يتهرب الكثير من الكفاءات داخل وزارة التربية والتعليم من تولى المناصب ولا يعرف حتى الآن سببًا حقيقيًا وراء ذلك، حيث أنه من الواضح أن الكفاءات يفضلون أن يظلوا فى مناصبهم العادية كأعضاء بهيئة التدريس فقط ولا يفضلون أن يتولوا مناصب هامة كمديرين للمدارس أو حتى مديرين للادارات التعليمية، ويرجع هذا إلى عدة أسباب ربما أهمها وأبرزها عدم وجود الصلاحيات وصعوبة التغيير والإصلاح.
وتشير العديد من المصادر التربوية إلى أن المنصب داخل وزارة التربية والتعليم لا يضيف إلى صاحبه الكثير نظرًا لإهمال الدولة للمعلمين بشكل خاص والتعليم بشكل عام، وتؤكد على ذلك الإحصاءات التي بينت أن مصر تحتل المركز قبل الأخير في جودة التعليم في العالم، وقد سعت بوابة "أهل مصر" لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء ذلك، خاصة أن الوزارة أحوج ما يكون للكفاءات والمميزين لإدارة العملية التعليمية، فقمنا بالتواصل مع مصادرنا التعليمية لمعرفة حقيقة تلك الظاهرة السلبية ووضع حلول لها.
بداية من الكفاءات بين المدرسين، حيث قال الأستاذ أحمد إبراهيم، مدرس أول بالمرحلة الثانوية، إن الكفاءات تتهرب من الإدارة لعدة أسباب وأولها ضمان الاستمرار في أماكن أعمالهم للحفاظ على الدروس الخصوصية، حيث إنه عندما يتولى المدرس أي منصب إداري يمكن أن يبتعد عن مدينته أو قريته أو محافظته التي يعمل بها وبالتالي يبتعد عن طلابه دون زيادة مادية معقولة أو حرية في اتخاذ القرارات أو محاولة إبداع لذا فإن معظم الكفاءات لا يقدمون أوراقهم لتولى إدارة مدرسة أو إدارة لذلك يجب علاج المشكلة عبر مسارين.
الأول: أن تقوم الدولة بزيادة أجور المعلمين بهدف تكثيف جهودهم في تعليم الطلاب داخل المدارس، علاوة على منحهم العديد من الدورات التدريبية التي تساعدهم على معرفة واتباع طرق التدريس الحديثة، وذلك بجانب الحد من انتشار مافيا الدروس الخصوصية والاهتمام بالعمل المدرسي.
وثانيًا: اعتماد الوسائل الحديثة في تأهيل المعلمين والمعلمات من أصحاب التخصص مهنيًا ونفسيًا وتقديم الرعاية الاجتماعية الحقيقية ذات الجودة العالية للطلاب والطالبات، الى جانب توظيف الكفائات فى المناصب بزيادة معنوية ومادية تساعده على الاستقرار والعمل المتقن.
وقال الدكتور أيمن البيلى، رئيس نقابة المعلمين المستقلة بالقاهرة، أن معايير الاختيار لا تطبق بالفعل على أرض الواقع حيث أن الجهات الرقابية والقيادات التى تقوم بالاختيار يكون لها معايير أخرى تقوم على الولاء والثقة.
ثانيا: الكفائات الموجودةو بالتربية والتعليم لا ترغب فى السقوط فى جب الروتين الحكومى حيث أن مجموعة القرارات الوزارية والقانون الحالى يقتل فكرة الابداع وتطوير العمل، كما أن هناك ما يزيد عن 4000 شهادة دكتوراه من العاملين بالتربية والتعليم ومع ذلك لا يتم الاستعانة بهم فىة أى مواقع قيادية أو غرف عمل تحيط بالقيادات بسبب معايير الولاء والثقة وليست معايير الكفاءة.
وأضاف "البيلي" أن هناك مَن يرون أن توليهم القيادة سيدخلهم في مشكلات كثيرة مع المعلمين المحيطين بهم والبيئة الموجودة حولهم نظرًا لانتقالهم من المدارس التي طالما عملوا بها مدرسين وتعرفوا على كل من فيها من طلاب ومعلمين وأهالي أيضًا، لذلك فهم لا يوافقون على تولى الإدارة إلا في نفس المدرسة، كما أنه يتوجب علينا التلميح إلى الجانب المادي في هذا الموضوع، حيث إنه لا توجد حوافز مادية قيمة لتحمل المسئولية وتولى المنصب.
وقال الأستاذ علاء حمدى، مدير مدرسة سابق، أن هناك عدة أسباب لتهرب الكفاءات من المناصب وأول هذه الأسباب من وجهة نظرى هى سياسة الأيدى المرتعشة أو الخوف من تولى المنصب لتجنب المشاكل لأن مدير المدرسة يكون مسؤولا عن أقل الأشياء التى تحدث بالمدرسة فمثلا إذا أراد المدير أن يغير صنبور فاسد فى حمام المدرسة فانه يتقدم بطلب لجلب حنفية جديدة للادارة التى تتركه لفترة طويلة بدون الاستجابة لمطلبة فيضطر المدير للجوء الى التبرعات أو الصيانة البسيطة من غرفة الصيانة بالمدرسة ثم تأتى الادارة لتتحمل تبعات فساد صنبور المياه الى جانب المدير الذى لا يستطيع تقديم شئ سوى أن يدفع المال من جيبه لأصلاحات المدرسة.
كما أنه لا توجد أى ميزة مادية أو معنوية تفصل بين مدير المدرسة أو مدير الادارة والمدرس، كما أن عدم تفعيل اللامركزية فى التعليم المصرى تجعل من الصعب إطلاق حرية المبادرات الشخصية في النطاق القانوني، فمن الواجب وضع سلطة خاصة بمديري الإدارات ومديرين المدارس حتى يستطيعوا اتخاذ القرارات الموجودة داخل نطاق القانون وتنفيذها.
واللامركزية ليس لها أي ضرر قانونيًا حيث أن نصها هو إطلاق حرية الإبداع والمبادرة لدى القائد والمدير، في إبداع آليات وطرق وأساليب جديدة تطور العمل داخل المؤسسة التعليمية وتعالج عيوب القرار المركزي بما يتناسب مع البيئة المحيطة دون الخروج عن الإطار القانوني وأيضا حرية توظيف الطاقات للعاملين.
وقال الدكتور سالم الرفاعي، الخبير التعليمي: أن أهم شئ لحل مشكلة عزوف الكفاءات عن تولى المنالصب أن يتم تفعيل الأمركزية لأن جوهر اللامركزية يتمثل في تقوية وتمكين المدارس لتجعل تطبيق الإصلاح القائم على المدرسة ممكنًا ولتعطى الحرية للمديرين فى اتخاذ القرارات.
ومن خلال اللامركزية تُمنح المدارس والمجتمعات التي تتلقى خدماتها الأدوار والمسؤوليات والموارد المطلوبة لتطبيق الإصلاح المأمول، وبدلا من أن كانت الحكومة تتخذ الكثير من القرارات نيابةً عن المدرسة، تصبح المدرسة في ظل اللامركزية حرةً في اتخاذ بعض القرارات بنفسها وتستطيع أن تجرب الجديد ومع محاولات المديرين لإظهار الأفضل ستظهر أفكار جديدة تحاول بقية المدارس والإدارات تقليدها ليظهر كل جديد مع تطوير تدريجي لمنظومة التعليم في مصر.