في صدى ليلة تم احتلال الموصل وفي ليلة أخرى تم تحريرها، عملية أشبه بانها لعبة "مراجيح" تدفعها رياح "أمريكا" باتجاه ما تراه، لا يأخذ تنفيذها سوى وقت وصول الرسالة أو "الأمر" فاليوم نهجم والآن ننسحب ويبقى على تلك العناصر المسلحة باسم "التنظيم" مجرد تنفيذ الأوامر، وهذا هو حال "موصل العراق".
بثيابهم المعروفة وقبل عامين دخل عشرات المقاتلين من تنظيم «داعش» إلى شوارع الموصل، حتى انسحب آلاف الجنود وعناصر الشرطة مُخْلِين المدينة كلها من دون مقاومة، ومخلِّفين وراءهم أسلحتهم ومعداتهم ومركباتهم، فيما بدأ النازحون يطرقون الأبواب بحثاً عن مكان آمن، كما سيطر التنظيم على محافظة نينوي كلها وأزال الحدود بين العراق وسورية في معبر اليعربية."داعش لا يصمد في الموصل"
قدرة التنظيم على الاحتفاظ بالمدينة لفترات طويلة بدت صعبة منذ إعلان احتلالها، فالموصل بعمقها المعنوي والسكاني (ثاني أكبر مدينة عراقية بعد بغداد) ليست إدارتها لفترات طويلة بالأمر السهل، ما دفع «داعش» إلى محاولة تطمين السكان وإعلان رغبته في فتح حوارات مع الوجهاء وشيوخ العشائر ورجال الدين.أهالي الموصل الذين فروا منذ أن دخلت أولى أرتال «داعش» المسلحة أحياء 7، والنجار والمشرفية واليرموك وتل الرمان، كانوا شهودًا على مغادرة الجيش تلك الأحياء، تمهيدًا للانسحاب الكامل من المدينة، ويتحدث الجنود الفارون بدورهم عن صدور أوامر انسحاب غامضة من القيادة وعن اختفاء آمري الوحدات العسكرية بشكل مفاجئ.وخلال ساعات، تمكن مقاتلو «داعش»، الذين يؤكد السكان أنهم خليط من جنسيات عراقية وأجنبية، من السيطرة بالفعل على مقرات الحكومة المحلية ومطار الموصل والمصارف والمؤسسات الرسمية والسجون، التي أطلقوا منها قرابة 1300 معتقل.المالكي، الذي طالب أمس البرلمان بإعلان الطوارئ ودعا المنظمات الإقليمية والدولية إلى دعم العراق، علَّق بدوره عبر الناطق باسمه علي الموسوي في بيان على انهيار الجيش بالقول إن «القيادة العامة للقوات المسلحة أصدرت تعليمات لمحاسبة من يثبت تخاذلهم وفقاً لقانون العقوبات العسكري».السيناريو الأكثر ترجيحا لدى القادة الأمنيين في بغداد أن «داعش» سيحاول استثمار انهيار القوات لإكمال قبضته على الحدود العراقية- السورية غرباً ثم التقدم باتجاه محافظة صلاح الدين ليغدو على مشارف بغداد، مستعيناً بخلاياه الناشطة في محيط العاصمة، وهي تمتلك خطوط الاتصال والدعم اللوجستي مع الأنبار شرقاً، ومحافظتي ديالى وكركوك غرباً.
قالت الناطقة باسم الخارجية الأميركية جنيفر بساكي، إن الولايات المتحدة تعتبر مقاتلي «الدولة الإسلامية في العراق والشام» يهددون كل منطقة الشرق الأوسط، وإن واشنطن تدعم «رداً قوياً ومنسقاً» على هجوم الموصل ومستعدة لتقديم «كل المساعدة للعراق».وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، عن قلقه «البالغ»، ودعا الناطق باسمه ستيفان دوجاريك العراقيين إلى التوحد لمواجهة هذا الخطر.
تسلسل الأحداثوفقًا لتقرير نشرته "الجزيرة" جاء تسلسل الاحداث لعملية احتلال الموصل كالآتي: 5 يونيو 2014: محافظ نينوى آنذاك أثيل النجيفي يقول إنه "لا يوجد مسلحون لا في الموصل ولا على أطرافها"، ويؤكد أن السلطات الأمنية (قيادة العمليات الثلاثية) فرضت حظر التجوال فيها كـ"فعل احترازي" في هذه المدينة التي تشكل عاصمة المحافظة وتقع على بعد 400 كلم شمال بغداد وتعتبر ثانية كبريات المدن العراقية. 6 يونيو: قوات محدودة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية تدخل مدينة الموصل وخاصة أطرافها في مناطق مشيرفة و17 تموز والهرمات وحي التنك وحي العريبي وحي الزهراء وحي التحرير. وقد قتل 12 شخصا وأصيب العشرات بجروح في هجمات بسيارات مفخخة واشتباكات مسلحة داخل وحول المدينة.واشتبكت قوات التنظيم مع من لم يهرب من عناصر الفوج السابع من الشرطة المحلية (بقي منهم 40-50 مقاتلا) مدة ثلاثة أيام دون أن تتلقى هذه العناصر أي مساعدة من "قيادة العمليات"، مما أدى إلى انهيارها في النهاية مما فتح الباب أمام انهيارات أمنية متلاحقة.
7 يونيو: نزوح جماعي من عدة أحياء في مدينة الموصل خشية التعرض للقصف بعد اندلاع اشتباكات بين الجيش العراقي ومسلحي التنظيم، والقوات الحكومية تؤكد استعادتها "السيطرة على 90%" من مدينة الموصل إثر قصف الجيش للمناطق التي سيطر عليها المسلحون، مما أدى إلى "قتل 105 من المسلحين وتدمير عشرين من سياراتهم المزودة بأسلحة آلية مما منعهم من السيطرة على الأرض". 8 يونيو: استمرار الاشتباكات في الموصل بين عناصر التنظيم والجيش الرسمي الذي نفذ قصفا عشوائيا على المناطق التي يسيطر عليها المسلحون ويسيّرون فيها دوريات، معلنا أن عملياته العسكرية في المدينة تأتي ضمن حملة لـ"تطهيرها من المجاميع الإرهابية".
9 يونيو: الشرطة الاتحادية تنسحب -دون أي قتال- من مقراتها في منطقة الموصل الجديدة وحي الرسالة وتحرق تلك المقرات.
ومن جهة أخرى -وفي نفس اليوم، هاجم 13 مقاتلا من تنظيم الدولة وحدة من الشرطة الاتحادية كانت تشكل خط صد عن المدينة لكن أفراد الوحدة فروا، ثم حدث انهيار كبير -خلال ثلاث ساعات- في قوات "الفرقة الثانية" من الجيش العراقي بعد أن شاع بين الجنود أن القادة الكبار في "قيادة العمليات" قد هربوا وقطعوا الجسور خلفهم على الساحل الأيمن من المدينة. 10 يونيو: مئات من مسلحي تنظيم الدولة يسيطرون بالكامل على مدينة الموصل، طاردين القيادات السياسية والأمنية والقوات الرسمية التي تقدر بثلاث فرق من الجيش والشرطة (ما بين 40-50 ألف مقاتل) مجهزة بأحدث ما أنتجته مصانع السلاح الأميركي، والتي أصيبت بـ"انهيار أمني كامل" حسب تعبير وزارة الخارجية الأميركية.وفي أول إجراء اتخذوه، فتح مسلحو التنظيم سجن بادوش الخاص بجرائم الإرهاب والجرائم الكبرى وسجون مراكز الشرطة في المدينة، وأطلقوا سراح مئات المعتقلين المحكومين فيها على ذمة قضايا أمنية.وفي بغداد عقد رئيس مجلس النواب العراقي حينها أسامة النجيفي مؤتمرا صحفيا في نفس اليوم، أكد فيه "سقوط محافظة نينوى بشكل كامل بأيدي مسلحين"، بسبب "هروب مفاجئ" للقوات الأمنية أدى إلى سقوط كل مواقع القيادة ومخازن الأسلحة وكذلك مطار الموصل والسجون.وأضاف أن ما حدث في نينوى "أمر كارثي لا بد من التحقيق فيه، لأنه نتج عن إهمال القوات الأمنية رغم علمها المسبق بوجود من سماهم الإرهابيين في المحافظة"، مشيرا إلى أنه بعد احتدام المعارك داخل الموصل تخلت كل القوات العسكرية عن أسلحتها ومدرعاتها، وفرّت هاربة منها لتسقط المدينة "لقمة سائغة" في أيدي المسلحين.وأوضح النجيفي أن "أفراد الجيش والشرطة نزعوا ملابسهم العسكرية والأمنية وأصبحت مراكز الجيش والشرطة في المدينة فارغة، في حين قام المسلحون بإطلاق سراح سجناء" من سجون المدينة التي وصفها بأنها أصبحت "خارج سيطرة الدولة وتحت رحمة المسلحين".
ومن جهته؛ أعلن رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي حالة تأهب قصوى في البلاد وطالب بالتعبئة الشاملة لدحر من وصفهم بالإرهابيين في كل المناطق التي استولوْا عليها، داعيا مجلس النواب إلى إعلان حالة الطوارئ.مسؤولية السقوطإثر سقوط الموصل سارعت الحكومة المركزية في بغداد إلى اتهام السلطات الإدارية المحلية -بقيادة المحافظ أثيل النجيفي- بتسهيل دخول المسلحين، و"خيانة" مسؤوليتهم بالتخلي عن حماية المدينة التي يقطنها مليونا نسمة.أما المحافظ النجيفي فقد قال -في تصريحات للجزيرة أدلى بها في نفس اليوم- إن "انهيار" قوات الأمن والجيش "الكبير والسريع في مدينة الموصل يوحي بتقصير مقصود وليس عفويا"، معتبرًا أن المدينة "توشك على الضياع بين انسحاب أهلها وتحكم الغرباء في أحوالها"."النجيفي" اكد في حوار له مع الجزيرة في 2014، أن سلطاته لم تسلم الموصل للمسلحين "وإنما الذي سلمها الجيش التابع لرئيس الوزراء المالكي الذي سحب كل الصلاحيات الأمنية والعسكرية من كل المحافظين، وأعطاها فقط للقوات العسكرية الموجودة من خلال قيادة عمليات نينوى".في 16 أغسطس 2015- حملت رئيس الوزراء المالكي و35 مسؤولا مسؤولية سقوط المدينة في يد تنظيم الدولة، ليعلن بها زعيمه أبو بكر البغدادي قيام "الخلافة الإسلامية" من على منبر "جامع النوري" يوم 4 يوليو 2014.وبعد مرور عامين على احتلال المدينة، أعلنت القوات العراقية عملية تحرير الموصل من قبضة التنظيم، والتي أفادت تقارير صحفية وإعلامية نجاحها منذ اللحظات الأولى لبداية العملية.
وتطرقت صحيفة "إيزفيستيا" إلى عملية تحرير الموصل؛ مشيرة إلى أن العراقيين يعلنون أن التحالف الأمريكي يفسح المجال للإرهابيين لمغادرة المدينة إلى سوريا.
وقال مقال نشرته الصحيفة، في 2016، بدأت في العراق عملية تحرير الموصل من "داعش"، وقد أعلن المتحدث باسم "الحشد الشعبي" كريم النوري أن مسلحي التنظيم يفرون من المدينة ويتوجهون إلى سوريا، من دون أن يوجه التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة أي ضربات جوية إليهم.
وأضاف النوري أن "التحالف الأمريكي لا يهاجم مسلحي "داعش" الفارين من الموصل، وقد فتح لهم ممرًا يتجهون عبره إلى مدينة الرقة السورية. وكل هذا يشير إلى وجود اتفاقٍ ما يُسمح بموجبه للمتطرفين بمغادرة العراق من دون عوائق".وبحسب قوله، فإن عملية تحرير المدينة قد تستغرق "أسبوعين أو أقل".
وفي حديث لـ "إيزفيستيا" نقلته "روسيا اليوم" قالت عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان العراقي إقبال الماذي إن التحالف الأمريكي لا يبذل جهودا كافية في مكافحة "داعش"، وإضافة إلى ذلك، أكدت بصورة غير مباشرة أن المسلحين الفارين من الموصل إلى سوريا لا يتعرضون لأي ضربات.وأضافت أن :"بغداد وقعت مع واشنطن اتفاقية تتضمن تقديم الجانب الأمريكي المساعدة اللازمة في حال تعرض العراق لغزو أو لأي تهديد.. وطبعا، لا نستطيع إنكار قيام الولايات المتحدة بتشكيل التحالف الدولي لمكافحة "داعش"، ولكننا كنا نتمنى أن يظهروا حماسة أكثر، حيث لا تزال مناطق عديدة تحت سيطرة الارهابيين. أما بالنسبة إلى الذين يفرون من الموصل، فأعتقد أن للأمريكيين أهدافا أكثر أهمية من القضاء عليهم"."هل يتم تحرير الموصل"قالت إقبال الماذي عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان العراقي، عن المدة اللازمة لتحرير المدينة، إن هناك تقييمات مختلفة حول هذا الموضوع، حيث يتوقع بعضٌ أن تستغرق العملية 30 – 40 يوما، وهذا الاعتقاد مبني على أن القوات العراقية تمكنت من قطع الإمدادات عن المسلحين المحاصرين في المدينة. وأضافت "المازي" أنه يوجد داخل المدينة ممثلون عن الأجهزة الخاصة، والذين تكمن مهمتهم في تزويد القوات العراقية بالمعلومات الاستطلاعية اللازمة. كما تتلقى قيادة القوات معلومات مهمة من سكان المدينة. وطبعا "فر مسلحون كثر من المدينة متوجهين إلى سوريا. وهناك رأي متشائم يفيد بأن عملية تحرير المدينة قد تستمر حتى نهاية ديسمبر الأول المقبل.
ويذكر أن التحضير لتحرير الموصل، التي يسيطر عليها "داعش" منذ يونيو 2014، بدأت بعد أن تمكنت القوات العراقية من تحرير مدينة الفلوجة في يونيو الماضي، وبعد تمكنها في أغسطس الماضي من تحرير القيارة جنوب الموصل والمطار العسكري القريب منها.
"ماذا بعد تحرير الموصل"أكد مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية والأمنية معتز محيي عبد الحميد، أنباء عديدة انتشرت قبل انطلاق عملية تحرير الموصل بأيام عن مغادرة المسلحين وقادتهم المدينة بموجب اتفاق امريكي– سعودي معهم، وتوجههم إلى سوريا للقيام بهجوم على مدينتي دير الزور وتدمر.ويعتقد معتز محيي عبد الحميد بصحة أنباء مغادرة المسلحين مدينة الموصل وتوجههم نحو مدينة البو كمال السورية الواقعة بالقرب من الحدود العراقية، ومنها إلى الرقة ودير الزور وتدمر، كما تجدر الإشارة إلى اللعبة المزدوجة التي تمارسها الولايات المتحدة في هذه الحالة فهي من جانب تدعم القوات العراقية في عملية تحرير الموصل، ومن جانب آخر لا تظهر أي حماس يذكر في حلب وبغض النظر عن عدد من الدوافع السياسية وسلوك واشنطن، يمكن تفسير هذا بوجود اتفاق تعاون عسكري بين واشنطن وبغداد، تسمح لها بتوجيه ضربات إلى الإرهابيين، في حين أنه ليس بينها وبين دمشق اتفاقية مماثلة.الخبير السياسي طارق فهمي، قال إن عملية تحرير الموصل لن تتم بشكل كامل خلال الوقت الحالي، لأن عناصر التنظيم ينتقلون إلى الرقة، وذلك بعد خروجهم من الموصل، فهم لا يستعون دخول الأراضي الأردنية، فهم يتوزعون عل الدول التي يسيطر عليها التنظيم وهي إما سوريا أو مدينة سرت الليبية، مضيفًا أن القيادات الكبرى في التنظيم هربت في ليبيا والنيجر وتشاد.وأضاف "فهمي" في تصريح خاص لـ"أهل مصر" أن هناك كتابات أمريكية إن التنظيم صناعته يمعرفة المخابرات الأمريكية، في 2002 و2003، وأن العلاقة بين التنظيم وواشنطن لا تسمح بإنهاء التنظيم في العراق بشكل كامل، مضيفًا أن أوباما والإدارة الأمريكية تريد ان تثبت للمجتمع الأمريكي أن أمريكا قادرة وجديرة لمحاربة داعش، وذلك لتحقيق فوز هيلري كلينتون.وأكد "فهمي" أنه من المبكر أن نقول بأن التنظيم اختفى، فـ"داعش" موجود في 64 دولة وممتد في العراق وسوريا لكنه يعود لمناطق نفوذه، وأنه مازال أمام التنظيم ما يقرب من 15 عامًا حتى يتم القضاء عليه، وأنه في حال انتهاء التنظيم فإن أمريكا تلعب على إنشاء تنظيم جديد على لأرض وبالفعل يتم تجهيزه الآن وهو "خراسان" في سوريا متوقعين ان يكون بديلًا لداعش.وأشار مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية والأمنية إلى أن العراق سيواجه مشكلات أخرى بعد تحرير الموصل من مسلحي "داعش". ومن بين هذه المشكلات، تصاعد التوتر بين الحكومة المركزية وقيادة إقليم كردستان حول كركوك المتنازع عليها، بعد القضاء على العدو المشترك، حيث فرضت قوات "البيشمركة" سيطرتها على هذه المدينة عقب ظهور "داعش". أي أن مشكلة تبعية كركوك ستطرح من جديد على بساط البحث.يذكر أنه تتواصل معركة استعادة الموصل من تنظيم "داعش" لليوم الرابع على التوالي، وقال قائد القوات البرية الأمريكية في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، إن بلاده لا تدعم قوات الحشد الشعبي وإنه لا وجود لهذه القوات ضمن التشكيلات التي تشن هجمات لاستعادة الموصل.