الاستثمار أحد الدعائم الاساسية للنمو الاقتصادي في أى دولة، وقد وضعت العديد من الجهات الدولية ومنها البنك الدولي وصندوق النقد وبنك الاستثمار الأوروبي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار معايير للاقتصاد الجاذب للاستثمار، سعت الكثير من الدول ومنها مصر لتوفيرها من أجل تهيئة مناخ جاذب للاستثمار.
ورغم وضع الحكومة يدها على أهم المعوقات للاستثمار في مصر، إلا أنه حتى الآن لم تستطيع وضع حلول جذرية لها، نتيجة لكثير من العوامل أهمها المصلحة الشخصية ومقاومة التغيير والفساد على حد تعبير الكثير من الخبراء الاقتصاديين في مصر.
وكانت التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية، أكدت على وجود 10 معوقات أساسية للاستثمار وهي على الترتيب: عدم الاستقرار السياسى، مشاكل الحصول على التمويل، مشاكل الكهرباء ثم الفساد، مشاكل الحصول على التراخيص، والتصاريح، مشاكل النشاط غير الرسمى "السوق الموازي"، والجريمة، والضرائب، وأنظمة العمل، والقوى العاملة غير المدربة.
من جانبها رصدت "أهل مصر"، من خلال استطلاع رأى عدد من الخبراء الاقتصاديين، والمستثمرين ١٤ معوقًا للاستثمار في مصر، أدت لإحجام المستثمرين الأجانب أو العرب عن الدخول للسوق المصري والهروب لأسواق أخرى أكثر مرونة، بل ودفعت البعض الأخر للخروج من السوق وهي:
1- الوضع الأمني:
حيث احتلت فكرة الترويج للحرب على الإرهاب جزء كبير من التصريحات السياسية المصرية طوال الفترة الماضية سواء داخليًا أو خارجيًا، وتم تسويقها من خلال وسائل الإعلام بشكل خلق صورة ذهنية توحي بعدم الاستقرار السياسي والأمني في مصر، مما جعل المستثمر الأجنبي يفكر ألف مرة قبل الدخول في استثمارات جديدة بالسوق المصري رغم المزايا الاستثمارية المتعددة.
2- البيرو قراطية:
جاءت البيروقراطية في المركز الثاني من حيث إعاقة الاستثمار في مصر، من حيث الإجراءات الطويلة والمعقدة التى يخضع لها المستثمر قبل بداية نشاط مشروعه والتى قد يأخذ للانتهاء منها من يقرب من 3 إلى 5 سنوات، إلى جانب تعدد الجهات المتعاملة معه في ظل غابة من التشريعات المعوقة للاستثمار، والتى تكرس للبيروقراطية الحكومية.
هذا إلى جانب تعدد الجهات المنوط بها إصدار التراخيص لأى مشروع وفقًا لطبيعة النشاط، وهو ما يضع المستثمر أمام مئات الموظفين ويدعم الفساد الإداري.
3- تخصيص الأراضي:
يعتبر تخصيص الأراضى أبرز المعوقات التى تواجه أى مشروع استثماري في مصر، وقد أشارت النتائج الأولية للاستطلاع الذى أجرته الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة بين المستثمرين حول أبرز معوقات الاستثمار إلى احتلال صعوبة تخصيص الاراضي المرتبة الأولى.
ويرجع ذلك في الغالب إلى تعدد جهات الولاية على الأراضي تبعًا لنوع النشاط سواء عقارى أو صناعي أو زراعي، ومكان المشروع حيث يوجد عدد كبير من جهات الولاية في مصر منها هيئة المجتمعات العمرانية، هيئة التنمية السياحية، هيئة التنمية الزراعية، المحافظات المختلفة.
هذا إلى جانب ارتفاع سعر الأرض في معظم المدن الجديدة، حيث ساهمت متاجرة الدولة فى الاراضى فى ارتفاع اسعارها بشكل جنونى، وهو ما يشكل مخاوف من توقف حركة السوق وعزوف الشركات عن تنفيذ مشروعات جديدة
4- سعر الصرف:
يعد وجود سعرين لصرف الدولار في مصر أحدهما رسمي والأخر غير رسمي، معوق للاستثمار، حيث أنه يسبب خسائر للمستثمر الأجنبي الذى يحول أمواله بالسعر الرسمي الذى يقل عن سعر السوق الموازى بما يقارب 40%، وبالتالي إن لم يكن المشروع متميز ويتمتع بالعديد من الحوافز، فإن المستثمر يحجم عن ضخ استثماراته.
هذا إلى جانب عدم قدرة البنك المركزى على توفير الدولارات اللازمة لاستيراد مستلزمات الإنتاج سواء من مواد خام، أو معدات ووجود قوائم انتظار طويلة.
5- الشباك الواحد:
هو مشروع استغرق الحديث عنه ما يزيد على 10 سنوات وع ذلك فشلت الحكومة فشلًا زريعًا قي تنفيذه رغم النص عليه صراحة في قانون ضمانات وحوافز الاستثمار رقم 16 لسنة 2015، نتيجة عدم الاتفاق بين جهات الولاية على الأراضي، وهو ما أحبط الدور الذى وضعه القانون للهيئة العامة للاستثمار كجهة وحيدة للتعامل مع المستثمر، وإنهاء إجراءات مشروعه مع كافة الجهات، وبالتالى لم يقدم جديدًا أو يدفع في اتجاه نمو الاستثمار الأجنبي المباشر، وهو ما دفع وزارة الاستثمار إلى السعي لتعديله أو تغييره كليًا.
ويعد هذا التعديل الرابع الذى يدخل على قانون ضمانات وحوافز الاستثمار خلال عامين وهو ما يعطى إيحاء للمستثمر بعدم الاستقرار الاقتصادي، والتخبط الحكومي وعدم وجود رؤية اقتصادية واضحة.
6- الطاقة:
يعد نقص إمدادات الطاقة من أكبر المعوقات أمام المشروعات الصناعية في مصر خصوصًا الصناعات الثقيلة وكثيفة الاستخدام للطاقة والتى تعول عليها الاقتصادات الناشئة، حيث أنها تسهم بشكل كبير في النمو الاقتصادى ورفع معدلات التصدير، وقد أدى تخفيض الحكومة لمعدلات امداد المصانع بالطاقة بنسبة 50% في خسائر كبيرة وارتفاع أسعار الكثير من السلع.
هو أمر يؤرق المستثمرين في هذا المجال سواء المحليين أو الأجانب وهو ما يحد من ضخ استثمارات جديدة في هذا المجال.
7- تحويل الأرباح:
يعد عدم قدرة الشركات على تحويل ارباحها نتيجة ندرة الدولار أحد معوقات الاستثمار في مصر، هذا إلى جانب الإجراءات الاخيرة التى أتخذها البنك المركزي والخاصة بتحويل العملات الأجنبية للخارج، وهو ما دفع عدد من الشركات الأجنبية إلى سحب استثماراتها من مصر وكان أخرها شركة الطيران الألمانية "لوفتهانزا".
8- التخبط الحكومي:
كان للتخبط الحكومي وعدم وضوح الرؤية الاقتصادية، أو جود استراتيجية ثابتة أثر كبير في إحجام المستثمرين عن الاستثمار في مصر، ويأتى على رأس هذا التخبط تضارب تصريحات المسئولين والتى أضرت بالاستثمار طوال العامين الماضيين وبالتحديد مع تولى حكومة المهندس ابراهيم محلب وامتدت في حكومة شريف اسماعيل.
حيث أطلق وزراء المجموعة الاقتصادية ومحافظ البنك المركزي مجموعة من التصريحات خلال مؤتمرات ولقاءات تليفزيونية أضرت بالغ الضرر بالاقتصاد المصري خصوصًا ما تعلق منها بتخفيض قيمة الجنية أو ضريبة القيمة المضافة، وهو ما أدى لعدم استقرار سعر الصرف وارتفاع أسعار الكثير من السلع في ظل ضعف الأجهزة الرقابية بالدولة.
9- قانون الاستثمار:
يقف قانون الاستثمار بلائحتة التنفيذية عائق أمام الاستثمار في مصر على حد وصف الخبراء والمستثمرين ورغم تعديله 4 مرات كان أخرها نهاية العام الماضي إلى أنه لم يستطيع توفير بيئة جاذبة للاستثمار.
وأرجع الخبراء ذلك إلى التعجل في إصداره قبل مؤتمر شرم الشيخ بيوم واحد ليفتح شهية المستثمرين للاستثمار في مصر إلا أنه على العكس وضع الكثير من الأهداف التى لم يستطيع تنفيذها مثل مشروع الشباك الواحد.
وطالب العديد من الخبراء بسرعة تعديله وإصداره بعد تحقيق توافق مجتمعى حوله بما يحقق مصالح الاقتصاد والمستثمرين.
10 - الضرائب:
تعدد التشريعات الضريبية أربك المستثمرين في مصر، حيث صدر في الأونة الأخيرة أكثر من تشريع ضريبى كان أخرها الضريبة على القيمة المضافة الذى أدى لارتباك السوق المصرى لتضارب مواعيد تطبيق القانون ولعدم وضوح طريقة التطبيق، وارتفاع الأسعار على معظم السلع حتى المعفية منها، إلى جانب اتجاه الحكومة لتعديل العديد من االقوانين الضريبية في الفترة المقبلة بحجة أنها لم تعدل لعشرات السنين وهو ما يقلق المستثمرين ويدعهم ينتظرون الانتهاء من تطوير منظومة الضرائب على حد وصف الحكومة، والتى قد تستغرق سنوات.
11-احترام التعاقدات:
أثارت الأحكام القضائية الأخيرة الخاصة بعودة شركات الخصخصة ذعر المستثمرين الأجانب من ناحية عدم إلتزام الحكومة بتعاقداتها، هذا إلى جانب عدد من قضايا التحكيم التى رفعها بعض المستثمرين خاصة بمشروعات تم سحب أرضيها، أو التأخر في سداد مستحقات الشركات التى تعاقدت مع الحكومة المصرية لتطوير بعض المصانع، ورغم تشكيل لجنة وزارية لحل المنازعات إلا أنه مازالت العملية تسير بشكل بطئ في ظل عدم وضوح للرؤية والإجراءات.
12- العمالة الماهرة المدربة:
إفتقار السوق المصري للعمالة الماهرة المدربة في ظل تدنى مستوى التعليم الفني في مصر، أدى لإحجام الكثير من الشركات خصوصًا التى تعتمد على أساليب تكنولوجية حديثة في الإنتاج عن دخول السوق المصرى في ظل قوانين العمل التى تضع حد للعمالة الأجنبية، ورغم برامج التدريب التحويلى المنتشرة في مصر إلا أنها في الواقع لم تحقق 10% من مستهدفاتها، ولم تغدو أن تكون مجرد حبر على ورق.
13- قانون الإفلاس
وانتهت منه وزارة العدل أخيرًا وبعد سنوات عديدة، تمهيدًا لعرضه على البرلمان وهو المطلب الذى طالما طالب به المستثمرين، لتوفير خروج أمن للمستثمر حسن النية في حالة تعثر المشروع، بإعلان إفلاسه، مع إلغاء عقوبة الحبس، بتوفير الإطار القانوني اللازم لمعالجة حالات الإفلاس خارج إطار المحاكم من خلال استحداث نظام الوساطة في الإفلاس وتنظيمه إجرائيا، بجانب استحداث نظام إعادة هيكلة التاجر المتعثر من خلال إمكانية شروع المدين في البدء بإجراءات إعادة الهيكلة.
وإن كان هناك تخوفات من بعض المستثمرين من ان يأتى القانون مفرغ من مضمونة كالكثير من القوانين الحالية نتيجة عدم اجراء الحوار المجتمعي الكافي حوله.
14- قانون العمل:
قانون العمل يعتبر من العوائق الهامة التي تقف أمام المستثمرين فى الوقت الحالي، حيث إن القانون لا يحقق أي نسبة تكافل بين العمال وصاحب العمل، كما أن معاناة أصحاب المصانع والشركات من الاحتجاجات العمالية عقب الثورة أعطى صورة سيئة للمستثمرين عن العامل المصري، وهو ما تحاول الحكومة حاليًا معالجته من خلال قانون العمل الجديد الذي يناقشه البرلمان في دور انعقاده المقبل.