على شاطئي البحر، تجلس الحسرات متجسدة في أجساد بشر، آباء وأمهات وأصدقاء وأقارب، تنتظر شيئًا من رائحة فقيد، كانوا يعتقدون أنهم سيحصلون على "تليغراف" أو "مساعدة" أو حتى رسالة حب، لكنهم ينتظرون الآن جثة مازال البحر يأبى عن الإفصاح عن مكانها، ومازالت رائحتها تطوف أنحاء "رشيد".
أهالي ضحايا "مركب رشيد" مازالوا ينتظرون تسلم جثثهم، معلقين الآمال على أن تطفو جثثهم على سطح الماء، وبينهم الحاج مصيلحي نصيرـــــ 47 سنة ــــ الذي ينتظر ثلاث جثث، عي لابنه وبن أخته وبن جاره، يطالع بعينيه الماء وكأنه يستعطفها أن تخرجهم ليتكنوا من دفن جثامينهم.
"الحاج مصيلحي" قال إنه في صباح يوم الأربعاء، وتمامًا في الساعة السابعة حدثه ابنه من على المركب عبر الهاتف المحمول، وأبلغه بحدوث كارثة قريبة:"احنا بنغرق"، وأضاف "مصيلحي" غفر السواحل لم ينقذوا الشباب: "المراكبية هم اللي بيحاولو يطلعو االجثث".
وأضاف مصيلحي:"أنا واقف على البر مستني عشان أشوف ابني حتى ولو ميت بس اشوفه، قسمًا بالله الحكومة بهدلتنا، والصيادين هم اللي بيطلعوا عيالنا"، وتابع قائلًا إن ابنه كان مسافرًا إلى إيطاليا مع بن عمته وبن الجيران وأعمارهم 15، و15، و17 عامًا، مؤكدًا:"فلوس ايه اللي ندفعها للمرك احنا مش معانا فلوس ندفعها لحد".
وأوضح "مصيلحي":"أنا عندي 45 سنة.. مبشتغلش والواد اللي مات ده كان صنايعي نجار مسلح، اللي بيطلعوا من المية عاملين زي الفيل من المياه، أنا قايلهم في البيت أن الواد في المستشفى!".
شهود عيان قالوا إن الصيادين استطاعوا إخراج أحد ركاب المركب "حيًا"، فيما أضاف أحمد مصطفى:"هيثم مات وكان عنده 17 سنة، كان طالع هو وبن خالته 18 سنة، طلعوا ماتوا"، مضيفًا: "مفيش شغل ولا حاجة.. المركب كان عليه 250 واحد الحكومة مش عارفة تطلعهم بقالهم 5 أيام في المياه.. 330 بني آدم ييجي منهم 96 ليه الحكومة مش واخدة بالها لسه؟".
وقال أحمد:"اسألوا الولد هرب ليه.. وليه الدول اللي بيسافروا ليها بتخلي الأطفال وترحل الشباب تاني.. لازم الحكومة تعرف العيال بتموت ليه".