على شاطئ البحر، بعد يومين من حادثة رشيد، قال أحد المواطنين، إن مركبًا أخرى شقت طرقها في البحر، وكأن شيئًا لم يحدث، بل إن صاحب المركب اختار هذا التوقيت، وتعامل بخدعة "تمويه" كأنه يبحث عن ضحايا المركب الغارق، وانطلق بشباب مهاجرين بشكل غير شرعي.
وأضاف المواطن: " كل يوم عندنا ناس بتسافر، وفيه ناس بتموت ومحدش بيسأل عنها، فيه سماسرة شغالين، وفيه راجل مسؤول بيطلب منهم هاتولي 10 أشخاص، وهتاخدوا على النفر 2000 جنيه".
"الفقر والحاجة تخليهم يروحوا أي حتة"
ودعت قرية الجزيرة الخضراء التي تطل على سواحل البحر المتوسط بمحافظة كفر الشيخ أكثر من 40 شاباّ من أبنائها في غرق إحدى مراكب الهجرة غير الشرعية المتجهة إلى العاصمة الإيطالية روما.
"الفقر والحاجة وتجارب السابقين" هي أبرز الأسباب التي يرى المواطنون أنها سبب اتباع الشباب لأسلوب الهجرة غير الشرعية، أحد أهالي القرية، قال في حديث لـ"أهل مصر" إن الظروف المعيشية الصعبة المحيطة بهؤلاء الشباب ونظرتهم لمن سبقهم بالسفر مستخدمًا هذه الطريقة واستطاع الوصول إلى وجهته، والعودة إلى قريته مرة أخرى وقد ظهر علية علامات الثراء.
وقال أحد أهالي المنطقة:"هم ليه بيسافروا.. الظروف أجبرتهم على الهروب.. كل الأمثلة موجودة.. لو اشتغل عمره كله مش هيجيب 50 ألف جنيه".
"تعالو اتفرجوا.. بنكلمكم من ايطاليا"
إسلام ومصطفى، أبناء عم قررا أن يبدئا حياتهما في إيطاليا، كلاهما في الصف الثاني الثانوي: "حاولنا نسافر رسمي ومعرفناش".
أحد سماسرة الهجرة غير الشرعية، عرض على إسلام وبن عمه مصطفى مساعدتهام للخروج من مصر، فسلكا طريقهما معه من مدينة بركة السبع، مقابل 60 ألف جنيه لكل منهما، على أن يتسلم مبلغ 20 ألف جنيه مقدمًا، وباقي المبلغ 40 ألف جنيه، فور الوصول إلى إيطاليا، ووقعا له إيصال أمانة على بياض، لينجي الـ"طفلين" من الغرق في حادث رشيد، ليفاجئا أهلهما: "بنكلمكوا من إيطاليا".
"أصحاب المراكب يأخذون ثمنها مقدمًا.. والأطفال يعترفون عليهم"
بحسب أهالي القرية، تعد الجزيرة الخضراء، إحدى منافذ الهجرة غير الشرعية في مصر، حيث يتواجد بها عدد كبير من "سماسرة الموت" كما يطلق عليهم أهل القرية، يستقطبون عدد كبير من أبنائها ويحفزوهم على السفر بصورة غير شرعية للهروب من ضيق العيش، وتحقيق أحلامهم بالحصول على فرصة عمل، في قرية التي يقطنها أكثر من 50 ألف مصري، ويعاني ألها من الإرهمال والبطالة -بحسب أقوالهم.
يبدو أن أصحاب المراكب يريدون أن يضمنوا حقوقهم اولًا، أحد مواطني القرية قال إن أصحاب المراكب يتقاضون ثمنها مقدمًا قبل أن تخرج إلى البحر، فإذا عادت كان بها وإن لم تعد لا يهم فهو "قبض التمن".
وقال مواطن آخر، إن العمل في الهجرة غير الشرعية مقسم لمناطق، كل منطقة لها سماسرة معروفة، لا يجوز أن يتخطى أحدهم منطقة عمل الآخر، مضيفًا:"الأطفال اللي بتسافر ويتمسكوا بيبلغوا عنهم ومعروفين بالاسم".
"قصة طفل مضى على نفسه شيكات"
مئات من الآباء والأسر في انتظار جثث ذويهم من الضحايا، بينهم عم ينتظر جثة بن أخيه، يقول:"فوجئت يوم الأربعاء أن بن أخوك كان في مركب غرقت في مركب في بوغازي رشيد.. عنده 19 سنة.. مشي من ورا أهله.. ومضى على شيكات للناس اللي مهربينه دول".
عم الطفل الغارق، أضاف:"متهيألي الشباب المصري هيفضل يهاج يا اما يموت يا يعيش عيشة حلوة.. محدش هيرجع تاني".
الحاج سعد: إبني مختفي من أربع سنين
الحاج "سعد حافظ" أحد مواطني قرية "الجزيرة الخضراء" بمحافظة كفر الشيخ، اعتصره الألم على حادث رشيد، ليس فقط لأنه رأى مشهدًا مأساويًا، لكن لأنه تذكر نجله الذي اختفى منذ أربعة أعوام، ومازال لا يعلم عنه أي شيئ.
"الحاج حافظ" ناشد الحكومة المصرية البحث عن ابنه قائلًا: "ابني مختفي من 4 سنين، هاجر بره بطريقة غير شرعية، غايب بقاله كتير ومنعرفش عنه حاجة، سافر علشان لقمة العيش بس مرجعش".
مصر احتلت المرتبة 11 بين أعلى الدول المرسلة للمهاجرين غير الشرعيين لليونان، والترتيب العاشر بالنسبة لمالطا، كما أن إيطاليا ومالطا واليونان تمثل وجهات الهجرة غير الشرعية المفضلة للشباب المصري خلال الفترة من 2007 وحتى 2013.