تشهد المغرب، اليوم الجمعة، التصويت لاختيار 395 نائبا في انتخابات تشريعية ستنبثق عنها حكومة جديدة، ويأمل إسلاميو حزب العدالة والتنمية الذين يقودون التحالف الحكومي الحالي في الاحتفاظ بها وسط منافسة حادة مع خصومهم المطالبين بـ"الحداثة".
وحسب "هافنجتون بوست"، هذه هي المرة الأولى في تاريخ الانتخابات التشريعية، التي تشهد استقطابا قويا بين حزبين أساسيين، هما حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يقود التحالف الحكومي الحالي، وحزب الأصالة والمعاصرة الذي تأسس في 2008 على يد فؤاد عالي الهمة، صديق دراسة الملك ومستشاره الحالي قبل أن ينسحب منه في خضم الحراك الشعبي سنة 2011 عندما اتهمه متظاهرون بالفساد.
وكان حزب العدالة والتنمية فاز في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 في أول انتخابات برلمانية شهدتها البلاد بعد تبني دستور جديد صيف السنة نفسها، عقب حراك شعبي قادته حركة 20 فبراير الاحتجاجية التي مثلت النسخة المغربية لـ"الربيع العربي".
العدالة والتنمية
ويتهم حزب العدالة والتنمية بالولاء للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، كما يتم تشبيهه بحركة الداعية الإسلامي التركي فتح الله غولن، وهي تهم ينفيها الحزب الذي يعد آخر هيئة سياسية ذات مرجعية إسلامية تقود تحالفاً حكومياً في منطقة "الربيع العربي".
ولم يكن من السهل على حزب العدالة والتنمية تكوين تحالف حكومي باعتبار أن النظام الانتخابي المغربي لا يسمح لأي حزب بالفوز بأغلبية المقاعد، ما اضطر الإسلاميين إلى الدخول في تحالف من 4 أحزاب (محافظة وليبرالية وشيوعية) وصف بالهجين وغير المتجانس لم يمكنه من تطبيق وعوده الانتخابية وأثار أزمات حكومية متتالية خلال السنوات الخمس الماضية.
ويبقى الملك محمد السادس، باعتراف رئيس الحكومة عبدالإله بن كيران، الحاكم الفعلي للبلاد والمهيمن على المجالات الاستراتيجية والحيوية وفي مقدمتها الجيش والأمن والقضاء والدبلوماسية والتوجهات الاقتصادية الكبرى وكذلك التعيين في المناصب والوظائف العليا.
وتعتمد القاعدة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية بالأساس على الطبقة المتوسطة المنتشرة في المدن كما يتميز المنخرطون في الحزب بالانضباط والتنظيم، واستطاع هذا الحزب أن يفوز بأصوات كثيرة في البوادي التي كانت حكراً على منافسيه من حزب الاستقلال المحافظ وحزب الأصالة والمعاصرة والحركة الشعبية.
بن كيران
وأبدى بن كيران ثقته بالفوز بولاية ثانية، وقد ربط بقاءه في العمل السياسي بهذا الفوز، فيما رفع حزبه شعار "صوتنا فرصتنا لمواصلة الإصلاح"، وفق برنامج انتخابي مبنيّ على "المنهجية الإسلامية".
وفي وقت يعتبر بن كيران أن الإصلاحات التي قامت بها حكومته "أنقذت القارب من الغرق"، في إشارة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة للبلاد، يرى منافسوه وخصومه أن تلك الإصلاحات "ضعيفة وكارثية".
لكن جزءاً من خطاب الحزب المتعلق خصوصاً بحرية المرأة والحريات الفردية جعله محل انتقاد متواصل من كثير من الأطراف، وعلى رأسها غريمه حزب الأصالة والمعاصرة الذي يملك نفوذاً في الشمال والقرى.
الأصالة والمعاصرة
وركز الأصالة والمعاصرة على ترشيح الكثير من النساء ضمن لوائحه الوطنية والمحلية لتوسيع تمثيل المرأة الضعيف في البرلمان، كما يدافع عن تقنين الاستخدام الطبي والصناعي للقنب الهندي الذي يعتبر المغرب من أكبر منتجيه ومصدريه.
وتبنى المغرب منذ الاستقلال خيار التعددية الحزبية. ويشارك اليوم قرابة 30 حزباً في الانتخابات، لكن 8 منها فقط تملك القدرة على تكوين فريق برلماني وفق الشروط التي يحددها القانون.
اليسار الديمقراطي
وقدمت فيدرالية اليسار الديمقراطي التي تأسست سنة 2007 من 3 أحزاب يسارية، على أنها "طريق ثالث" وسط الاستقطاب، وقد حققت تسجيلاً نوعياً من طرف المواطنين وتعاطفاً كبيراً على شبكات التواصل الاجتماعي.
بدوره يشكل حزب الاستقلال المحافظ، أحد الأحزاب الوطنية التي يعود تأسيسها لما قبل الاستقلال وقاد عدة حكومات، قوة انتخابية متجذرة في المشهد السياسي المغربي، حيث من المتوقع أن يحتل مرتبة متقدمة في هذه الانتخابات وأن يشكل طرفاً أساسياً في التحالف المقبل.
وإلى آخر ساعات الحملة الانتخابية التي انتهت مع منتصف ليل الخميس، ملأت الأحزاب المتنافسة شوارع المدن الكبرى بالشعارات والملصقات والمطبوعات الداعية للتصويت لها، بمختلف الرموز: مصباح، جرار، سنبلة، وردة، حمامة، جمل، سيارة، دلفين، مظلة.
أرقام
ودُعي قرابة 16 مليون مغربي مسجلين في اللوائح الانتخابية للإدلاء بأصواتهم الجمعة لاختيار 395 نائباً ونائبة في 92 دائرة انتخابية وفق نظام الاقتراع اللائحي النسبي، بينهم 305 ينتخبون على صعيد الدوائر الانتخابية و90 ينتخبون برسم دائرة انتخابية وطنية.
وبحسب وزارة الداخلية، بلغ عدد لوائح الترشيح المقدمة محلياً ووطنياً 1410 لائحة، تضم 6992 مرشحاً، فيما يتوزع الناخبون بين 55% من الرجال، و45% من النساء، وبينهم 55% يقيمون في المدن و45% في الأرياف.
وفي ما يخص أعمار الناخبين فإن 30% منهم تقل أعمارهم عن 35 سنة، و43% تتراوح أعمارهم بين 35 و54 سنة و27% تفوق أعمارهم 54 سنة.
المراقبون
وستشارك 37 هيئة وطنية ودولية في المراقبة المستقلة للانتخابات، أي ما يزيد على 4000 مراقب بينهم 92 مراقباً دولياً، فيما عينت بعض الأحزاب مراقبين لها في مختلف الدوائر الانتخابية.
في 2011، بلغت نسبة التصويت من أصل 13,6 مليون ناخب مسجلين في اللوائح 45٪، فيما قاطع 55٪ العملية الانتخابية التي تشهد اليوم عودة السلفيين المغاربة للترشح والمشاركة القوية تحت لواء أحزاب متفرقة.
وشهدت الانتخابات منذ استقلال البلاد سنة 1956 وحتى اعتلاء محمد السادس عرش المغرب سنة 1999 تلاعباً مستمراً بالنتائج. وشكلت أول انتخابات جرت في عهد الملك الجديد عام 2002 تحولاً في المسار السياسي للبلاد.