ads
ads

"بيريز" من حمامة سلام إلى مهندس مفاعل نووي إلى فراش الموت

نُقل مساء الثلاثاء الماضي رئيس الدولة الإسرائيلية السابق شمعون بيريز إلى مستشفى "شيبا تل هشومير" في تل أبيب مُصارعا الموت بعد إصابته بجلطة دماغية، حيث تم في أعقابها تخديره وإيصاله بجهاز التنفس الاصطناعي لمحاولة الحفاظ على حياته.

أشارت الفحوص الطبية التي تم إجرائها لبيريز البالغ من العمر 93 عاما إلى خطورة وضعه الصحي، ويذكر أن بيريز يعاني منذ أسبوعين من أوجاع في الصدر، وحينما تم نقله إلى غرفة العناية المركزة في المستشفى أُصيب بجلطة دماغية كانت عبارة عن نزيف حاد في المخ وانسداد في شرايين القلب، كما يذكر أن أول العوارض لأزمة قلبية أصابته كانت في يناير 2016م.

ولد شمعون بيريز في بولندا 1923م وهاجر إلى فلسطين 1934م، ومن المعروف عنه أنه رجل سلام، وآخر الرجال المعتدلين في الدولة الإسرائيلية، لكن كان له الفضل أيضا في بناء مفاعل "ديمونة" النووي، وإدخاله كبرنامج نووي مهم في إسرائيل.

رغم شهرة بيريز باعتباره مهندس البرنامج النووي الإسرائيلي إلا أنه اكتسب شهرته الدولية بعد اتفاقية أوسلو التي وقعتها إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية بعد المفاوضات السرية في العاصمة النرويجية أوسلو عام 1993م، وحاز بيريز على جائزة نوبل للسلام "مثالثة" مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحق رابين، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات، كما اشتهر بأنه رجل المفاوضات صاحب النفس الطويل، والمناورات البعيدة الأجل في تحقيق المصالح الإسرائيلية؛ محاولا في ذلك توخي الدبلوماسية قدر الإمكان على العكس من بنيامين نتنياهو. ومن مواقفه الشهيرة التي لا تُنسى أنه لا يمانع في منح الفلسطينيين حكما ذاتيا تحت السيادة الإسرائيلية، مع العلم أن مواقفه لا تختلف عن موقف حزب الليكود الإسرائيلي فيما يخص قضية المستوطنات والقدس وعودة اللاجئين.

بما أن شمعون معروف كرجل سلام وبأنه دائم الالتصاق بإسحاق رابين سواء من الناحية الفكرية أو الناحية التنفيذية السياسية؛ فقد وُصم "بوصمة السلام" في نهاية الأمر، وهذا بالنسبة للإسرائيلي عار لا يتماشى مع النهج الإسرائيلي المعتاد في كسر شوكة الفلسطينيين، تماما كفكرة التنازل عن المقاومة المسلحة بالنسبة للفلسطينيين وإعلاء المفاوضات السلمية في القضية الفلسطينية كأن يقال: إن الحكومة لابد لها أن تكون حكومة مسالمة، وهذا ما جعله يخسر الانتخابات التي أجريت في الكنيست الإسرائيلي عام 2000م أمام موشيه كتساف؛ بسبب نظرة الإسرائيليين له كمناصر للسلام، كما سبق أن خسرها أمام نتنياهو من قبل في عام 1996م.

في عام 1996م أظهرت استطلاعات الرأي تقدم شمعون بيريز على زعيم حزب الليكود اليميني بنيامين نتنياهو في حملة الانتخابات، لكن شاءت الأقدار أن تأخذ الأمور منحى آخر بترجيح الكفة لنتنياهو بعد سلسلة من التفجيرات الاستشهادية الفلسطينية التي قُتل في أعقابها عشرات الإسرائيليين؛ فاستغل الليكود ذلك في شن حملة شرسة على بيريز كان الهدف منها النيل من شعبيته وخسارته في الانتخابات أمام نتنياهو.

لأنه معروف عنه بأنه رجل سلام فقد كان هناك في التسعينيات حراك شعبي كبير ضد السلام باعتبار أن الشعب الإسرائيلي اعتبر ذلك لونا من الانهزامية، وشكلا من التخلي عن أرضهم، وكان هذا الأمر بعد اغتيال إسحاق رابين على يد اليمين المتطرف عام 1995م؛ مما شجع بيريز على إثبات العكس من خلال قيادة عدوان عسكري باسم "عناقيد الغضب" وهو العدوان الذي تم فيه قصف بيروت في مايو 1996م.

يعد بيريز من أكبر السياسيين الإسرائيليين عمرا وأقدمية، ومن المعروف عنه التمتع بالصحة الجيدة والنشاط رغم كبر عمره، كما يذكر أنه كان هو ضابط الموساد الإسرائيلي المكلف بتدريب الجاسوس المصري أحمد الهوان في الفترة من بين 1967، 1977م.

أسس شمعون مركز بيريز للسلام عام 1997م، كما تولى رئاسة وزراء إسرائيل في الفترتين من 1984 حتى 1986م، ومن 1995 حتى 1996م، وكان رئيسا للدولة الإسرائيلية من 2007 حتى 2014م.

عاد بيريز للأضواء بعد انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000م، بعد أن أدرك الشعب الإسرائيلي أنه لا يوجد رجل مفاوضات غيره لوصل الحلقة المفقودة مع الفلسطينيين؛ فقد كان الوحيد الذي بوسعه اللقاء بياسر عرفات بعد توتر العلاقة وانقطاعها بين شارون وياسر عرفات، وانتهاك شارون لحرمة المسجد الأقصى وإثارة فتيل الانتفاضة من جديد.

كان بيريز من أوائل الواعين للحرب الإليكترونية وأهمية العالم الافتراضي، وبدا هذا متجليا بشكل واضح في كل مؤتمراته حيث كان يؤكد على هذا الموضوع، وضرورة استغلال الحروب الافتراضية والحواسيب والإنترنت، وهذا يدل على عقليته الهندسية ومواكبته لعصر العولمة، وإدراكه للتفوق التكنولوجي المرتبط بالتفوق العسكري، وأنه صاحب عقلية لها تصور مستقبلي لاسيما أنه أول من أدخل المفاعل النووي من أجل تعزيز إسرائيل.

يعد بيريز آخر مؤسسي دولة إسرائيل الباقين على قيد الحياة، كما أن مشواره السياسي يقارب السبعين عاما، وكان معروفا بمهارته في التنكر من أجل لقاء العاهل الأردني الملك حسين؛ حيث كانت تربطه به علاقة وطيدة جدا في السبعينيات قبل توقيع اتفاقيات السلام، وكان هذا التنكر؛ لضمان سلامة حياته وحفاظا على ماء وجه الأردنيين حتى لا يقال أنهم يلتقون بيهودي، ولكن في عام 1994م تحقق السلام بين إسرائيل والأردن، ولم يعد هناك داع لهذا التنكر.

كان بيريز وزيرا للدفاع بين 1974م حتى م1977 في حكومة إسحاق رابين، ومن المعروف عنه أنه شديد الثقافة كما يمتلك مكتبة ضخمة جدا، ويحرص على القراءة بشغف وبشكل يومي، كما كتب شمعون 11 مؤلفا سياسيا منهم "الثورة العلمية والرؤية الاجتماعية" 1984م، "الشرق الأوسط الجديد" 1995م، "وقت للحرب ووقت للسلام" 2004م، "المرحلة القادمة" 1965م، "الآن.. غدا" 1978م.

تميز شمعون بيريز بنشاطه على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" حتى أنه نشر في 14 مارس 2014م مجموعة من الصور التنكرية له حينما كان يتنكر للقاء ملك الأردن، الملك حسين، وقال مداعبا على صفحته: "نحن لا نتنكر فقط في عيد "المساخر"، ولكن في سنوات السبعينيات تنكرت كثيرا مخفيا هويتي للقاء العاهل الأردني الملك حسين قبل اتفاقيات السلام وأعتقد أن أزياءكم التنكرية اليوم أفضل من تنكري سابقا".

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً