مما لا شك فيه أن العرب من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب إخوة لنا ونحن معهم متحابون، تربط بيننا وبينهم روابط وثيقة من دين ودم ولغة، كلهم بلا استثناء لهم معزة كبيرة في القلب إلا أن للمصريين مكانة خاصة في قلوبنا نحن السعوديون، هذه المكانة لم تأت من فراغ، إنما هي نتيجة حتمية لجيل كامل تشرب حب مصر والثقافة الاجتماعية المصرية التي تربى عليها جنباً إلى جنب مع ثقافته السعودية ثم ورثها لنا، ولو كانت أطلال أبنية أوائل المدارس النظامية تنطق لقال كل فصل فيها هنا كان يقف معلم مصري، ولو أن لجامعات أرض الكنانة ذاكرة وألسن لحكت لنا حكايا وروايات عن أوائل جيل المبتعثين السعوديين وقالت سقا الله أياماً كان فلان وفلان يتلقى العلم من هذا المنبر العريق ليعود منها جيل عمالقة تشاركوا مع الدولة الداعمة مسؤولية وضع البنية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية السعودية حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن!
مصر لها بصمة حب ووفاء واضحة في قلوب السعوديين، عشقنا لهجتها وطيبة شعبها وخفة روح أهلها بأغانيهم ومسلسلاتهم وأمثالهم الشعبية وحتى أطباقهم المصرية اللذيذة التي تزين موائدنا بين وقت وآخر.
لأجل كل هذا التاريخ وتلك الحميمية الأخوية بين الشعبين يجب ألا يخدش شفافية العلاقة بينهما تصرف سائق تاكسي في القاهرة أصابه الطمع، أو صاحب مطعم رفض دخول الضيف بثوبه العربي، أو بائع في متجر أراد استغلال السائح الخليجي أو سعودي خانه كرم الأخلاق فأخطأ في بلده على أخيه المصري، أو تقصير مقصود أو غير مقصود من سفيه لا يمثل شعبه، فهذه كلها تصرفات فردية غير قابلة للتعميم الذي قد يشوه جمال الإطار العام لفخامة الصلة بين الشعبين.
ويكفي المصري فخراً أنه مصري. من يقترب منه سينبهر بلمعان معدنه الأصلي الذي لا يتبدل بتبدل الظروف والأوضاع. هو ذلك الشهم الطيب ذو القلب الواسع الذي يحمل من النقاء الكثير. هو ذلك المتدين بالفطرة الذي لا يتوقف لسانه عن ذكر الله قبل أو بعد كل فعل أو قول. هو ذلك التلقائي الذي تخرج كلماته من القلب لتصل سريعاً إلى القلب.
المصريون هم ذلك الشعب الذي يقدر الابتسامة، هي عنده كنز عظيم يكنزها في روحة المرحة ثم يغدق منها بكرم على نفسه وغيره مهما اشتدت الظروف وصَعُبت الحياة. أعشق بهم التفاؤل الذي يسكن أرواحهم مهما تقلبت الأحوال، وتعجبني فيهم القوة في مواجهة الحزن والألم بنكتة ساخرة تسكب في نصف الكوب الفارغ صافي القوة فيمتلي بالأمل.
مصر هي الشقيقة الكبرى لكل الدول العربية لم تتأخر يوماً عن تقديم يد المساعدة لأحد. لذا فمن الغباء الحديث عن المنافسة بين أرض الكنانة وبلاد الحرمين في قيادة العالم العربي فما بينهما ليس صراعاً أو تنافس حاقد، ما بينهما أكبر من التفاهات، إنه التكامل لمصلحة المنطقة التي تنوء بالاضطرابات الموجعة وهو الأمر الذي لا يعني أبداً تطابق الموقف ففي النهاية تتحمل القيادة في كلا البلدين المسؤولية أمام وطنها وشعبها في ظل معادلات إقليمية ودولية في غاية الصعوبة والتعقيد.
لذا، فمن الخطأ الذي لا يحتمل أي تبرير أن تصل الحمية بالمصري أو السعودي عند النقد إلى درجة التشنج الذي يفسد قضايا الود، ويصدر عليها أحكاماً بالسجن مع المشاعر الحادة داخل سجن الكره والفرقة التي تزيد الشرخ في الكيان العربي ما قد يصل به إلى حد الكسر.
العتب محمود إن كان بحب ورغبة صادقة في إزالة الشوائب التي غالباً ما يتسبب فيها كاتب هنا أو صحافي هناك هدفه لفت الأنظار وتأجيج غضب شعوب على حساب علاقة بلدين مستقرة ليحقق شهرة من خلال مقالة صفراء أو صوت لا يحترم المسؤولية، ولكن لأن القيادات أكبر من طيش طالب شهرة متهور، ولأن مصر عظيمة غالية، ولأن سلمان ملك القوة والحزم والوفاء فقد أمر بلفتة إخلاص تسلط أنظار هذا الجيل ليتعرف على مصر الخير بشكل أعمق من خلال استضافتها في مهرجان الجنادرية المقبل كضيف شرف نقترب من خلاله من الشخصية المصرية العظيمة أكثر. ولا عزاء لكل حاقد حاسد يصطاد في الماء العكر.
taghreed_i_t@
تغريد إبراهيم الطاسان
نقلا عن الحياة اللندنية