ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، اليوم الأربعاء أن عملية الجيش العراقي، لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل الشمالية بعد ما يزيد على عامين من استيلاء تنظيم داعش الإرهابي عليها، قد يستغرق شهورا حتى مع المساعدة الأمريكية؛ لكن استعادة السيطرة على المدينة ربما يتضح فيما بعد إنه جزء سهل من مهمة أكبر.
وقالت الصحيفة، في تعليق نشرته على صفحتها الالكترونية، إننا إذا عدنا إلى التاريخ، نجد أن أجزاء كبيرة من الموصل، التي كانت يوما ما ثاني أكبر مدن العراق وكان يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة، قد تُترك حطاما متفحما مع الانسحاب وقد يستخدم مقاتلو داعش ما تبقى فيها من مدنيين كدروع بشرية وقد يفخخون أحياء كاملة بالعبوات الناسفة بدائية الصنع وقد يستغرق تطهير هذه المناطق من الألغام شهورا إن لم تكن سنوات.
وأردفت الصحيفة، إن ثلاث مدن عراقية أخرى مهمة تمت استعادة السيطرة عليها من تنظيم داعش الإرهابي وهي الرمادي وتكريت والفلوجة وقد تُركت هذه المدن في حالات متفاوتة من الدمار.
وقالت الصحيفة، إن الرمادي سقطت في قبضة داعش في مايو 2015، وحررها الجيش العراقي في ديسمبر من نفس العام.. موضحة أن الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار العراقية ذات الغالبية السنية والواقعة على مسافة 108 كيلومترات من بغداد والتي كان يسكنها يوما نصف مليون شخص، طُمست أجزاء كبيرة منها في حملة الجيش العراقي التي استغرقت وقتا طويلا لاستعادة السيطرة عليها والتي تضمنت المئات من طلعات القصف التي نفذتها الطائرات الحربية الأمريكية والعمليات القتالية في الوقت الذي حفر فيه مقاتلو داعش شبكة من الانفاق والمخابئ السرية. وهرب كثير من ساكنيها وعاشوا في مخيمات للنازحين داخليا تديرها الأمم المتحدة والجماعات الأخرى العاملة في مجال المساعدات.
واليوم، وبعد عشرة أشهر من تحرير الحكومة التي يقودها الشيعة للرمادي، مازالت أنحاء من المدينة لا يُعاش فيها بسبب القنابل وبعض البقايا الخطيرة الأخرى للحرب مطمورة وسط الحطام أو المزروعة عمدا في المدارس والمنازل والمستشفيات المهجورة.
وقدر مكتب رئيس الوزراء العراقي، بعد هزيمة داعش، أن 90% من الرمادي باتت ملوثة بالمواد المتفجرة، وقدر مكتب الأمم المتحدة تكلفة التطهير بنحو 200 مليون دولار لكن البعض يرى أن هذه التكلفة منخفضة بشكل غير واقعي، وقد تصل تكاليف إعادة الإعمار مليارات الدولارات.
وقالت ليز جراندي، كبيرة منسقي المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة، إن 300 ألف شخص عادوا إلى الرمادي لكن الخدمات الأساسية لم يتم استعادتها بالكامل، وما زالت المشاحنات بين الفصائل السنية قائمة في المدينة وأدى بطء الجهود في عملية إعادة الاعمار للاطاحة بالحاكم الاقليمي من منصبه.
وقال مسؤولون في مكتب إزالة الأسلحة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، الذي يشرف على الجهود الأمريكية للمساعدة على تخليص العراق من المواد المتفجرة، إن الأولوية في الرمادي الآن هي تطهيرها من البقايا القابلة للانفجار في المدارس والمستشفيات والمنشآت الحيوية الأخرى مثل محطات معالجة المياه.
وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم يقول مسؤولون في وزارة الخارجية الامريكية أنه ما زال من السابق لأوانه القول إن الرمادي عادت إلى طبيعتها.
وقال جيري جيلبيرت نائب مدير المكتب للبرامج " لتطهير الرمادي من كل المواد القابلة للانفجار، الأمر يتطلب جهدا قد يستغرق عاما ويتكلف مئات الملايين من الدولارات وهو ما يتجاوز ما نملكه".
وفي تكريت، مسقط رأس صدام حسين التي سقطت في قبضة داعش في يونيو 2014 قبل أن يحررها الجيش العراقي في أبريل 2015، كان هناك الاختبار الأول لقدرة الحكومة الشيعية على إعادة توطين المناطق السنية التي تمت استعادة السيطرة عليها من داعش وقد مضت الأمور بشكل جيد نسبيا وعاد تقريبا غالبية المئة وخمسين الف مواطن الذين هربوا منها في غضون شهور قليلة.
ووجد العائدون الأُوَل المدينة بدون خدمات أساسية وأن المليشيات الشيعية نهبت أنحاء من تكريت وأن المستشفى الرئيسي دُمِر كما وجدوا عتادا حربيا غير منفجر في مناطق دُمرت جراء المعارك.
وأسست الحكومة هناك مخابز ووفرت الأرز وزيت الطهي ورافقت المليشيات الشيعية الأسر السنية النازحة إلى أن أعادتها إلى منازلها وسلمت المسؤولية عن الأمن في المدينة بشكل سريع إلى رجال السنة المحليين، وشاركت الحكومة في جهود المصالحة بين القبائل ودفعت أموال الفدية لتسوية النزاعات والخلافات التي نشبت بعد سيطرة داعش على المدينة.
وقالت جراندي إن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أمر بجهود إعادة إعمار منظمة جيدا في تكريت قادتها الحكومة المركزية وهو أمر لم يتكرر في أي مكان آخر.
وأضافت الصحيفة إن الفلوجة، الواقعة على مسافة 60 كيلو مترًا من بغداد، كانت أول مدينة عراقية تسقط في قبضة تنظيم داعش الارهابي في يناير 2014 وأعطت التنظيم قوة كبيرة قبل أن يعاد تحريرها في يونيو الماضي.
وأشارت الصحيفة إلى أن الجهود العراقية لاستعادة السيطرة على الفلوجة تركتها أقل دمارا من الرمادي؛ وعلى الرغم من هذا أسفرت أسابيع من القصف العشوائي من قبل المليشيات الشيعية والقتال المحتدم في الاسابيع الاخيرة من الهجوم عن تحول أجزاء من المدينة إلى أطلال.
وقبل إعلان القوات العراقية انتصارها في يونيو، قدر مسؤولون أن هناك 90 ألف مدني في الفلوجة التي كان يسكنها يوما 300 ألف مواطن، وقالت جراندي إن ما يزيد على 70 ألف مواطن عادوا منذ ذلك الحين.
وقالت الصحيفة إن الموصل بعد إعادة تحريرها ستشكل تحديا أكثر تعقيدا لجهود إعادة البناء..نظرا لمساحتها الأكبر من أي مدينة اخرى خضعت لسيطرة داعش ولتركيبتها السكانية المتنوعة المكونة من أقليات مسيحية وكردية وشيعية.
وقالت جراندي " الاختلاف الكبير بين الموصل ومدينتي الرمادي والفلوجة هو مساحة المدينة ".
وفي واشنطن، قال المسؤولون أمس الثلاثاء إنه من الصعوبة بمكان أن نخرج باستنتاجات محددة بعد أول 48 ساعة من القتال؛ لكن المحللين يشيرون بالفعل إلى احتمالات ممكنة.
وقالت الصحيفة إن المقاومة المبدئية لمقاتلي داعش أقل مما كان متوقعا رغم القتال الكثيف في المناطق الجنوبية والشرقية للمدينة ورغم حوالي اثني عشر تفجيرا انتحاريا بالسيارات وجهت ضد القوات المتقدمة.