أرست المحكمة الادارية العليا الدائرة الأولى مبدأ قضائي بوجوب موافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصــــاصاته بالنسبة للأشخاص الاعتبـــــارية العــــامة على اتفـــاق " مشارطة "- التحكيم بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، دون غناء عن ذلك بموافقتهم المبدئية على الالتجاء إلى التحكيم لفض النزاع المثار، وبطلان اتفاق التحكيم بطـــلانًا مطلقًا عند توقيعه من غير توقيع الوزير المختص.
وقالت المحكمة إن المـــــادة "1" من قــــــانون التحكيم فى المــــواد المـــــدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994 المعـــدل بالقانـــــون رقم 9 لسنة 1997 تنص على أنه " مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها فى جمهورية مصر العربية تسرى أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيًا كانت طبيعة العلاقة القانونية التى يدور حــــولها النزاع إذا كان هذا التحكيم يجرى فى مصر".
وبالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية يكون الاتفــــــاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصاته بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفــويض فى ذلك.
وتنص المادة "10" على أن " 1- اتفــــــاق التحكيم هو اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التى تنشأ أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية.. 2- يجوز أن يكــــون اتفاق التحكيم سابقًا على قيام النزاع سواء قام مستقلا بذاته أو ورد فى عقد معين بشأن كل أو بعض المنازعات التى قد تنشأ بين الطرفين".
وفى هذه الحالة يجب أن يحدد موضوع النزاع فى بيان الدعوى المشار إليه فى الفقرة الأولى من المادة "30" من هذا القانون،كما يجوز أن يتم اتفاق التحكيم بعد قيام النزاع ولو كانت قد أقيمت فى شأنه دعوى أمام جهة قضائية، وفى هذه الحالة يجب أن يحــــــدد الاتفاق المســــائل التى يشــــــملها التحكيم وإلا كان الاتفـاق باطلًا....."، وتنص المادة "12" على أنه " يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبًا وإلا كان باطلا، ويكون اتفـــــاق التحكيم مكتوبًا إذا تضمنه محرر وقعه الطــــــرفان أو إذا تضمن ما تبادله الطرفان من رسائل أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة".
وتابعت أن المشرع أجاز لطرفي أية علاقة قـــــانونية إبرام اتفاق بأن يكون الفصل في المنازعات التي تكتنف هذه العلاقة بطريق التحكيم، ســــــواء كان طرفا هذه العـــــلاقة من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص، موجبًا موافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصاته بالنسبة للأشخاص الاعتبــــارية العامة على اتفــــــاق التحكيم الذي يبرم للفصل في منازعات العقود الإدارية بهذا الطريق، دون أن يكون جائزًا لأي منهم التفويض في ذل، وقد حــــدد المشــــــرع المقصــــود باتفاق التحكيم بأنه اتفـــــــاق الطرفين على الالتجـــــاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناســـبة العلاقة القانونية التي تربطهما، عقدية كانت أو غير عقدية.
مجيزًا أن يكون هذا الاتفاق سابقًا على قيام النزاع أو أن يكون لاحقًا لقيامه، مستلزمًا إذا كان الاتفاق تاليًا لقيام النزاع أن يتضمن تحديدا لجميع المسائل التي يشملها التحكيم، وإلا كان الاتفاق بخلوه من تحــــديدها باطلا، الأمر الذي استوجب المشرع معه أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبًا، ويتحقق ذلك بأن يتضمنه محرر موقع من طرفيه أو تتضمنه وسيلة من وسائل الاتصال المكتوبة المتبادلة بينهما كالرسائل والبرقيات، فإذا لم يكن الاتفاق مكتوبًا كان باطلًا.
واضافت أن المشـــــرع حـــــدد مقصودًا اصطلاحيا لاتفـــــاق التحكيم على نحو ما سلف ذكره، مما لا مرية معه في أن هذا الاتفاق ما هو إلا ذلك العقد الذي يبرم بإرادة طرفيه، متضمنًا تلاقي إرادتهما بموافقتهما على الالتجاء إلى التحكيم، نقلا للاختصاص بالفصل في النزاع الذي يبرم الاتفاق بشـــــأنه من القضاء المختص إلى هيئة التحكيم، ومتضمنا كذلك– متى كان إبرامه تاليًا على نشوء النزاع – جميع المسائل التي يشملها التحكيم، وإنه لكون هذا العقد " اتفـــــاق التحكيم " متعلقًا بالولاية والاختصـــــاص القضائي نأيًا بهما عن بسطهما بشأن هذا النزاع استلزم المشرع لانعقاده أن يكون مكتـــــوبًا، بما يومئ بجلاء بأن الكتابة شرط انعقاد لهذا الاتفاق.
وبما كان لزاما معه أن يكون البطلان هو جزاء عدم استيفائه، ومن ثم كان حتمًا قانونيًا أن يتضمن هذا الاتفاق تحديدًا لما يكون لهيئة التحكيم الفصل فيه حصرا، وأن يكـــون طرفه المعبر عن إرادة جهة الإدارة – متى كان الاتفاق بمناسبة نزاع متعلق بعقد إداري – هو من أولاه المشــــرع الاختصاص بالتعبير عن إرادتها في هذا الخصوص وفقًا للفقرة الثــــــانية من المادة "1" من قانون التحكيم المشــــــار إليه والتي قصرت ذلك على الوزير المختص أو من يتولى اختصاصاته بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، بحيث يباشر كل منهم إبرام العقد دون غيره أصالة أو تفويضًا لفقدان الأهلية القانونية بالنسبة لهؤلاء وثبوتها قصرًا وحصرًا على أولئك المذكورين.
وأوضحت أن من مؤديات نص الفقرة الثانية المنوه بها وما تضمنته في عجزها من حظر التفــــــويض في ذلك الاختصـــــاص الموسد للوزير المختص أو من يتولى اختصاصاته بالنســــــبة للأشـــــخاص الاعتبارية العامة، شمول هذا الحظر لأية مــــوافقة على الالتجاء إلى التحكيم – أيا كانت طبيعتها- بحسبانها تجسد تعبيرًا عن الإرادة في هذا الشأن، بما تستوي معه في ذلك الموافقة من حيث المبدأ أو الموافقة على اتفاق – مشارطة – التحكيم الممثل عقدا ينحسر بمـــــــوجبه اختصاص القضــــــاء.
كما ينحسر أي اختصاص لهيئة التحكيم بالفصل في غير ما خولها الاتفــــــاق الفصل فيه، لا سيما وأن القول بعـــــدم امتـــــداد ذلك الحظر إلي الموافقة علي الاتفاق بالتوقيع عليه اكتفاء بموافقة مبدئية من الوزير المختص أو من يتولي اختصاصاته بالنسبة للأشخاص الأعتبارية العامة علي الالتجــــاء إلي التحكيم، يفرغ الحظر من مضمونه الحقيقي ويحيل مقصود المشرع منه هباء، ذلك أن مما يجافى المنطق القانونى اختزال ما قننه المشرع بمـــــوجب الفقرة الثــــــانية المشـــــــار إليها من حظر التفــــــويض في ذلك الاختصاص في الموافقة من حيث المبدأ دون الموافقة على الاتفاق ذاته والذي يتحدد علي أساس ما يتضمنه اختصــــاص هيئة التحكيم ونطــــاق ما تختص بالفصل فيه.
خاصة وأن مصطلح "اتفاق التحكيم " بمقصوده المحدد من المشرع ". اتفاق الطرفين علي الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنـــــازعات "وما تطلبه لانعقاده وفقا للمـــــادة "12 " السالفة الذكر بأن يكون مكتوبا يتضمنه محرر موقع من طرفيه أو تتضمنه وسائل الاتصال المكتوبة المتبادلة فيما بينهما- ولا ريب المـــوقعة من كل منهما –يستحيل قصره –أي قصر هذا المصطلح –علي الموافقة المبدئية علي ولوج طـــريق التحكيم لفض ما نشأ فعلا من نزاع إذ لا يكون حالتئذ ثمة اتفاق تحكيم مستوفيًا أركانه وشروطه.
وحيث إن القاعدة المستقرة قانونًا أنه إذا انعـــــدم ركن من أركان العقد كان باطـــلا، وأن مثل انعدام الركن في ذلك اختلال شرطه، فإنه ترتيبًا علي ذلك وعلي سائر ما سلف ذكره من أحكام، يكون اتفاق – مشـــــارطة – التحكيم باطــــلا إذا تم التوقيع عليه "المــــوافقة " ممن لا أهليه قانونية له للقيام بذلك، بحسبان أن الأهلية القانونية في شأن إمضاء اتفاق التحكيم غير ثابتة إلا للوزير المختص أو من يتولي اختصاصاته بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ويندرج تحت هذه الحالة من حالات البطـــــلان توقيع الاتفـــــــاق من غير من ذكروا بناء علي تفـــــويض من أي منهم في ذلك الاختصاص المقصور عليهم قــــانونًا، وكذلك في حالة ما إذا جاء الاتفاق غير مستوف ركن المحل المتمثل في المسائل التي سيتم حسم الخلاف بشأنها بطريق التحكيم.
وإذا ما جاء توقيع الوزير أو غيره ممن ذكروا آنفًا علي محرر لا يمكن تكييفه حقيقة بأنه اتفاق – مشارطة - تحكيم لفقدانه قوام مثل هذا الاتفاق أركانًا أو شـــروطًا، وأيضًا إذا كان التوقيع ممثلا موافقة مبدئية علي ولوج طريق التحكيم لحسم النزاع دون التوقيع علي اتفاق التحكيم ذاته ممن خولهم المشرع ذلك سواء أفرغ الاتفــاق فى محرر تضمن مســـــائل التحكيم أو تضمن ذلك الاتفــاق ما تم تبـــــادله بين جهة الإدارة والطـــــرف الأخر – طرف العلاقة القانونية الأصيلة - من وسائل الاتصال المكتوبة.
وأشارت المحكمة إلى أنه ترتيبًا على ما تقدم جمعه فإنه يجب موافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصاته بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة على اتفاق التحكيم، بما مـــؤداه أنه يلزم لقيام وصحة هذا الاتفاق ـ مشارطة التحكيم ـ أن يكون موقعًا من أى ممن ذكروا وفق حكم القانون، دون أن تغنى عن ذلك المــــوافقة المبدئية على الالتجاء إلى التحكيم لفض النزاع المثـــــار، وكذا دون جواز التفويض فى التوقيع على الاتفاق، وإنه يترتب على مخـــــالفة ذلك بطلان اتفاق التحكيم بطلانًا مطلقًا لمخالفة قاعدة من النظام العام.