"أنتخريستوس".. مضمون تافه

بالتزامن مع الحراك السياسي الذي أحدثته ثورة 25 يناير، شهد الوسط الثقافي انتعاشة حقيقية فى القراءة، ذلك أدى إلى سرعة انتشار دور النشر وتباين المضمون ما بين الروايات الحقيقة التي تتكئ على رؤية سليمة لعالم الرواية، وما بين الروايات التافهة التي تنحت في المكتوب مسبقا أو تمصر المنتوج الأجنبي.

وفي الفترة الأخيرة، قام جروب "عصير الكتب" والقائمين عليه بالترويج لرواية "أنتخريستوس" وتوجيه متابعينه لقراءة هذه الرواية، وفي معرض القاهرة الدولي للكتاب الماضي كانت هناك أتوبيسات تقل الزائرين وتحط رحالها بجوار الخيمة المخصصة لدار "عصير الكتب"، ونظرا للإقبال الكبير، قام مسؤولو الدار بتوجيه القراء لإقتناء هذه الرواية باعتبار أنها الطفرة التي حدثت في عالم الأدب، بالطبع كانت هناك أحاديث عن أن باقي الروايات لا تقل روعة عن "أنتخريستوس"، وبعد قراءة "أنتخريستوس"، ستتساءل: "ما الذي يجعل القائمين على موقع بحجم عصير الكتب يروجون لتلك التفاهات؟ وهل انعدم الوعي للدرجة التي لا يفرقون فيها ما بين الجيد والردئ؟ وكيف يطالبون الشباب بالقراءة والكتابة بقوة تناطح الأدب العالمي ثم يمنحونهم ما يفسد ذائقتهم؟

"أنتخريستوس" لا يمكن أن تكون رواية، ولا يمكن أيضا أن تكون كتابا بحثيا، وكتابة التصدير الذي يقول بأن شخصياتها وإنسها وجنها وشياطينها وكل ذلك حقيقي تماما كان نوعا من توجيه القارئ إلى ما لا يوجد، وحجة القائمين على الدار بأن الرواية لم تنشر من الأساس مع عصير الكتب وأنها أعادت فقط طبعها فذلك أضل سبيلا، فمعنى ذلك أن الدار لا يهمها إلا الربح بغض النظر عن إفساد ذائقة القارئ وتزييف وعيه.

بدءا من الصفحة الأولى هناك كلمة للكاتب أحمد خالد بأن جميع أحداث الرواية وشخصياتها بإنسها وجنها وأغلب أحداثها حقيقية ووقائعها مثبتة.

- أولاً اللغة:

جاءت لغة داخل "الرواية" مهلهلة تماما لا تعرف شيئا عن فن تضفيرة الجملة وتقديمها وتأخيرها، خاصة وأن اللغة العربية شائكة جدا ومعظم المفردات لها عدة معانٍ وترتيبها في الجملة هو الذي يساعد القارئ على الفهم الحقيقي حتى يدرك ما يقصده الكاتب، وجاءت جمل مضحكة تماما مثل" كانوا يبتسمون بشيطانية تجيدها كل الشياطين" (ص 17 داخل الرواية)، كيف للقارئ أن يقبل بمثل هذه العبارة؟، ما الذي سيفهمه القارئ من يبتسمون بشيطانية تجيدها كل الشياطين؟!!!

" نسى سيما الخيول، ونسي الملك، ونسي كل شيء، وتذكر شيئا واحدا، تذكر أنه عقيم لا يلد" (ص 19)، "سيما" هذا رجل، كيف يلد الرجل؟، المفترض أن تكون العبارة " تذكر أنه لا ينجب" لأن الرجل هنا يساعد على الإنجاب، شريكا في تلك العملية، يمكن أن تقول هذا الرجل أنجب ولدا، ولا يمكنك أن تقول هذا الرجل ولد بنتا.

" قابلته نظرة امتعاض أنثوي من العاريات، ضيق زاهاك عينيه الوسيمتين" (ص 20)، ما وجوب مفردة أنثوي إن كنت ستتحدث عن الأنثى؟!!، ولأول مرة أجد وصفًا للعينين بالوسيمتين، تعودنا في الوصف للعينين أن تكون مزججتين، مقرونتين، عسليتين، واسعتين، لكن أن تكون وسيمتين، فالعينين جزء من وسامة الوجه، تماما كما الأنف والوجنة وطابع الحسن والحاجبين والشعر، ولكن لا يصح أن تكون كل جزئية وسيمة وقائمة بذاتها.

"حمل الحراس العجوز الذي بدا وكأنه مات من فوره كالجلمود" (ص 21)، هذه العبارة تشير إلى أن الجلمود يموت مثله مثل البشر والجلمود هو الصخر الضخم كما نعرف جميعا، وبالتالي فإن الخطأ في تقديم وتأخير العبارة، أدى إلى موت الجلمود.

" وهي أيضا مليئة بالأسود الحقيقية التي تزأر في غضب جائع، الأسود التي بدا وكأنها مئة أسد جائع مزقوا جثة العجوز قبل حتى أن تحط على الأرض" (ص 21)، الحقيقة أنه حتى لو كانوا ألف أسد جائع لما تمكنوا من تمزيقه قبل أن يصل إلى الأرض خاصة وأن الأسود تستخدم قوائمها في تثبيت فرائسها بينما تفترس اللحم.

" دعك من كل هذا وانظر إلى الفوج الملكي وتحديدا إلى أونس الذي سقط منه لباس الصرامة الذي كان يضعه على وجهه.. سقط إلى أسفل قدمي جواده" (ص 22)، هذه الجملة مكتوبة بهذا الشكل وكان يمكنه اختصارها إلى جملة واحدة قصيرة تؤدي المعنى، وهنا يصور الكاتب أن الصرامة شيء مادي يمكنك إمساكه بيديك تماما كقطعة خشبية، بدليل تحديد وقوعه إلى أسفل قدمي الجواد، وأسفل هنا تعني حافري الجواد.

"لقد أمرتني يا أبي أن أحاول ترويض الحصان "ليجيش" يا أبي .. وها هو أمامك كالمهر" (ص 22)، هل من المفترض أن يكون المهر مروضا، تعودنا أن نصف المهر بالجموح والإنطلاق، من الممكن أن يروض الحصان ولكنه لا يصبح مثل المهر بعد الترويض لأن المهر أشد جموحا.

"نزلت سميراميس من علي صهوة جوادها كفارسة حقيقية..وتوجهت ناحية اونس ناظرة اليه تلك النظرة الأنثوية اياها"( ص22).. ما الذي سيفهمه القارئ من إياها؟!

" ضيق زاهاك عينيه الوسيمتين ليزيد من حدة ناظريه" (ص 26)، زاهاك هنا كان في " ظلمة حالكة من الليل" كما صورها المؤلف، والمفترض أن الإنسان يضيق عيناه في النهار ليمنح نفسه رؤية صافية على العكس تماما من الليل فيحاول الإنسان فتح عينيه عن آخرهما ليمنح نفسه مجالا للرؤية حتى تعتاد عيناه الظلام فتتجسم له الأشياء.

" لم يكن عجوزا..لم يكن أعرج.. بل كان لوسيفر.. ليس له وصف آخر سوى أنه لوسيفر .. على كرسي كبير كان يجلس .. يلفه الظلام .. رغم وجود مشعل أو مشعلين يبعثان نورا خافتا" (ص 26)، هنا يقول المؤلف أنه لا يعرف شيئا تماما عن الوصف، ثانيا أن لوسيفر في حد ذاته ليس وصفا، لكن الاسم ممكن أن يستدعي الوصف باعتبار أن كلا منا يحمل في داخله وصفا متباينا للشيطان ولكن كلها صور بشعة تماما كالملائكة حين نصورها في هيئة رجل جميل له ملامح بيضاء وقورة، طيب القلب وله جناحان و هالة من النور.. لكن حتى البشاعة وإن فاق مداها الطبيعي، فلها وصف.

" وبدأت تسقط عليه ظلال المشاعل المتراقصة" (ص 27)، وقبلها قال إنها مشعل أو اثنان بما لا يعني إحالتها للجمع مشاعل.

" وشعر بأن ذرات الهواء تهتز من حوله من شدة بشاعة ذلك الوجه..خفق قلب زاهاك خفقة سقط فيها إلى أسفل سافلين" (ص 28)، الكاتب هنا صور الهواء كأنه مادي محسوس وملموس، فكلمة ذرة هي جزء من المادة، والمادة هي كل ما يشغل حيزا من الفراغ، لكن المؤلف يقول أن المادة هنا هي الفراغ نفسه، ثم كيف يسقط قلبه إلى أسفل سافلين، أين هو مكان الأسفل سافلين هذا؟، من الممكن أن تكون العبارة قولا معناها الضمني قلبه وقع إلى أسفل سافلين أي اشتد عليه الخوف، ولكن ليس كل ما ينطق يكتب، لو ترجمت هذه الرواية لاحتار المترجم هل أسفل سافلين هو مكان ما بين الساق والقدم مثلا؟!!، ولو قدر له هذا الفهم كيف يكتب وقع قلبه في قدمه؟، لا يجب الإشارة من الأساس إلى أي مكان آخر يحتله القوب رعبا.

" فلست أنا وأنت إلا حلفاء بحلف أنا السيد فيه" كيف تأتي عبارة حلفاء بحلف، هذا فقر لغوي شديد.

" فالنمرود من التمرد وكان زاهاك هو أمير التمرد" (ص 35)، النمرود هنا هو ابن كوش والملك الذي كان على عهد سيدنا إبراهيم، والذي أعلمه تماما أن اسمه النمروذ بحرف الذال وليس الدال.

" لكن كان يبدو أن فرسيهما سريعان" (ص 39)، تمتلئ الرواية بمثل هذه التراكيب شديدة التسطيح.

"رأينا سماء مكة قد ملئت بالطير، حتى لم نعد نرى شيئا من السماء، كانت نوعا من الطير لم ير مثله من قبل، طير بحجم النسر طويل العنق أقدامه حمر، سماه العرب العنقاء، ملئت السماء بالعنقاء، في مشهد مهيب، وكل طير منها يحمل في منقاره حجرا وفي أقدامه حجرا" (ص 97)، من أين أتى الروائي العنقاء والكل يعلم أنها طائر خرافي مثل الرخ وغيرهما؟، ثانيا إذا كانت العرب قد أطلقت عليه العنقاء فالجملة التي تليها كانت تأكيد من الراوي على أنها عنقاء، والله سبحانه وتعالى وصف الطير بالطير الأبابيل ولم يقل سبحانه لا عنقاء ولا رخ.

وهناك عبارات أخرى ركيكة جدا مثل" ضيقت عيني في خبث شيطاني"، " بل شيطان أسود..شيطان يدعى عبدالله.. عبدالله بن سبأ"، "وبالفعل اصطلح الرجال وعملوا هدنة لسنة"، "شيء آخر تسلل إلى بلا استئذان، نوع من النغم المبهج"، " ولو أن ذبابة حاولت أن تمس المسجد الأقصى أيامها لذبحتها الدولة العثمانية شر مذبح".. حفلت الرواية بذلك الفقر اللغوي الشديد..عدم قدرة على التخيل والوصف، تسطيح شديد للمفردات بدون ادراك لمعنى اللغة الأدبية.. جاء السرد مليئا بالتقريرية كأن الكاتب اقتطع أجزاء كبيرة ليضعها برمتها حتى دون التبديل في مفرداتها مثل:"وما يجعل هذه الرواية صحيحة هو وجود مقابل لها من أمهات كتب تفسير القرآن، حيث أجمع المفسرون أثناء تفسيرهم لآية هاروت وماروت في القرآن، أن الشياطين دفنت كتاب السحر تحت كرسي سليمان، أي تحت الحرم القدسي، وأن هناك أناسا أتوا بعد ذلك تهيأ لهم الشيطان في هيئة بشرية وأراهم مكان دفن تلك الكتب، فاستخرجوها، لكن المفسرون لم يعرفوا من هم أولئك الناس الذين تهيأ لهم الشيطان، واستخرجوا الكتب، الجمع بين كتب التاريخ الأجنبية وكتب التفسير العربية يظهر لك القصة الحقيقية التي حدثت، ذلك الجمع لم يكلف أحد من الناس نفسه ويفكر فيه"

والكثير من القطع التي تختلف لغتها تماما عن لغة السياق بما يعني اجتزائها وكان يمكنه التصرف فيها بما يليق بالمتن والإشارة إليها.

- ثانيا الراوي:

الراوي هنا هو الراوي العليم القادر على التنقل عبر الأزمنة واستبطان الشخوص، ولكن يقع الكاتب في تلك الإشكالية فمرة نراه كأنه العليم بكل بواطن الأمور ومرة أخرى لا يعلم عنها شيئا.

" كان العجوز ينفذ إلى عقل زاهاك ويقرأ ما يفكر فيه.. والعجيب أن كل ما كان يملأ عقل زاهاك هو ثورة الغضب والإصرار على هزيمة هذا الكيان الذي لا يدري له تعريفا"

" ثم تلاشى العجوز من أمامه كان لم يكن.. تاركا زاهاك في صدمة، صدمة ستغير حياته كلها فيما سيأتي من أيام"

" وهنا بدت له أجسادهم الصغيرة..كانوا حوالي مائة يحتشدون حواليه"

" رغم وجود مشعل أو مشعلين يبعثان نورا خافتا للغاية"

"وأخذ يفكر في أشد الأمور جمالا وبهجة ليشغل ذهنه عن بشاعة ذلك الكائن"

"فهي ليست من الطراز الذي يهتز لرؤية أحد"

" لكن كان يبدو أن فرسيهما سريعان كفاية للهروب من السرب"

وإذا كان الراوي يسرد من اللحظة الآنية باستدعاء مباشر لما حدث في الماضي البعيد منذ أربعة ألاف عام، على اعتبار أنه مدرك بكامل العوالم فلا يصح أن يقول يبدو ولا يعرف القيمة العددية للأشياء وغيرها، فالذي استطاع استبطان الشخصيات ونفسياتها ودخوله إلى عقلها كيف لا يقدر على معرفة العدد والشك في أمور من المفترض أنها واضحة له تماما؟

الراوي هنا يستند إلى الحكي الشفاهي أحيانا ويضع المستمع داخل الحدث بل ويشكل له رؤية خاصة " غض بصرك عن كل الفتيات العاريات الممددات أو الواقفات هنا وهناك بجوار فتي في غاية الوسامة يجلس وسطهن بهدوء".. لم يقل الراوي هنا كيف تجسم المشهد لكي يستثار السامع بعدم الوصف وإنما الرؤية المباشرة، وكان من الطبيعي أن يصف المشهد وصفا لا رؤية لكي تحدث تلك الاستثارة، ثم يعمد الراوي في بعض الأحيان إلى الدخول خلف الكاميرا ليصور الكادر من قريب وبعيد وبزوم أون وزوم أوت، ليصور المشهد ومن الطبيعي انه حتى في حالة الانتقال الرؤيوي للمستمع الموجه إليه الخطاب الروائي فعلى الأقل كان من المفترض أن يصف كل شيء للقارئ العادي ويوضح تلك النقلة.

فكلمة أنت الآن قبل أربعة آلاف عام توضح الإنتقال، ومن الطبيعي إذا حدث ذلك الانتقال فهنا لا وجود لجمل مثل "هناك فتى في وسطهم"، لأن هناك رؤية مثبته مركزها عيني المنتقل، ولكن الراوي ينفي تماما ذلك الانتقال الرؤيوي حين يقول "فقط استمع"، أي أن الأمر حكي وصوت وأذن وبالتالي هناك إشكالية التواجد معه في كل الأزمنة، ويأتي الراوي بعد ذلك ليمنح سلطانه مرات عديدة إلى آخرين فمرة إلى شيطان ومرة إلى رجل شيعي ومرة إلى رجل وامرأة دون أن يتغير الوعي مطلقا، فلا نلاحظ أي تذبذب حتى على مستوى السياق السردي، مع أن الوعي قد تغير تماما بتغير الراوي.

أيضا كان من الطبيعي أن يشبه الراوي بابل بأن " أفضل منتجع في هاواي يبدو بشعا مقارنة بهذا السحر"، وهنا يتوجه الخطاب للوعي المركز عن صورة هاواي في الوعي الجمعي، ولا أحد يعلم شيئا عن هاواي سوى ما نراه في التلفاز، والكثير غير المتابعين للأفلام الأجنبية لا يعلمون عن هاواي شيئا، وكان بإمكانه الوصف بما يغني عن تلك التشبيهات، ولكن جاء فقيرا جدا من ناحية الوصف حين ذكر التماثيل بأنها موحية، ولا أعلم موحية بماذا، فالإيحاء في حد ذاته يتطلب استدراك. وحين وصف الشيطان وغيره لم يبتعد عن الصورة الذهنية النمطية للشيطان والراسخة في الوعي الجمعي.

هناك تضاد في الكثير الوصف فمرة سميراميس تبدو كفارسة، ومرة تأكيد على أن سميراميس فارسة حقيقية.

- ثالثاً المنحى التاريخي:

بحسب إشكالية الرواية التاريخية فإن التاريخ يكتبه المنتصر وبالتالي فإن الكاتب غير منوط بذكر حقائق وإلا لأصبحت الرواية لها ذلك البعد الوثائقي، ولكن حين وجدت ذلك التصدير بأن كل الرواية بشخوصها وجنها وانسها واحداثها وشياطينها حقيقية فإن ما ورد في الرواية _ باعتبارها حقائق _ يعد تزييفا للتاريخ، بدءً من تزييف الحديث الشريف والذي اعترف الكاتب بأن فهمه وتفسيره له كان خاطئا، ومرورا بالعنقاء التي قال عنها أنها هي الطير الأبابيل، هل قتل سليمان بالشبه؟..الكثير والكثير من الأخطاء التاريخية التي عج بها الكتاب والتي لم يجتهد المؤلف في استبيانها بما أنه يصدر حقائق وليس إبداعا روائيا.

الرواية في مجملها جاءت ضعيفة جدا لا تربطها وحدة الموضوع إلا من خلال الشيطان وتسرد التاريخ بنفس قيمه المعروفة والتي حاول المؤلف التصرف فيها ليوحي بتدخله وإثبات رؤية جديدة مغايرة وفشل في ذلك تماما، وجاءت محاولاته ركيكة لا تحمل أي قدر من الجدية أو الوعي الحقيقي، كل شيء كما هو معروف عنه بعيدا عن الإبداع، حتى الإسقاط الذي حدث على شخصية عبدالله بن سبأ لن يصدق، وكان حريا به خلق شخصية جديدة لا تتماس مع شخصيات لها سيرتها إلا من خلال دلالة حقيقية أو إسقاط موظف.

لا توجد شخوص حقيقية في الرواية اللهم إلا الشيطان الذي يسرد أحيانا وكل الشخصيات تولد وتختفي ليحل غيرها محلها للانتقال عبر الأزمنة التاريخية، ولو افترضنا إزالة الورقتين الأولى والثانية التي يتحدث فيهما الراوي لأصبح لدينا كتاب اسرائيليات ينقل التاريخ برؤية ساذجة وبلا أي من مناطق الإبداع.

الرواية تعج بالأخطاء الساذجة مثل الفخ الذي صنعه زاهاك لأبيه كوش وهو مجرد حفرة مليئة بالرماح وقع فيها الأب فمات، وقال عنها الراوي أنه أول فخ في التاريخ، وكلنا نعلم أن هذه النوعية من الفخاخ كانت موجودة لاصطياد الحيوانات بحفر قطعة وتغطيتها بالعشب والجري وراء الحيوانات في اتجاه الحفرة.

وقال عن النمرود أنه أمير التمرد بلا منازع في التاريخ، والحقيقة أن ابن نوح نفسه تمرد على أبيه ولم يقبل بالركوب إلى السفينة وقال "سآوي إلى جبل يعصمني من الماء" فكيف يكون أول متمرد؟!!

لماذا جاءت المسميات بمسمياتها العصرية مثل تونس والعراق وغيرها في حين أن الأحداث تحكي في آنية تلك الحقب؟!.

الروائي سرد في 310 صفحة ما يفتح له مجلدات، فظهرت الموضوعات أكبر مما تحتمله رواية فجاءت كلها هامشية، فما بين بابل وفرسان الهيكل والماسونية مرورا بالعصر الإسلامي وانتهاء بالمسيخ الدجال، ولم يركز حقيقة على شيء يمكن أن نقول إنه عصب روائي، لكنه يتنقل مبديا سردا تقريريا يحمل في طياته قراءة التاريخ القديم، حتى محاولات تدخله جاءت ركيكة ومصطنعة ومستقاة من رؤية غير مكتملة.

جاءت أغلب المناقشات لتأكيد أن الإسلام حقيقي من وجهة نظر الشيطان، وأن المسيحيين حرفوا كتابهم وأن اليهود ابتدعوا التلمود، وأن الشيطان قال لا نستطيع تحريف القرآن لأن الله يحفظه، تماما بنفس منطق المحاورات ودون أي تدخل إبداعي، لو أن الكاتب يظن أن هذه في حد ذاتها رؤية فكل العالم يعرف أن التلمود محرف وأن القرآن حفظه الله كما في الآية الكريمة، إذن لو أنك ستسرد حقائق بنفس الوعي الذي يمثل كل العالم فما فائدة الرواية نفسها إن كان ما ستقوله راسخ في الأذهان؟!..

وفي النهاية لا أعلم هل يحق للكاتب أن يطلق على ما كتبه رواية، أم أنها مجرد سرد تاريخي مجرد تماما، ولماذا توجه دار عصير الكتب زوارها لمثل هذه النوعيات التي لا تليق على عكس الموقع الذي يعج بالكتب المترجمة وغيره وكان مثل فتح جديد للثقافة الالكترونية، ولماذا تواكب الدار حالة التردي في الثقافة "لتزيد الطين بلة" فتنشر مثل هذه الأعمال التي تحتاج إلى مراجعات قوية على مستوى البناء والشخوص واللغة والحبكة والصراع وغيرها.

وإذا كان القائمين على دار النشر يهمهم التربح فلا إشكالية هنا، الكل يريد التربح ولكن المضمون الذي يساق للقراء ألا ينبغي النظر على محتواه ومتنه، وكيف للموقع أن يطلب الوعي ودار النشر تفتقد لهذا الوعي، وكيف يريد الجميع وعيا متكاملا يناطح الأدب والروسي والإنجليزي ويصدرون التفاهات ممهورة بالتوقيع على الرواية أنها فائزة بجائزة عصير الكتب، وإذا كنت قد قرأت مثل هذا العمل فكيف بباقي الأعمال التي يروج لها الموقع والمكتبة بأفرعها بالنظر إلى الكم دون النظر إلى الكيف؟، قد أقبل ببعض الأخطاء فلا يوجد عمل كامل والرؤية في الرواية حمالة أوجه أو كما نضرب المثل بمكعب "لوتشي" للمنشور الزجاجي الذي يُرى من زوايا كثيرة، ولكن أن تفتقد رواية واحدة لكل العناصر الروائية وتعيد دار النشر إصدارها وتذيلها بتوقيع جائزة على جائزة عصير الكتب فهذا أمر غير مقبول.. من المحكم في جائزة عصير الكتب؟!، وإذا كان القائمين على الموقع ودار النشر لا يعون تماما الفرق بين الرواية والكتاب البحثي التافه فكيف يديرون الموقع ويستخدمون الشباب في تصدير أعمال لا تليق لهم تحت مسمى رواية، أكثر من 25 طبعة من هذه الرواية التافهة ربما يقع قارئوها كلهم في نفس الأخطاء، نعلم أنهم إن تحولوا لروائيين سيجدون لهم مكانا مهيئا في دار النشر والتي تنشر بغض النظر عن المضمون الروائي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً