بحكم عادات وتقاليد لم يعد لها صلة بعصرنا الحالي، ورغم هذا فقد ظهرت شواهد مبشرة تؤكد أن المستقبل القريب سيشهد انفراجه نحو المساواة بين الجنسين في العالم.
مؤشرات عززها وجود امرأة قوية مثل المستشار الألمانية انجيلا ميركل التي تحكم منذ نحو عقد من الزمان، وتعيين تريزا ماي رئيسا للوزراء لقيادة البلاد في وقت يعد من أصعب الأوقات التي مرت بها المملكة المتحدة في تاريخها منذ الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى ترشح هيلاري كلينتون لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب تساوي عدد المرشحين، والمرشحات لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة بما يؤشر إلى احتمال كبير لفوز واحدة منهن بهذا المنصب الأممي الرفيع في التصويت الذي سيجري أواخر العام الحالي.
وفي رحاب ريودي جانيرو تجمعت مفردات المساواة لترسم صورة مشرقة للمرأة، إذ ما لبثت منافسات تلك الدورة 31 أن توشك على الانتصاف إلا وظهر حرص الجنس الناعم في مسابقاتها البالغ عددها 306 مسابقات في 28 لعبة رياضية على التفوق، وتحقيق أرقام قياسية وسط إصرار يؤكد حرصهن على معانقة ذهبيات وبرونزيات الأوليمبياد.
وتشارك مصر بأكبر بعثة لها منذ مشاركاتها في الأولمبياد عامة، حيث تضم 37 فردا من العنصر النسائي، وتعد هايدي عادل، أصغر رياضي مصري مشارك (17 عاما)، وهي لاعبة الخماسي الحديث.
وحققت المصريات في البرازيل حتى الآن نتائج مرضية إلى حد كبير، خاصة بعد تأهل العديد منهن في المنافسات للفوز بميدالياتها الذهبية، والبرونزية، ففي الرماية نجحت المصرية عفاف هدهد في التأهل إلى الدور النهائي للعبة الرماية عشرة أمتار ضغط هواء، وهو الرقم الأفضل في تاريخ مشاركات مصر وأفريقيا خلال دورات الألعاب الأولمبية.
وفي التجديف تمكنت نادية نجم من التأهل لربع نهائي فردي سيدات بعد تحقيقها المركز الثالث في التصفيات، فيما تأهلت دينا مشرف لاعبة تنس الطاولة للدور 128 بتغلبها على التونسية صفاء سعدني بأربعة أشواط دون رد، وفى السباحة تأهلت فريدة عثمان للدور قبل النهائي في منافسات 100 متر فراشة بعد احتلالها المركز الثاني عشر في الدور الأول، وفي لعبة القوس حصلت ريم منصور على المركز 56 بمجموع نقاط 596، في التصفيات الأولى لتواجه اللاعبة لين شيه شيا من الصين في دور 64، وذلك قبل افتتاح الأولمبياد رسميا، وحصدت سارة سمير برونزية في رفع الاثقال وزن ٦٩.
ونجاح المرأة في أولمبياد ريودي جانيرو ليس مصريا فقط، لكنه نجاح عربي، وعالمي فقد حصلت التونسية إيناس بوبكري على برونزية في سلاح الشيش، وأحرزت المجرية هوسو تحرز ذهبية في سباحة ٢٠٠ متر متنوعة، أما الإثيوبية ألماز أيانا فقد حصدت الرقم القياسي لسباق 10 آلاف متر، وحصدت الميدالية الذهبية.
والبقية تأتي فكل يوم يمر تضاف ميدالية من ميداليات الأولمبياد لرصيد المتنافسات، وما هي إلا رسالة للعالم تؤكد كفاءة، وقدرة المرأة على القيام بأي عمل بذات كفاءة الرجل.
وكانت الأعوام الأخيرة قد شهدت زيادة ملحوظة في دخول النساء كافة المجالات المهنية غير أن هناك قيودا ما زالت تحد من قدرتها على اقتحام مجال العمل العام، وتجعل من نسبة إشغال النساء من أقل المعدلات الدولية، وفي ظل الجهود المضنية التي تبذلها هيئة الأمم المتحدة للمرأة في مجال دعم دورها، والمساواة بين الجنسين، طرأ تغير كبير على نظرة المجتمع الدولي لها يخاطب التحديات الأساسية للقرن الواحد والعشرين، وتم الاعتراف بتمكين المرأة باعتباره شرطا مسبقا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة خلال العقد القادم.
وحتى إشعار آخر، ستحقق المرأة الكثير من النقاط المضيئة في مسيرتها، فقد بثت أجندة ٢٠٣٠ روح جديدة في مستقبل الأهداف الإنمائية المستدامة، والتي تضمنت هدفا مستقلا يختص بالمساواة بين الجنسين، وحقوق النساء، وهو الهدف الخامس الذي يعتبر نقطة تحول، وانطلاق مهمة نحو تعميق استراتيجيات تمكين المرأة، وتوفير الصلاحيات في البنية الدولية التي تؤدي إلى خفض معدلات تهميشها، والتغلب على التحديات التي فرضت عليها لكونها أنثى، وذلك مقابل الاعتراف بدورها في المجتمع وتعزيزه، وتقويته.