أطفال لا يتجاوز أعمارهم أربعة عشر عامًا، اضطرتهم قسوة الحياة إلى النزول مبكرًا لسوق للعمل بمصانع الطوب بمنطقتى الصف وأطفيح بحلوان حيث يوجد أكثر من 500 مصنع للطوب الطفلى، يتوافد إليها المئات منهم من مختلف المحافظات للبحث عن لقمة العيش وسط أجواء عمل شاقة وخطيرة، وساعات عمل قد تمتد إلى أكثر من 13 ساعة يوميًا بأجور متدنية، وبدون تأمينات، ليحصلوا على 40 جنيهًا يوميًا لمساندة أسرهم على مواجهة أعباء المعيشة.
فمع لهيب النيران التى تتجاوز درجه حرارتها الالاف الدرجات المئوية داخل أفران الطوب ورطوبة الطين المستخدم فى الصناعة يعمل هؤلاء الأطفال بأجسأدهم النحيلة وأيديهم الناعمة وملامحهم التى لا تخلو من براءة دون مراقبة ومحاسبة لأصحاب هذه المصانع مايعد أوضح دليل على أن المجتمع لايرحم والقانون لايطبق.
فعلى الرغم وجود ضوابط قانونية تنظم عمل الأطفال لمنع استغلالهم إلا أن هذه المصانع تقوم بمخالفاتها واستخدام الأطفال فى أعمال غير مؤهلين لها جسديًا أو نفسيًا، ما يعرضهم لأخطار كبيرة منها الضغوط النفسية الرهيبة والعنف بكل أشكاله بما فيه الجسدى والجنسى.
حيث تنص المادة رقم 101 من قانون العمل المصرى على “لا يجوز تشغيل الطفل أكثر من 6 ساعات فى اليوم، ويجب أن تتخلل ساعات العمل فترة راحة أو أكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل فى مجموعها عن ساعة واحدة بحيث لا يشتغل الطفل أكثر من 4 ساعات متصلة”.
كما تنص المادة الاولى من القرار 118 لسنة 2003 “لا يجوز تشغيل الاطفال الذين يقل سنهم عن 18 سنة فى أى نوع من انواع العمل التى يحتمل أن يعرض للخطر صحة أو سلامة أو اخلاق الاطفال بسبب طبيعة العمل أو الظروف التى تؤدى فيها، ومنها 44 حرفة لا يجوز لمن هم دون هذه السن أن يستخدموا فيها”.
حبر على ورق
وبسؤال رضا سلام نقيب عمال مصانع الطوب، عن القطاعات التى يعمل بها الأطفال داخل المصانع، قال “هناك ثلاث قطاعات بالمصانع يعمل فيها الأطفال، فهم يعملون مع مقاول خط الإنتاج، ومقاول الطوب المجفف، (وهى مرحلة دخول الطوب إلى الفرن) أو “الخضراء” وأخيرا مقاول تحميل الطوب من الفرن على عربات”.
ولفت إلى أن المجلس القومى للطفولة مجرد “حبر على ورق”، لأنه لا يؤدى واجبه، وكأنه لا يرى هذا العدد الهائل من الأطفال الذين يعملون بهذه المصانع ويتعرضون للخطر بصورة دائمة.
وفيما يخص الأمراض التى يمكن أن تصيب العاملين هناك قال سلام “من واقع عملى فى مصانع الطوب إن نسب الإصابة بالأمراض فى مصانع الطوب تبدأ من نوبات من السعال، بفعل مئات المداخن المصانع التى تحيط بالمنطقة وتصل إلى الفشل الكلوى والصدر “الربو والحساسية” وهى الأمراض التى يعد مصدرها مياه الشرب الملوثة وتلال القمامة وفضلات الماشية ومياه الصرف الصحى”.
واقع مرير
ويروى لنا “حسن” أحد العاملين بهذه المهنة الطوب واقع الأطفال المرير داخل المصانع حيث قال “هناك أطفال يتراوح أعمارهم مابين 12 إلى 18 عام لاتزيد أجورهم عن 30 جنيهًا، وتنقسم ساعات العمل إلى فترة صباحية ومسائية، وهناك أطفال تظل داخل المصانع طيلة الأسبوع داخل غرف صغيرة من الحجارة مجاورة للحمامات، يغطى أرضيتها رمال وطوب مرصوص يستخدم كالسرير وأغطية ممزقة، ويبلغ عدد الأفراد داخل الغرفة الواحدة مابين (15 -20) فرد فى مساحة لا تتجاوز 3 أمتار.
وأضاف “أصحاب المصانع يهتموا فقط بالإنتاج وبصحة الحيوانات المستخدمة بداخل المصنع دون النظر للعاملين، وقد وقع العديد من حالات الإصابة بين العمال منهم “طفل” يبلغ عمرة 12 عام، كان يعمل على تنظيف سير الطوب وتم سحبة تحت السير فأدى إلى أصابتة بجروح فى الظهر”.
وتابع “وأن سلم العامل من مخاطر الصناعة لم يسلم من بطش العرب المتواجدون بهذه المنطقة حيث يقومون بعمليات “تثبيت” للعاملين فى هذه المصانع بدافع السرقة مايعرض حياة الكثيرين للخطر”.
خطف واغتصاب
علمنا من “وليد” وهو أحد العاملين بالمنطقة أن هناك اعتداءات جنسية تحدث للأطفال سواء بالتحرش داخل غرف المبيت أو الخطف والاغتصاب فى مكان أخر، وأن أشتكى أحد الأطفال من هذا يتم تسريحه من العمل.
وروى لنا قصة أحد الأطفال الذين تعرضوا لحادث اغتصاب، حيث قال “وجدت فى أحد الأيام في أثناء عودتى من العمل طفلاً ملقى على الطريق ينزف دمًا، قد تعرض لحادث اغتصاب، قمت بنقله إلى مستشفى المستعصية بحلوان، لم يتركنى العاملين فى المستشفى إلا بعدما حضر رجال الشرطة وسألوا الطفل عن المعتدى، وتأكدوا من عدم تورطى فى هذا الحادث، فرحلت ولم أسمع أخبار عن هذا الطفل مرة أخرى”.
ولفت إلى أن بعض العاملين فى المصانع أو العرب خارجها، من كبار السن، يقوموا باستدراج الأطفال بسيجارة “حشيش” ثم يختطفوه إلى منطقة تسمى “القاعدة الصاروخية”، وهى أحد المواقع التابعة لجهة سيادية ترك منذ فترة طويلة، ويعتدوا عليه هناك، وقد يتركه بعد ذلك أو يطلبون من أهلة فدية. براد الشاى المخدر
وأشار “وليد” إلى نوع أخر من الانتهاكات التى يتعرض لها الأطفال، وهو قيام “الموضب” رئيس العمال، فى بعض الأحيان بوضع الترامادول فى الشاى للأطفال ليعملوا عدد ساعات أطول دون الشعور بالتعب، مما جعلهم يتعودون على هذ العقار، وأصبح كوب الشاى الممزوج بالمخدر هو بمثابة مشروب الطاقة الذى بدونه قد تتوقف الحياة، منوهًا إلى وجود عدد كبير من حالات الأدمان بين الأطفال.
وروى لنا “محمد” رحلته مع الإدمان التى بدأت ببراد الشاى الملىء بالترامادول، حيث قال “أدمنت الترامادول عندما كان رئيس العمال يضعه فى براد الشاى الذى دمر حياتى وحولنى لعبد للمخدرات، فكنت أشرب الشاى وأشعر بأن هناك طاقة تسرى فى عروقى فأعمال ساعات أكثر، تعودت يوميًا على شرب الشاى، وعلمت بعد ذلك بوجود الترامادول، فأصبحت أشتريه حتى أدمنته، ومن هنا تحولت حياتى إلى جحيم”.
صعوبة تطبيق القانون
قالت أمل جودة عضو إتلاف حقوق الطفل “إن المصانع التى تقوم بتشغيل أطفال أقل من 18 عام يتم تغريم أصحابها مبلغ مقدرة 250 ألف جنية عن كل طفل، وفى حالة دفع الغرامة واستمرار الطفل فى العمل يغلق المصنع ويحول أصحابه للتحقيق، مشيرة إلى أن هذا القانون وجدت الأجهزة الحكومية صعوبة فى تطبيقه منذ عام 2011”.