شاهد| دموع طفل أمام مدرسة في أول أيام الدراسة

فى الساعات الأولى لصباح أول أيام العام الدراسي الجديد ينطلق ملايين التلاميذ والتلميذات متوجهين إلى مدارسهم والفرحة ترتسم على وجوههم الندية بلون الصباح.

تطل البسمة من عيونهم وهم يرتدون ملابسهم الجديدة ويحملون حقائبهم المدرسية فرحا بلقاء الزملاء القدامى أو الجدد بعد طول فراق دام أربعه أشهر هى مدة الإجازة الصيفية، هذه الفرحة والنقلة الجديدة في حياتهم ومرحلتهم العمرية تكسر لديهم رتابة الأيام مع كل جديد، إلا أن الطفل محمد تتساوى عنده الأيام وتتلون بلون واحد فقط، فهو لا يعرف طريقا للبهجة أو التغيير.

محمد طفل يبلغ من العمر 12 عاما، يحمل ملامح حزينة ونظرات شاردة ومظهرا بسيطا، رأيته صباح اليوم وهو يجلس على رصيف إحدى المدارس مع بداية انطلاق العام الدراسي الجديد وبجواره كومة من الكرتون، وأحد صناديق جمع القمامة، يجلس فى انتظار أبيه الذى يعمل فى جمع الكراتين الورقية وبيعها، يرنو محمد فى حزن وألم إلى الأطفال الذين هم فى مثل عمره وهم متجهين صوب مدارسهم بملابسهم وحقائبهم الجديدة وقد تقافزت الفرحة فى عيونهم.

ينظر إليهم محمد بعيون دامعة حزينة وخاطر مكسور لأنه لن يذهب مثلهم إلى المدرسة هذا اليوم، ولن يقابل أطفال وزملاء فى مثل عمره، ولن يمارس اللعب معهم فى فناء المدرسة؛ فليس حوله إلا القمامة والكراتين الورقية التي يجمعها مع أبيه لبيعها والانتفاع بحقها لقاء لقمة العيش مع أمه وأخوته الثلاثة، يستعيد محمد أوجاعه وأحلامه البريئة المجهضة عندما جلست بجواره على رصيف سور المدرسة وبجواره حزمه الكراتين الورقية، بادرت محمد عندما رأيته عن اسمه وعن مدى علمه بأن اليوم هو أول يوم في الدراسة، أجاب أنه يعرف.

سالته لمَ لم تذهب الى المدرسة، قال: عشان سني فات وعندي 12 سنة، وعن إحساسه أن اليوم هو أول أيام الدراسة وأنه ليس فيها قال محمد: أنا زعلان والله، وأضاف أن سبب عدم دخوله المدرسة هو أن شهادته كانت ضايعة، وراح طلع شهادة جديدة بالكمبيوتر، يقصد شهادة الميلاد، ولما رحنا المدرسة قالولي: إن ميعادك فات فى المدرسة.

محمد يقيم مع والده في مساكن اللبانة في القابوطي، ولديه أخ وأخت صغار، وفيما كنت أواصل حديثي معه أشار إلى أبيه قادما من بعيد وهو يقود تروسكل عليه كراتين ورقية، سلمت عليه ولما سألته عن سبب عدم دخول محمد المدرسة قال: أنا راجل فقير، وكنت بتعالج من مرض الكلى، ومقدرتش أدخله المدرسة عشان يساعدني، والحمد لله على كل حال.

لم أشأ أن أناقش والد محمد فى التفاصيل وتركت محمد وأباه يواصلان عملهما فى جمع الكراتين الورقية لاكتساب جنيهات قليلة تعينهم على تحمل مصاعب الحياة، وكان لدي يقينا أن محمد ليس الوحيد، فلا شك أن هناك الكثير من الأطفال فى مثل سنه حرموا من التعليم لأسباب لا دخل لهم فيها، وبالتأكيد يحتاجون إلى مؤسسة لرعايتهم وتعليمهم ومساعدة آبائهم بدلا من تركهم هكذا ضحايا لظروفهم الاجتماعية الصعبة التي يدفعون هم وحدهم ثمنها، فهل يستجيب المسؤلون والمؤسسات الاجتماعية والتربوية لمحمد وأمثاله وينتشلونهم من الفقر المدقع الذى ألّم بهم؟ الأمر بالطبع متروك لهم ولضمائرهم.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً