في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المصري من أزمة حادة في النقد الأجنبي، والذي تراهن فيه الحكومة على قرض صندوق النقد الدولي لإخراج الاقتصاد من الحالة الحرجة الحالية، يأتي ملف الصادرات كأحد أهم الملفات التي تعول الحكومة عليه لزيادة الموارد الدولارية.
ويكفي العلم، بأن الصادرات السلعية تأتي في مقدمة قائمة الإيرادات الدولارية بعد تحويلات المصريين العاملين في الخارج، وحتى قبل إيردات قناة السويس، إذ تصل إجمالى قيمة الصادرات المصرية غير البترولية نحو 25 مليار دولار في المتوسط.
وعلى الرغم من أهمية التصدير بشكل عام، وأهميته القصوى في الوقت الحالي بشكل خاص، إلا أن الوضع الحالي والأرقام الصادرة عن وزارة التجارة والصناعة، تؤكد أن هناك خللًا واضحًا قد يصل إلى حد الفشل في إدارة ملف الصادرات.
الأرقام الصادرة عن وزارة التجارة تكشف عن أن العام 2015، كان العام الأسوأ للصادرات المصرية، لكن الأرقام ذاتها تؤكد استمرار الأزمة، برغم تحسن المؤشرات نسبيا.
بداية الاهتمام الحقيقي بملف الصادرات كان في عام 2009، عندما أعلن وزير التجارة والصناعة آنذاك رشيد محمد رشيد استراتيجية شاملة لمضاعفة صادرات مصر السلعية والارتفاع بها من 95 مليار جنيه إلى 200 مليار جنيه في عام 2013، بعدها بنحو عامين رحل مبارك ووزرائه بما فيهم رشيد، وبقيت استراتيجية مضاعفة الصادرات التى ظلت تسير في اتجاهها الصحيح رغم كافة المشكلات التي أعقبت 25 يناير.
وعلى مدار أربعة أعوام وعلى عكس المتوقع لم تشهد مؤشرات الصادرات على مدار الفترة من 2011 حتى 2014 هبوطًا كبيرًا، بل تأرجحت الأرقام بين استقرار نسبي وبين انخفاضات طفيفة، غير أن الأمر تبدل تماما مع مطلع العام 2015 الذي يعد العام الأسوأ للصادرات، ومنذ يناير 2015 بدأت الأرقام تشهد تراجعًا غير مسبوقًا حتى وصلت فيه نسبة التراجع إلى 27%.
وبتحليل تقارير وزارة الصناعة والتجارة بشأن صادرات مصر خلال السنوات الخمس، كشفت الأرقام عن مفاجآت من بينها عدم تأثر الصادرات بالأحداث السياسية في مصر ببدايتها، حيث بلغ إجمالي صادرات مصر في عام 2011 حوالي 130.7 مليار جنيه بزيادة نسبتها 19%، ومثلت تلك القيمة مانسبته 109% مما كان مستهدفًا في الخطة السنوية لمضاعفة الصادرات، وبلغ عدد المصدرين الجدد في هذا العام 324 مصدرًا.
التقارير تكشف أيضا عن استمرار الصادرات السلعية في تحقيق نموها رغم الأزمات السياسية والأمنية والإضطرابات العمالية في الموانىء، فقد بلغ إجمالي صادرات مصر في نهاية عام 2012 نحو 132 مليار جنيه بزيادة قدرها 1%، ومثلت تلك القيمة مانسبته 102% من مستهدف الخطة الذي كان يسعى للوصول بالصادرات إلى 130 مليار جنيه في نهاية نفس العام.
وارتفعت تلك القيمة في عام 2013 لتصل إلى نحو 147 مليار جنيه بزيادة 11% مثلت ما نسبته 101% من المستهدف الذي كان يسعى للوصول بالصادرات إلى 145 مليار جنيه، فيما بلغ إجمالي الصادرات في عام 2014 نحو 156.5 مليار جنيه (22.1 مليار دولار) بزيادة قدرها 0.15% عن العام السابق له، ومثلت تلك القيمة نحو 88.4% من المستهدف البالغ 25 مليار دولار.
ومنذ يناير 2015، بدأت الأرقام تشهد تراجعًا غير مسبوقا حتى وصلت نسبة التراجع إلى 27%، وبدأ التراجع في شهر يناير بنحو 20.9%، وفي مارس تراجعت الصادرات بنسبة 21.7%، ثم في إبريل تراجعت بنسبة 22.7%، بينما تراجعت في مايو بنسبة 21%، وكان التراجع أقل في يوليو، وبلغت نسبته 11.8%، وفي أغسطس تراجعت بنسبة 19.8%.
أما في سبتمبر، فقد بلغ التراجع 27.2% والذي يعد الأكبر خلال السنوات الخمس الماضية بعد شهر فبراير الماضي، والذي تراجعت الصادرات فيه بنسبة 27.4% في فبراير، ووفقا للتقارير فقد بلغ إجمالي صادرات مصر في خلال الأشهر التسعة الماضية نحو 13.8 مليار دولار ( تعادل 105 مليار جنيه).
ملامح انهيار الصادرات تتضح بشكل أكبر بمجرد إلقاء الضوء على اثنين من أبرز القطاعات التصديرية القائدة والتي كانت تستحوذ على أعلى نسبة من التصدير، وهما "قطاعا مواد البناء، والكيماويات والأسمدة"، إذ استمر كلا القطاعان في تحقيق نموًا ملحوظًا خلال أعوام 2011 و2012 و2013، إلى أن تراجعا بنسبة وصلت إلى 5% بنهاية العام 2014، ثم بدأت رحلة الهبوط خلال العام الجاري، فحقق قطاع الصناعات الكيماويات والأسمدة تراجعا بلغت نسبته 33% (بالدولار) حتى سبتمبر وقطاع مواد البناء 25% بالدولار، وهو التراجع الذي طال كافة القطاعات التصديرية.
التقارير تكشف أيضا عن أبرز الأسواق التي تراجعت إليها الصادرات المصرية والتي كان من بينها أسواق دول "الربيع العربي" ومنها سوريا وليبيا والعراق، لكن الملاحظة الجديرة بالتأمل هي أن عملية التصدير ظلت مستقرة نسبيا إلى تلك الأسواق، حتى بداية العام الجاري، إذ تراجعت الصادرات إلي ليبيا على سبيل المثال بنسبة 56% لتصل إلى 3.1 مليار جنيه في سبتمبر 2015، بعدما كانت 7.1 مليار دولار في 2014 و6.8 مليار جنيه في 2010.
وفي سوريا وصلت نسبة التراجع إلى 50% لتصل في 2015 نحو 1.3 مليار جنيه مقابل نحو 2.6 مليار جنيه خلال العام 2014، وهو ماينطبق بشكل أو آخر على سوقي اليمن والعراق.
وعلى الرغم من تبرير المسئولين عن ملف الصادرات وتحديدًا وزير الصناعة السابق منير فخرى عبدالنور، بأن التراجع يعود إلى الاضطرابات السياسية والأمنية في الأسواق المحيطة، إلا أن الأرقام تكذب تلك التبريرات، فعلى الرغم من الاستقرار الأمني والسياسي في أكبر أسواق تصدر إليها مصر إلا أن تلك الأسواق حققت تراجعًا واضحًا، فمثلًا تستحوذ الأسواق الأمريكية والأوروبية على أغلب الصادرات المصرية، ومع ذلك تراجعت صادرات مصر إلى أمريكا بنسبة 29% لتهبط قيمتها من 1.2 مليار دولار فى 2014 إلى 907 مليون دولار في 2015، في حين تراجعت الصادرات إلى الاتحاد الأوربى أكبر شريك تجارى لمصر بنسبة بالغة السوء وصلت إلى 53% لتصبح نحو 3.5 مليار دولار في 2015 بعد أن كانت 6.4 مليار دولار في العام الماضى، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على السوق الإفريقية، والتى ترتبط معها مصر باتفاقية الكوميسا، إذ تراجعت صادرات مصر إليها بنسبة 32% لتصبح قيمتها 826 مليون دولار فى 2015 إلى نحو 1.2 مليار دولار في 2014.
تقارير العام الجاري 2016، تكشف عن تحسن نسبي في أرقام الصادرات، لكنها تعكس في الوقت ذاته عن تحسن ضئيل للغاية، في ظل الانخفاض الحاد في سعر الجنيه على مدار الأشهر السبعة الماضية، كما تكشف عن فشل عدد من القطاعات في تحقيق أي معدلات نمو تذكر.
وبحسب آخر التقارير، التي أعدتها وزارة التجارة عن الصادرات، فإن إجمالى قيمة الصادرات بنهاية شهر إبريل بلغ 6.5 مليار دولار مقابل 6.3 مليار دولار، بزيادة طفيفة بلغت 2.3%، وهي النسبة التي يعتبرها مصدرون "غير منطقية" في ظل تراجع الجنيه، وهو الأمر الذي كان من المفترض أن يسهم في زيادة معدلات التصدير.
ووفقا للتقرير، الذي حصلنا على نسخة منه، فإن التراجع غلب على معظم القطاعات التصديرية، إذ حقق قطاع الأثاث تراجعًا بنسبة 5%، وقطاع الجلود تراجعا بنسبة 8%، والأدوات الهندسية 12%، والكتب والمصفنات 30%، والملابس الجاهزة 12%، والصناعات اليدوية 15%، والمفروشات 21%.
فيما لم تشهد صادرات قطاع "الكيماويات" أي نمو، بينما شهدت صادرات قطاع "مواد البناء" نمو بنسبة 48%، وقطاع الحاصلات الزراعية 2%، والأدوية 6%، والصناعات الغذائية 1%.