تتعانق مياه النيل الأبيض ذات اللون البني الفاتح القادمة من البحيرات العظمى بوسط أفريقيا مع مياه النيل الأزرق الطينية الداكنة اللون القادمة من الهضبة الأثيوبية ليغزلان معا مياه نهر النيل في منطقة "المقرن" بالعاصمة المثلثة "العاصمة السودانية الخرطوم"، حيث تجري المياه وتفيض فتملأ الأرض زرعا وخيرات حتى هبة النيل "مصر" لينتهي بها المطاف في مياه البحر المتوسط.
"المقرن" هي نقطة التقاء النيلين التى يفد إليها زائرو الخرطوم.. فنادرا ما يلتقي رافدان لنهر في شتى بقاع الأرض ويحدثان ذلك الخليط العذب ويمتزج لونهما بشكل سريع، وقد اختارت الفنادق العالمية هذا الموقع ليستمتع نزلاؤها بالمشهد الرائع الجاذب للعينين.
"آهٍ على سرك الرهيبِ وموجك التائه الغريبِ.. يا نيل يا ساحر الغيوبِ".. كلمات الشاعر محمد حسن إسماعيل في قصيدته "النهر الخالد" خير وصف لما يدور في خلدك، وصوت ونغمات موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب التي تغنى بها تهمس في أذنك عند مشاهدة التقاء النهرين، في منظر أقل ما يوصف بأنه خلاب.
وجزيرة "توتي" هي أحد الأماكن التي تستمتع فيها بمشاهدة النيل الأزرق في جلسات أشبه ما تكون بكورنيش نيل القاهرة.. ورغم فيضان النيل وارتفاع منسوب مياهه في مثل هذا الوقت، وحيلولته دون استمتاع الزائر برحلة نيلية عبر المركب، إلا أن المناخ الخريفي الذي تشهده الخرطوم حاليا خير جاذب للزائرين والأسر للجلوس على الشاطئ والتسامر واحتساء القهوة والشاي وأكل المانجو والبطاطا والعجور"شبيه بالخيار" والفول السوداني.
من على أرض الجزيرة- التي تعد من أقدم مناطق الخرطوم- يمر كوبري "توتي" الذي يقف عليه الشباب الذي اختار ذلك الموقع الفريد في ذلك المناخ المعتدل، إلى حد ما، الذي ينتظره السودانيون في أغسطس من كل عام، لمشاهدة النيل.
أما احتساء الشاي على الجزيرة له مذاق خاص عند "ست شاي"، وهي سيدة بسيطة تفترش الأرض وتُعد الشاي والمشروبات الساخنة والعصائر وهي مهنة للسيدات تنتشر في شوارع العاصمة السودانية.. كما يمكن للزائر الجلوس على أحد المقاهي ذات الأسعار المناسبة والتي تعمل على جذب الزائرين بكتابة مواعيد مباريات الدوري الأوروبي لكرة القدم على جدرانها لمشاهدتها.
والتجول بالركشة "التوك توك" داخل جزيرة "توتي" يسمح لك بمشاهدة فيضان النيل الأزرق وارتفاع منسوبه الذي يحمل الخير إلى الأرض الخصبة.. وفتيان يحملون أدوات الصيد منتظرين بصبر خير النهر.. البساتين والزرع الأخضر.. بيوت بدائية الصنع وأخرى بالطوب الأحمر على بعد أمتار ليست ببعيدة كثيرا عن الشاطئ.
نعم إنه مشهد مبسط لخيرات أطول أنهار العالم وأكثرها شموخا، نهر النيل، الذي نبعت منه واحدة من أقدم وأعرق الحضارات.. حضارة "مصر والسودان".