قوات وعتاد وأسلحة تركية تتحرك في سوريا، بدأت من الحدود المشتركة، ثم قررت الإبحار داخل سوريا، لكن الأمر لم يسلم من إراقة دماء أبرياء.
ارتكب الجيش التركي اليوم الأحد، مجزرة جديدة في قرية جنوب الراعي بمدينة حلب السورية راح ضحيتها العشرات من المدنيين، من بينهم طفل يبلغ من العمر 13 عامًا بعد قصف جوي ومدفعي على القرى الكردية، بحسب ما أعلنه المكتب الإعلامى للإدارة الذاتية الديمقراطية فى شمال سوريا، فى بيان صحفي.
"لماذا درع الفرات"
قررت تركيا التحرك قدمًا تجاه الوضع في سوريا، فالأمر لم يعد يحتمل تأجيلًا، فأعلنت أنقرة، عن بدء عملية "درع الفرات" والتي تتمحور حول ثلاثة أهداف رئيسية، أهمها الإرهابيين والمقاتلين الأكراد، لمنعهم من إقامة منطقة ذاتية الحكم على طول الحدود مع تركيا.
"درع الفرات" تهدف لانتزاع السيطرة على مدينة جرابلس وريفها من قبضة تنظيم "داعش" الإرهابي، وطرد الوحدات الكردية من المنطقة.
ونفذت القوات التركية، منذ إطلاق العملية، سلسلة ضربات جوية إلى مواقع الوحدات الكردية المتحالفة مع "قوات سوريا الديمقراطية" وكذلك عناصر "وحدات حماية الشعب" الكردية، التي تعتبرها أنقرة حليفة لـ"حزب العمال الكردستاني" المصنف إرهابيًا في تركيا.
ويرى خبير تركي أن أهم الأسباب التي دعت لتدخل تركيًا في سوريا، هي قطع طرق إمداد المعارض السورية من قبل تنظيم "داعش" أو pyd ، وذلك للحفاظ على التواصل مع فصائل المعارضة، والحفاظ على أمن تركيا القومي.
لافتًا إلى أن احتمال هزيمة فصائل المعارضة السورية في حلب أمام نظام الأسد، سبب أخر يدفع بتركيا للتدخل، من أجل تدراك حصول كارثة إنسانية بحق أكثر من مليون شخص، بالإضافة إلى أن هذه الخسارة ستزيد تدفق أعداد غير مسبوقة من اللاجئين، الأمر الذي أعلنت تركيا أنها لن تحتمله أبدًا، مشيرًا إلى أن التدخل في الحالة الأخيرة سيكون من أجل إقامة مناطق أمنة لإيواء اللاجئين السوريين، داخل الأراضي السورية، مؤكداً على أن هذا التدخل سيتم بموافقة دولية وإقليمية.
"تركيا ترفض وقف إطلاق النار أو الهدنة مع الأكراد"
إبراهيم قالين المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نفى خلال مؤتمر صحفي، أي اتفاق لوقف إطلاق النار مع الاكراد قائلًا: "لا وجود لأي كلام عن اتفاق لوقف إطلاق النار مع حزب الاتحاد الديمقراطي أو مع وحدات حماية الشعب الكردي"، مضيفًا أن "الجمهورية التركية دولة شرعية وذات سيادة ولا يمكن وضعها على قدم المساواة مع منظمة إرهابية".
وقف إطلاق النار، كانت مبادرة هدنة أعلنتها الولايات المتحدة، بعدما شهدته منطقة مدينة جرابلس من اشتباكات بين المسلحين الأكراد وعناصر تنظيم "الجيش السوري الحر" المعارض لدمشق، والذي تدعمه القوات التركية، لكن تركيا نفت، أن تكون وافقت على وقف إطلاق النار برعاية الولايات المتحدة، رغم أن الهدوء يسود المنطقة في حين يلتزم المقاتلون الأكراد بالتهدئة.
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد أكد في وقت سابق يوم الأربعاء رفض أنقرة وقف إطلاق النار مع الأكراد في شمال سوريا، نافيا بذلك تقارير تحدثت عن إبرام أنقرة هدنة مع المقاتلين الأكراد في سوريا.
وقال جاويش أوغلو، إن إعلان واشنطن التوصل لهدنة في سوريا غير مقبول، مطالبًا الإدارة الأمريكية بالإيفاء بتعهداتها بانسحاب قوات حماية الشعب الكردي إلى شرق الفرات.
"أمريكا تنتقد تركيا وتساندها"
أثارت هذه التطورات انتقادات من قبل الولايات المتحدة، التي تؤيد الوحدات الكردية في مواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي، وهي في الوقت ذاته حليفًا لتركيا في إطار الناتو، وقالت واشنطن في بيان صدر عن البنتاجون إنها تشعر بالقلق من أن تكون المعركة من أجل انتزاع السيطرة على أراض تقع في قبضة "داعش" قد تحولت عن مواجهة التنظيم الإرهابي.
وأكدت واشنطن استمرار تعاونها مع أنقرة والمعارضة السورية ضد داعش، حيث أكد قائد القيادة الأمريكية في الشرق الأوسط، الجنرال جوزيف فوتل، على نية الولايات المتحدة مواصلة تعاونها مع كل من تركيا والمعارضة السورية في مواجهة "داعش".
وقال فوتل: "ما نسعى إليه هو تركيز كلا شريكينا على محاربة داعش".
"متي تنتهي عملية درع الفرات"
قال وزير الدفاع التركي فكري إشيك، إن عملية “درع الفرات” مستمرة لحين ضمان أمن الحدود التركية، وأضاف إشيك أن القوات المسلحة التركية عازمة على إزالة جميع عناصر الارهابية في الحدود التركية السورية.
أما العملية، فتواجه نظرات ختلفة على المستوى الدولي، حيث نشرت صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" مقالًا تحدثت فيه عن أن عملية "درع الفرات" التركية في سوريا تجري من دون تنسيق مع مجلس الأمن أو الحكومة السورية.
وأضافت الصحيفة: "يجب أن نتذكر أن حلم تركيا السابق بإنشاء منطقة عازلة على امتداد حدودها مع سوريا، حيث إنها عمليا بدأت بتحقيق هذا الحلم القديم. أي أن أنقرة تضرب عصفورين بحجر واحد، فهي من جانب تؤجل إلى أمد غير محدد قيام كردستان بمحاذاة حدودها، ومن جانب آخر تحقق حلمها بشأن منطقة عازلة يمكن أن تصبح مكانا لمعسكرات اللاجئين. وهذه طريقة ممتازة للتخلص من اللاجئين الذين حولوا المحافظات في جنوب تركيا إلى معاقل للمجموعات الإجرامية والإرهابية".
وتابع المقال : "كما يمكن أن تستخدم هذه المنطقة العازلة في إعداد وتدريب مقاتلي "المعارضة المعتدلة"، لأن أردوغان لم يتخل حتى الآن عن فكرة رحيل الأسد، على الرغم من المصالحة مع موسكو، أي أن تركيا تحاول حل مشكلاتها الخاصة من وراء ستارة محاربة "داعش".
وبحسب "الجزيرة.نت" فإنه لا يجب أن تفكر تركيا في مزيد من المغامرات على الأرض السورية، فبرغم سرعة العملية العسكرية في مدينة جرابلس، فإن "درع الفرات" يبقى متغيرا استثنائيا في مقاربة تركيا للأزمة السورية، ويفتح الباب على سيناريوهات غير محدودة ولا يمكن الجزم بمساراتها، في ظل العدد الكبير من المتغيرات المؤثرة في المشهد، بين النظام والتنظيم والأكراد والمعارضة والقوى الإقليمية والدولية.