يشغل الصراع في ليبيا تفكير القيادة المصرية، وتجلى ذلك في تشكيل الرئيس عبد الفتاح السيسي لجنة برئاسة الفريق محمود حجازى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، لمتابعة الأزمة بشكل متواصل.
وتعد مصر محطة محورية في أي محادثات للسلام بين أطراف الأزمة الليبية، فلن تكون الجولة التي استضافتها القاهرة يومي 16 و17 سبتمبر الحالي، وجمعت مبعوث الأمم المتحدة لليبيا، مارتن كوبلر، مع كل من رئيس المجلس الرئاسى الليبى، فايز السراج، رئيس مجلس النواب الليبى عقيلة صالح، لن تكون الأخيرة في إطار الجهود الدبلوماسية المصرية المكثفة للتوصل لحل الأزمة الليبية، إذ من المتوقع أن تحتضن القاهرة جولة جديدة من الحوار بين أطراف الأزمة الليبية الأسبوع المقبل.
تضمن اجتماع القاهرة بحث آخر التطورات فى ليبيا، خاصة بعد سيطرة قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، على منطقة الهلال النفطي الليبي، إذ طالب السراج -قبيل مغادرته القاهرة في 18 سبتمبر إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الدورة الـ٧١ لمنظمة الأمم المتحدة- بسرعة تشكيل حكومة وفاق وطني وعرضها على مجلس النواب لمنحها الثقة، في الوقت الذي أكد فيه رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، للمبعوث الأممي أن البرلمان لايزال ملتزمًا بعملية الحوار واتفاق الصخيرات.
وفي إطار الموقف المصري من الأزمة في ليبيا وجهود الدبلوماسية المصرية المتواصلة لوضع حد للأوضاع المتردية التي تشهدها البلاد، أكد سامح شكري، وزير الخارجية، في الكلمة التي ألقاها خلال مشاركته فى القمة الـ ١٧ لحركة عدم الانحياز في فنزويلا، على تضامن مصر مع الشعب الليبي في هذه المرحلة الحرجة من تاريخه، وعلى تجديد دعمها لاتفاق (الصخيرات)، الذي نتج عنه تشكيل حكومة الوفاق الوطني، أملًا في توافق مجلس النواب الليبى على تشكيل الحكومة، لتعزيز قدرتها على الاضطلاع بمسؤولياتها لاستعادة الأمن والاستقرار في البلاد ومواجهة التنظيمات الإرهابية، ولاسيما إزاء التدفق المتزايد للمقاتلين الأجانب وتأثيره الخطير على دول الجوار ومن بينها مصر.
وتتميز الدبلوماسية المصرية تجاه الأزمة الليبية بثوابت استراتيجية راسخة وهي الحفاظ على وحدة الدولة من خلال تقديم كافة أشكال الدعم لمؤسسات الدولة الليبية من أجل ضمان أمن واستقرار ليبيا والحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها مع التركيز على أهمية دعم الجيش الليبي في معركته ضد الإرهاب.
وتمثل القاهرة محور ارتكاز مهم لأطراف الأزمة الليبية، إذ احتضنت القاهرة خلال الأسبوع الأول من أغسطس الماضي، اجتماعًا لوفد مجلس النواب الليبي والذي ضم 40 نائبا وتباحث مع وزير الخارجية المصري سامح شكري سبل الخروج من المأزق الراهن.
ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي تستضيف فيها العاصمة المصرية سياسيين ليبيين، فقد نجحت القاهرة في الآونة الأخيرة في استضافة اجتماع جمع قادة بارزين في كلتا الحكومتين الليبيتين المتنازعتين؛ حيث حضره عن حكومة الوفاق الوطني في طرابلس فايز السراج وعدد من مساعديه، بينما حضرعن الحكومة الانتقالية رئيس مجلس النواب في طبرق عقيلة صالح وبعض من مسؤولي الحكومة.
وقد ناقش الاجتماع حينئذ مخرجات الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات بالمغرب برعاية الأمم المتحدة، والعملَ على تطبيقها بشكل توافقي، خاصة ما يتعلق منها بالإجراءات القانونية والدستورية لحكومة الوفاق الوطني، وأكدت القاهرة أن هذه الاجتماعات هي بداية لمرحلة جديدة من الاتصالات واللقاءات، التي تهدف إلى جمع الليبيين على طاولة واحدة، بحثا عن الوئام السياسي وإنقاذ البلاد من مخاطر الإرهاب وحل الأزمات العالقة.
يبقى التأكيد على أن الدبلوماسية المصرية في شأن الأزمة الليبية والعمل على حلها تتحرك على عدة محاور، الأول من خلال العلاقات الثنائية، والثاني من خلال دعم الجهود الإقليمية، والثالث من خلال دعم جهود الأمم المتحدة في هذا الشأن، وقد يتم التحرك من خلال المحاور الثلاثة في توقيت واحد.