لم ولن يتوافق أي مسار سياسي والمزاج العام، حيث أنه لكل طبخة سياسية نكهتها الخاصة، التي بالطبع لن تحوز على اعجاب الجميع، ولكن المهم لأي مسار سياسي أن يحقق الهدف الذي خُط من أجله، تختلف سياسات الأحزاب، بل وتختلف أيضاً الأراء حول نفس النهج السياسي داخل الحزب الواحد، ولكن في النهاية لابد وأن يتفق الجميع على الشكل العام للدرب التي سيتحقق من خلالها الأمن والسلم الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، والأمني، وأن لا يضرب مُنفذ النهج السياسي مصلحة الوطن بعرض الحائط، ولا يلتفت لما توصي به النُخب السياسية نتيجة قراءة الواقع السياسي، ودراسات وابحاث استنزفت قواهم، من أجل تحقيق مكسب شخصي فئوي ضيق.
وهناك امثلة كثيرة داخل أوطاننا العربية حوربت بعد أن استلمت مقاليد الحكم من بقايا النظام السابق، مثل الزعيم القومي العربي المصري جمال عبد الناصر، بل وحورب أيضاً من بعض زملائه الثوريين، وكذلك من الدول الاستعمارية. وهناك مثال اقدم، وهو للخالد الليبي عمر المختار، الذي حورب من بعض زعماء القبائل الذين اتفقت مصالحهم مع المحتل، ومن جهة أخرى من الاحتلال الإيطالي نفسه، ولكنه في النهاية انتصر لشعبه ولسياسته في مقاومة المحتل حتى وهو معلق على مشنقته.
بقعتنا الجغرافية التي نسعى كي نؤسس عليها دولتنا المعهودة، تقع ضمن حدود العالم الثالث، وهي دول نامية تسعى للنهوض منذ استقلالها في أواسط القرن المنصرم، وحتى الآن لم تنهض وتستقل، وخير دليل على ذلك ما يحدث من انهيارات في كل من الكيان السياسي والاقتصادي منذ "الربيع العربي" وحتى الأن، في كل الدول التي انتفضت شعوبها ضد حكامها، فما بالكم بشبه دولتنا التي مازالت هي ونظامها الحاكم تحت نير الاحتلال، وبالرغم من ذلك نُطالب أن تكون بسياساتها وبديموقراطيتها وباقتصادها كدول أوربا!!!
الفرق الوحيد بين دولنا العربية النامية والدول الأوروبية لا يرجع إلى تقدم تكنولوجي، أو رخاء اقتصادي، أو، أو .... وإنما يرجع إلى أن كل فرد من هذه الشعوب يعرف جيداً ما له وما عليه، ويهتم فقط بما يخص مجاله ويعنيه، فالاقتصادي والأكاديمي ينكب على دراساته وأوراقه، والصناعي بين آلاته، والمزارع في حقله، والعسكري في ساحة تدريبه، والسياسة متروكة لأهلها، أما نحن سكان الأوطان العربية بشكل عام، ودولتنا بشكل خاص، فكُلنا خبير سياسي، واقتصادي، وصناعي، وزراعي، وعسكري، ونفهم حتى في النووي، وزراعة الأعضاء البشرية!!!، ولا نُدرك أن "من تدخل فيما لا يُعنيه افسد كل ما يحيط به".
يُدرك الكل الفلسطيني سواء مستقل، أو وسطي، أو يساري، أو يميني راديكالي، أو ليبرالي، أنه لن يستطيع أي زعيم فلسطيني أن يُقدم أي تنازلات للاحتلال، ليس فقط خوفاً على سجله الشخصي، أو خوفاً من الكل الفلسطيني، أو خوفاً حتى من الشعوب الإسلامية والعربية فقط، ولكن خوفاً من كل ذلك مجتمع، بالإضافة إلى ضميره الوطني، وصفحات تاريخ لن ترحمه بعد رحيله، وحاضر سيزجره.
كفانا تجريح في بعضنا البعض، وتمزيق في هويتنا، حتى لا نعض اصابعنا ندماً، على كل فعل قبيح مارسناه في حق بعضنا البعض، ومتى سنستوعب أننا امام عدو يتربص بنا، وينتهز أي لحظة مناسبة كي يفتك بنا؟!
افيقوا...
* كاتب فلسطيني