حالة من الجدل، أثارها رئيس أئمة المسلمين في فرنسا، حسن شالغومي إمام مدينة درانسي، بعدما نشر على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" منشورين صداقة ومواساة وتعزية للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، كما أنه دعا المسلمون في العالم للصلاة على روحه بعد وفاته.
يتمتع بجاذبية خاصة عند بعض مريديه، فيما ينتقده آخرون وبشدة، نشر كتابًا يشرح فيه أفكاره عن الإسلام المتسامح ودعوته إلى الحوار مع اليهود
"الشلغومي" صاحب اللحية القصيرة والعمة البيضاء، إمام مسلم فرنسي من أصل تونسي وهو إمام مسجد درانسي، الذي يقع في الضاحية الشمالية لباريس.
ولد "الشلغومي " لأب جزائري وأم تونسية، ونشأ في أسرة متواضعة في تونس، وتلقى تعليمه في مؤسسة العلوي المعروفة بطابعها العلماني في تونس، قبل أن يميل إلى الدين في السنوات الأخيرة من مراهقته.
وبعد حصوله على البكالوريا سافر الشاب الشلغومي إلى سوريا وتركيا وإيران وباكستان والهند، حيث اكتشف الصوفية والتقى رجال التبليغ وهما الحركتان اللتان يعتبرهما الشلغومي مسالمتين وروحانيتين.
يشتهر "الشلغومي" بدعوته إلى الحوار بين الأديان وخصوصا بين الإسلام واليهودية، وقد جمع مجمل أفكاره و"رسالته" في كتاب "صدر الخميس" وهو سلسلة مقابلات أجراها معه الصحافي الفرنسي "ديفيد بوجاداس" ويحمل عنوان "الإسلام والجمهورية..لنتحرك قبل فوات الأوان".بحسب تقرير نشرته "فرانس 24" يعود استقرار الشلغومي في مدينة درانسي في الضاحية الشمالية للعاصمة الفرنسية باريس إلى سنة 2000، حيث استطاع بعد سنتين أن يطلق مشروع بناء مسجد النور في مكان يرمز إلى ترحيل حوالي سبعين ألف يهودي من فرنسا، وسرعان ما أدرك الشلغومي، أن علاقات المسلمين باليهود في فرنسا تشوبها آثار مترتبة على نقل الصراع في الشرق الأوسط إلى فرنسا ومتأثرة بجملة من الأفكار والأحكام المسبقة.
وفي عام 2006 شارك حسن الشلغومي في تظاهرة مراسم إحياء ذكرى ترحيل اليهود في درانسي، وندد بالظلم الذي ترمز إليه "المحرقة"، بيد أن مبادرته كانت لها نتائجها الفورية عليه، حيث تم تخريب بيته غداة التظاهرة.
بيد أن ذلك لم يمنع الشلغومي من مواصلة مسيرة الدفاع عن "إسلام فرنسي"، يفضل الشلغومي أن يسميه إسلام الأنوار، وهو إسلام مستقل وبعيد عن التدخلات الخارجية وعن الكراهية.
خلف مرأب لسيارات مجمع تجاري كبير في درانسي، تم بناء مسجد النور، وبالقرب من ملعب رياضي، شرع الشلغومي في إطلاق المبادرات تجاه "أهل الكتاب"، حيث استقبل في سنة 2009 رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا "ريتشارد باسكويه"، قبل أن يسافر إلى إسرائيل وغزة أياما فقط بعد عملية "الرصاص المصبوب التي نفذها الجيش الإسرائيلي في القطاع.في عام 1996 التحق حسن الشلغومي الذي كان يبلغ آنذاك 24 عاما بأخيه الأكبر في جهة "سين سان دوني" واستقر في مدينة بوبيني شمال باريس، حيث كان إماما للصلاة وتنقل بين حرف وأعمال مختلفة في قطاعات النقل والصناعة والتجارة.
ومنذ بداياته الأولى ظل الشلغومي مقتنعا أن مفتاح العيش المشترك هو الحوار، حيث حاول أن يجد سبلا للتقريب بين شباب الأحياء الشعبية والسلطة، وحرص على القيام بزيارات في مناسبات العيد إلى دور العجزة ومراكز الشرطة والكنس والأديرة.
تعرض الشلغومي للانتقاد بعد زيارة أجراها إلى غزة أيام القصف الإسرائيلي وعملية "الرصاص المصبوب" حيث قالت "مجموعة الشيخ ياسين"، الزعيم الروحي لحركة حماس الفلسطينية، التي اعتبرت الزيارة خطوة رائدة، وبالتدريج تحولت الانتقادات إلى مظاهرات أمام مسجد درانسي وتهديدات طالت "إمام اليهود" كما أصبح يصفه بعض مخالفيه.
وهو ما نفاه ضمنيًا في تصريح له قال فيه الشلغومي :"حيث يمكن أن ندافع عن القضية الفلسطينية لكن دون أن نستورد الصراع إلى هنا في فرنسا".
موقف الشلغومي، من قرار الحكومة الفرنسية بعد قرار منع النقاب في الأماكن العامة، وضعه في محط الاتهامات مرة أخرى، وذلك بعد أن أكد الشلغومي أن النقاب ليس أمرًا دينيًا.
وبحسب "فرانس 24" يقول عبد الحكيم الصفريوي زعيم مجموعة الشيخ ياسين "إن الشلغومي ليس معترفا به وسط المسلمين". ويمضي آخرون إلى وصفه بالإمام الذي انقلب وغيّر مواقفه "حيث أنه في قضية النقاب غيّر موقفه بعد أن كانت مواقفه صريحة وداعمة للنقاب والتفرقة بين الجنسين، على أي حال هذا رأينا فيه.. متقلب" يقول محمد حنيش رئيس اتحاد الجمعيات الإسلامية في فرنسا.
يعيش حسن الشلغومي منذ ثلاث سنوات تحت الحماية البوليسية على مدار الساعة، حيث يرافقه رجلا أمن في كل تحركاته باستمرار، وهو لم يعد يحصي رسائل التهديد التي تلقاها من قبل " أقلية لا تؤمن بالحوار" والتي تتهمه بالسعي وراء الظهور الإعلامي. وهو يجيب أن "الظهور الإعلامي لا يستحق منه أن يعرض نفسه للتهديد وزوجته للسب والإهانة.
ويقول الشلغومي "إنه منذ هجمات 11 سبتمر ما فتئ المسلمون يؤدون الثمن غاليا، فقبل أن يقوم بن لادن بقتل الأمريكيين هو قتل المسلمين، ومن أجل تغيير العقليات يجب التخلي عن النظرة التي ترى في الإسلام دينا هجوميا"، يضيف إمام درانسي.. "إذ ينبغى حب الآخرين لكي نحصل في المقابل على حبهم".
ويؤكد الشلغومي أن المعركة التي يخوضها اليوم هي معركة من أجل أبنائه، لكي يمنعهم من السقوط في الأصولية والتشدد على غرار محمد مراح، "يجب النضال من أجل استقلال الأئمة وأماكن العبادة".
"اليوم في فرنسا نعيش ما يشبه حالة نفاق عامة، يقول إمام درانسي، حيث أنه في الوقت الذي نردد فيه باستمرار كلاما عن قانون العلمانية في فرنسا والذي يقضي بفصل الدين عن الدولة، ما زالت المساجد في فرنسا تسيرها قنصليات وسفارات".
وعلى الرغم من الهجمات التي تستهدفه والتي تتخذ في بعض الأحيان أبعادا خطيرة، يؤكد الشلغومي أنه يحظى بدعم المسلمين. هكذا قرر الشلغومي الاستمرار لمحاربة المتطرفين وعدم ترك المجال لهم، على الرغم من العريضة التي وقعها الآلاف في يونيو والتي دعته إلى الاستقالة.