زعيمان كلاهما يرتدي تلك العباءة المنتسبة للإسلام، لحية طويلة كثة، وأتباع محيطون، لكن أحدهما لمع نجمه حينما أفل نجم الآخر، فربما يحيا تنظيم على أطلال آخر ثر الابتعاد عن الضوء أو أقصي عنه رغمًا، لكن الأكيد أن تنظيم القاعدة لم يعد يظهر بتلك القوة بعد ظهور تنظيم داعش، في أمر غريب على تنظيم أدار أكبر عملية إرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية، في أحداث 11 سبتمبر عام 2001.
"أين ذهب تنظيم القاعدة"انحسار ظهور تنظيم القعدة، ليس شيئًا سريًا لكنه واضح للكثيرين، حيث أرجعه المتابعون إلى أن التنظيم عانى خلال السنوات الأخيرة من الاختراق في بعض الدول، الأمر الذي أدى إلى تحجيم إمكانياته، على مستوى القاعدة "الأم"، أو الفروع المنتسبة له في بعض المناطق، إلا أنه تميز بامتلاك أعضائه لمهارات الاختفاء والتنكر، وإخفاء أهدافهم القادمة، كما تجد أجهزة الأمن صعوبة في تحديد هوية منتسبي تنظيم القاعدة وقياداته.
"علاقة اختفاء القاعدة بظهور داعش"يتميز تنظيم داعش بأعداد أكبر في المقاتلين من تنظيم القاعدة، واتسم بتنظيم صفوفه على شكل كتائب مسلحة أشبه بالجيش النظامي، ويقاتل في العلن وبشراسة أكثر من تنظيم القاعدة، ويسهل رصد قياداته.
"رويترز" نشرت تقريرًا تحليليًا، أكد أن نفوذ تنظيم القاعدة بدأ يتراجع على المستوى العالمي، أمام التقدم المثير الذي يحققه "داعش" في الآونة الأخيرة، مما ساعده على اجتذاب الكثير من المسلحين الشبان المقتنعين بأفكار هذا التنظيم الإرهابي، وأن هناك احتمالًا لتراجع النفوذ العالمي لزعماء تنظيم القاعدة أمام شباب "داعش"، وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة أن هؤلاء يعتقدون بأنهم الخلفاء الشرعيون لأسامة بن لادن، والتأكيد على أن تنظيم القاعدة أصبح في مواجهة منظمة منافسة تتمتع بالموارد والنفوذ لتهدد مكانة القاعدة باعتبارها الحركة الرائدة في التطرف والعنف.
"شباب 11 سبتمبر في داعش"
تقرير رويترز، حول تراجع دور القاعدة مقابل دور تنظيم داعش، أشار إلى أن الشباب الذين عاصروا هجمات تنظيم القاعدة في ١١ سبتمبر ٢٠٠١ أصبحوا من أنصار داعش الآن ويشعرون بنشوة كبيرة بالانتصارات التي حققتها داعش في العراق وأصبحوا مبهورين بدولة الخلافة التي أعلنتها، بدلا من التفافهم حول أيمن الظواهري.
وفي التنظيم الأكثر دموية، رأي التقرير أن زعماء داعش يلوحون بإمكانية اللجوء لتكتيكات إرهابية ضد الحكومات الغربية والعربية على غرار تنظيم القاعدة لبناء قاعدة شعبية عريضة على الساحة الدولية ولكسب تأييد المسلمين، وأن التنافس أربك المشهد "التكفيري" في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وحفز على ظهور مناقشات جديدة حول كيفية محاربة هذه الجماعات، وتحديد الشكل الذي يفترض أن تكون عليه الدولة الإسلامية بالضبط، إلى جانب أن انتصار تنظيم داعش الأخير في العراق وسوريا ناجم بشكل كبير عن فشل الحركات الإسلامية الأخرى وقدرة الجماعة على استغلال الظروف المحلية ومن بينها غضب الطائفة السنية في العراق من سيطرة الشيعة على الحكومة.
"هل نخاف من داعش أم القاعدة"يرى المتابعون أن نشأة تنظيم داعش الإرهابي أدى إلى تطور جذري في مفهوم الإرهاب، على المستويين الفكري الفقهي، والحركي الميداني، فعلى المستوى الفكري العقيدي عرف العالم "الإرهاب" المتستر بالدين على مدار العقدين الماضيين (كتنظيم القاعدة الأم وفروعه في المنطقة العربية).
إلا أن المخاوف من ارهاب داعش، أحدثت ردود فعل أقوى من مثيلتها الماضية، فخطورة تنظيم داعش وتطرفه ودمويته ليست فقط مصدر الخطر، فخطورة المشروع "الداعشي" على دول المنطقة يكمن جوهره في تغيير استراتيجية ونهج الإرهاب المتأسلم، فأغلب التنظيمات الجهادية والتي شهدتها المنطقة العربية استراتيجيتها وعقيدتها الفقهية والقتالية تعطي الأولوية لقتال "العدو البعيد"، كما في حال تنظيم القاعدة "حلف اليهود والنصارى"، أي استهداف دول الغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.. "داعش" عكس الاولويات مخالفا نهج القاعدة الام، ووضع استراتيجيته على أن الاولوية الاولى تتمثل في قتال العدو القريب "الانظمة العربية" ومن لا يقبل بالفكر الجهادي التكفيري، أي الشعوب العربية، حتى ولو كانت مسلمة الديانة، ناهيك بالطبع على أن غير المسلمين في خانة "العدو القريب" الأولَّى بالمقاتلة والاستهداف، فالأمر ببساطة أن الانظمة العربية باتت الهدف والمستهدف الأول لارهاب داعش.. ومع اعتماد إستراتيجية "داعش" على المذهبية والطائفية والعشائرية، تضاعف الخطر، بما يعني أن خطة داعش وطموحها ترمي لتفكيك دول المنطقة وإعادة ترسيم حدودها، وإدخالها في حروب مذهبية طائفية طاحنة.
وعلى المستوى الحركي، والتكتيك العسكري اختلف نموذج داعش عن النموذج الذي جسده تنظيم القاعدة وهجمات 11 سبتمبر 2011، فالمعالم الجديدة للإرهاب الذي رسمه "داعش"، تقوم على إحكام السيطرة على الأراضي وضمها وإعلان السيادة عليها.