في إحدى ليالي الشتاء، بعد انتهاء عملي في فندق من فنادق مصر الشهيرة، التقطت عيني من نافذة مكتبي الصغير، فتاة ملامحها طفولية للغاية ولكن يبدو عليها حزن سيدة عجوزة جرى عليها الزمن، فنظرت إليها ولوحت لها بيدي لكي تأتي، فاستجابت لندائي وكأنها كانت تنتظره..
جلست معها، أدركت ان الكآبة تسيطر عليها، حاولت أن اداعبها، فابتسمت استعدادًا للبكاء.. سألتها عن سبب حزنها الشديد قالت لي "الشغل بيتعبنى اوي "، استنتجت من ملابسها أنها تعمل عاملة نظافة في الفندق برغم من سنها الصغير، فهي تبلغ من العمر ستة عشر عامًا.
وضعت يدي على يديها ومررتها بلطف لكي يتخلل الأمان قلبها، وقولت لها "احكي لي مالك وانا هساعدك"، فحدقت عينيها إلي وكأنها تفحصني جيدُا حتى تفهم لماذا اهتم بأمرها لهذه الدرجة!، وبدأت تشكو لي همها:" اصل انا هتجوز الشهر الجاي!"، نظرت بخجل إلى أسفل، فوقعت كلمتها كالبرق على مسامعي وقولت لها باندهاش" تتجوزي ! انتي عيلة هو انتي تعرفي اصلا يعني اية جواز!". فقالت :"انا من الفيوم وأهلي هيجوزوني عشان لو عديت العشرين من غير مااتجوز هيقولوا اني عانس ومعيوبة".
استوقفتني هذه الكلمات "لو عديت العشرين هيقولوا عانس ومعيوبة!"، من هم الذين سيقولون ؟ ومن حكم ذلك الحكم العقيم؟، فرغم أننا في عصر الحضارة والتقدم التكنولوجيا لا يزال لدى البعض منا معتقدات توحي بالتخلف والجهل.
في بعض القرى والمحافظات في مصر، تتزوج البنت بمجرد بلوغها، ونظرًا لتغير المناخ أصبحت البنت تبلغ في سن مبكر، وبالتالي فهي تتزوج وتنجب أطفالا وهي طفلة!، فيقولون المتآخرون عقليًا " البنت مالهاش غير جوزها"، الجواز ستر للبنت" و"التعليم للولد مش للبنت".
وكأن الزوج هو من يربي الأولاد ويشرح لهم دروسهم ويعلمهم المبادئ والقيم، وتجلس الزوجة تقلم أظافرها وتضع بعض المرطبات لبشرتها وتشاهد ما يفعل دون المشاركة.
في الحقيقة ليس مهما بالنسبة لهم أن يروا أولادهم متعلمين ومثقفين ولهم دور في المجتمع، ولكن يشاركون في تفشي الجهل، بالإضافة إلى ذلك هناك بعض العائلات الذي يستثمرون بناتهم، فيأتي العريس ويتم عرض البنت بمبلغ ما يأخذه والدها مقابل أن تعيش ابنته حياة تعيسة!، ولا يفرق معهم سن أو أخلاق او غيره، الأهم "جيب العريس".
أعتقد أن تربية البنت وتعليمها الجيد هو الذي سيؤهلها لتكون زوجة وأم ناجحة، والعمل أيضًا يكسب البنت خبرات تجعلها تواجه الحياة بكل جرأة وبدون خوف، أما الزواج في سن مبكر فهو جريمة مع سبق الإصرار والترصد، فهو قتل لطفولة وبراءة البنت، وقتل لطموحها وأحلامها، وإصرار على الجهل.
فأنتي مسكينة لو تعلمي ماسيحدث لك أيتها الصغيرة!، لاتخضعي لأوامرهم وعاداتهم، فأعلم جيدًا، ستغمرك الفرحة لانك سترتدين فستانا أبيض وخاتما ودبلة ولكنه الوقت غير المناسب!، فتزول الفرحة سريعًا ويحل الهم والندم على طفولتك الضائعة.