اعترف بأنني كنت أحد المعادين سياسيا للرئيس السادات على طول الخط، واعترف أن ذلك كان على خلفية إيديولوجية يسارية، فلم أكن أرى له أية ايجابية، بل كنت مؤمنا بأنه سبب كل البلاوي في مصر في عهده، وبعد مقتله.
وأعترف أيضا أنني ارتبكت عندما كان المانشيت الرئيسي لصحيفة حزبية معارضة، الخائن الأعظم، ولم استطع وقتها أن اتخذ موقفا حاسما، فالرجل طبقا لقناعاتي السياسية وقتها، يستحق هذا الوصف القاسي، لكن السؤال الذي أربكني هو: من له الحق، هكذا وببساطة، أن يطلق مثل هذه الأحكام، ثم إن القضاء هو الجهة الوحيدة التي من حقها أن تقول هذا خائن أو غير خائن، فلا يجوز في الخلاف السياسي تبادل الاتهامات الخطيرة من هذا النوع، ناهيك عن أنني لو اتهمت آخرين بهذه التهم الفظيعة، فمن حقهم أن يفعلوا مثلي،فليس من حق احد احتكار الوطنية، فهذا افسد وما زال يفسد العمل السياسي، وينقله من خانة الصراع الايجابي إلى خانة العداء الذي لا يؤدي إلى تطور الأفكار، ويحرم البلد من أن تراكم ايجابي في طريقها الطويل إلى مستقبل تستحقه.
على هذه الأرضية يمكن أن ترى معي ايجابيات الرئيس السادات، وأيضا سلبياته، وذلك بطرح الأسئلة:
1- هل كانت هناك طريقة أخرى لتحرير سيناء غير التي فعلها السادات؟
لا أظن، ولا أظن أيضا أن ما تردد وقتها بأن حرب أكتوبر، حرب تحريك وليس تحرير، صحيحا، و"الحرب الشعبية" التي طرحها اليسار، نوع من أحلام "الطفولية اليسارية"، فتوازنات القوى مع إسرائيل والإدارة الأمريكية، ناهيك عن التحالفات الغربية، والمناخ الدولي، لم تكن تسمح أبدا بذلك.. وبالتالي لم يكن هناك سوى استكمال تحرير سيناء بمعركة التفاوض.
ربما يكون هناك خلاف هنا أو هناك في تفاصيل حول المعاهدة، كان يمكن تحقيق مكاسب اكبر، مثل حجم التواجد العسكري في سيناء، ولكن في كل الأحوال لا يمكن أن تكون هناك طريقة أخرى غير السلام.
2- لماذا كل هذا الظلم لرجل خاض حرب وانتصر، في حين نمجد من انهزم مرة واثنين؟
في الحقيقة من الصعب وجود إجابة، ولكنها مفارقة غريبة، فالرئيس السادات هو الذي اتخذ قرار الحرب، وهو الذي انتصر، ومع ذلك لم تعترف قوى سياسية كثيرة بذلك، بل وحاولت قوى أخرى، أن تمنح فضل هذه الحرب للرئيس جمال عبد الناصر وحده، وهذا غير صحيح طبعا، بل والأغرب أنه بالمقابل يحظى الرئيس جمال عبد الناصر،وأنا أحبه رغم أنني لست ناصريا، بكل هذه البطولة، في حين أنه تسبب في هزيمة عسكرية للبلد مرتين، الأولى في 1956 والثانية 1967، فكيف نحتقر المنتصر، ونهلل للمهزوم؟!
3- لماذا لا ننسب للسادات حقه في أنه أول من فتح باب الديمقراطية؟
اعرف أن هناك تحفظات كثيرة في إجابة هذا السؤال، أهمها أن الرئيس الراحل فتح الديمقراطية ولكن مفاتيحها كانت في يده، أو على حد تعبيره الشهير "الديمقراطية لها أنياب"، واعرف أيضا أنه مخطئ تماما في أنه فتح الباب واسعا أمام قوى دينية، بشكل غير قانوني لضرب القوى الناصرية واليسارية، واعرف أيضا أنه ارتكب جريمة سجن كل قيادات القوى السياسية المعارضة له و...و.. وغيرها. ولكن أيضا من الصعب أن ننكر حق الرجل في أنه مهد الطريق للديمقراطية، بعد الحزب الواحد والزعيم الواحد.
4- هل كان السادات مخطئا في سياسة الانفتاح الاقتصادي؟
لا أظن، فمن الصعب أن يكون لدينا ولو درجة قليلة من الانفتاح السياسي وليس هناك انفتاح اقتصادي، صحيح أنه كانت هناك أخطاء وخطايا، ولكن المبدأ صحيح، ولننظر في العالم حولنا، فشلت كل السياسات الاقتصادية التي استندت على الاقتصاد الاشتراكي، حتى الصين نفسها تتحول منذ سنوات في اتجاه الاقتصاد الحر.
ما أردته من هذه الأسئلة ومحاولة الإجابة عليها، هو التأكيد على فكرة أن السادات، مثل أي رئيس في الدنيا له ايجابياته وسلبياته، فقد انتهى منذ زمن عصر الزعيم الأوحد الملهم الذي يعرف مصلحة الشعب أكثر من الشعب نفسه، فبسبب ذلك دفعت الشعوب ثمنا غاليا حتى تتخلص ممن هذا التقديس .. واعتقد أننا لو عدلنا زاوية الرؤية من الأيديولوجيات المغلقة ومن الخندقة السياسية، إلى أن المعيار الأساسي هو مصلحة البلد، لأمكننا أن نعيد للرئيس السادات ولو بعضا من اعتباره وحقوقه.