كخصلات شعر محبوبته، ألوان بنية يتخللها الضوء فتشرق كشعاع أمل خرج من تحت ركام منزل تهدّم في القدس، كصغيرة حملها على كفيه وأراد أن يوصلها بالعمر إلى مدرسة الزيتون في الأقصى.
كتب "فؤاد حداد" في الوطنية الفلسطينية فشق بكلامه نبتٌ من الأرض غُزل لأجل "يشم الضوء"، وفي العشق مثل، بعد النهار أضاء كنور الدنيا "خلّى الدنيا تنور وتغني"، يتجول في الأرجاء يقص حكايات "كان يا ما كان".. حتى يبلغ عنه العالم حكاياه بعد وفاته ليبقى حيًا بقصائده التي سجلت واقعًا ومستقبلًا للعرب.
** "كان ياما كان.. حمار حصان.. بجوزين حوافر .. وجوز ودان.. عليه مسافر شجيع جبان.. يشب فوقه .. ويحدف بطوقه.. ويقل ذوقه .. عِيان بيان.. وحبيبته شقرا.. في ايديها زهرة.. في عينها زغرة.. ودموع كمان.. طب سيبنا من دي".
في حي الظاهر بالقاهرة، ولد فؤاد سليم حدٌاد في 28 أكتوبر عام 1928، لوالد لبناني من أصول مسيحية بروتستانتية، وأم مصرية من أصول سورية كاثوليك، تعلم في مدرسة الفرير ثم مدرسة الليسية الفرنسيتين، وكانت لديه منذ الصغر رغبة قوية للمعرفة والإطلاع على التراث الشعري الذي وجده في مكتبة والده، وكذلك على الأدب الفرنسي من أثر دراسته للغة الفرنسية.
** "الأرض بتتكلم عربى.. الأرض بتتكلم عربى بوجد وشوق.. الفرع اللى يهم لفوق.. لأجل الجذر يشم الضوء.. الأرض ..الأرض .. الأرض.. الأرض بتتكلم عربى.. الأرض بتتكلم عربى ولا ترتاح... واصل كالسيل للمجتاح.. فتحك ياعبد الفتاح... الأرض ..الأرض .. الأرض.. الأرض بتتكلم عربى"
والد "فؤاد" أصله لبناني، من بلدة 'عبية' بلبنان لأسرة مسيحية بروتستانتية، نشأ في عائلة بسيطة، قررت تكثيف جهودها من أجل تعليمه، حتى تخرج في الجامعة الأمريكية في بيروت، وتخصص في الرياضيات المالية ثم جاء إلى القاهرة، قبيل الحرب العالمية الأولى وعمل مدرسا بكلية التجارة جامعة فؤاد الأول ويحصل علي لقب البكوية وعندما تنشأ نقابة التجاريين في مصر تمنحه العضوية رقم واحد، وما زالت كتبه وجداوله تدرس باسمه حتي الآن.
والدة مصرية، من مواليد القاهرة في 19 يونيو 1907م جاء أجدادها السوريون الكاثوليكيون إلى مصر واستقروا فيها وولد أبواها في القاهرة، أبوها من عائلة أسود التي جاءت من دمشق الشام وأمها من عائلة بولاد من حلب.
اعتقل فؤاد حداد عام 1953 لأسباب سياسية، ونشر حداد ديوانه الأول "أحرار وراء القضبان" الذي كان اسمه "افرجوا عن المسجونين السياسين" بعد خروجه من المعتقل عام 1956، واعتقل مرة أخرى عام 1959 لمدة خمس سنوات، وفي المعتقل تحول "فؤاد حداد" إلى الإسلام، وخرج ليكتب في شكل جديد لم يكن موجودًا في الشعر العربي، وهو شعر العامية فكتب أشعار الرقصات مثل "الدبة" و"البغبغان" و"الثعبان" وغيرها.
**"هات كل الدنيا تنوّر.. هات كل الدنيا تغني.. أنا صاحي الفجر وخايف.. لا النسمه تكون قلقتها.. أنا باسأل عنها لقيتها.. الحلوه بتسأل عني.. أنا زي الحنه في إيدها.. هات كل الدنيا تغني.. هات كل الدنيا تنوّر.. أنا زي الحنه في إيدها.. زي الحنه في الكف.. باتشمّس تحت السقف.. أنا ليله جديده وألف.. زي الزغروطه في ريقها".
كتب "المسحراتي" لسيد مكاوي 1964 وكتب له البرنامج الإذاعي "من نور الخيال وصنع الأجيال" 30 حلقة عام 1969 والذي كانت أغنية "الأرض بتتكلم عربي" قطعة منه، أصدر 33 ديوان منها 17 ديوان أثناء حياته والباقي بعد وفاته؛ ابنه الشاعر أمين حداد، وهو يعتبر أحد الشعراء الذين خرجوا من عباءة والده مسحراتي الشعراء، وله ابنان آخران هما سليم حداد وهو الأخ الأكبر وحسن حداد وهو الأخ الأصغر.
كان ديوانه الأول "أحرار وراء القضبان" عام 1956 ثم "حنبني السد" 1956 ومن أهم دواوينه "قال التاريخ انا شعر إسوَد".. ديوان ترجم فيه الشاعر مختارات من الشعر الفييتنامي 1968، "المسحراتى" 1969.
ومن أبرز القصائد التي كتبها ضمن تلك السلسلة: سلام، وحسن أبو عليوة، الاستمارة، الكحك، النسمة هلت، والله زمان، يا هادي، بعلو حسي، افتح يا سمسم، في الغيط نقاية، عنتر، ألف باء، هلال، حرفة هواية، التبات والنبات، دواليب زمان، على باب الله، الأرض بتتكلم عربي.
كلمة مصر 1975.
من نور الخيال وصنع الاجيال في تاريخ القاهرة 1982.
استشهاد جمال عبدالناصر 1982.
الحضرة الزكية 1984.
الشاطر حسن 1985.
الحمل الفلسطيني 1985.
إلى جانب قصة الأمير الصغير لأنطوان دي سان إكزوبري التي ترجمها عن الفرنسية إلى مسرحية غنائية بالعامية المصرية.
وله أعمال أخرى منها: أدهم الشرقاوي، حسن المغنواتي، أم نبات، مرآة الصمت.
وفي مقال له بجريدة "الأهرام" قال د. وحيد عبدالمجيد عن الشاعر العامي للمبدع "فؤاد حداد": "ديوان حداد «المسحراتى» أكثر من أعماله الأخرى. ولكن ما لا يعرفه إلا القليل منهم أن هذا ديوان ثورى تحررى تنويرى، وليس تقليدياً أو «فولكلورياً». فقد حول شخصية المسحراتى الذى يوقظ الناس فى شهر رمضان للسحور إلى وسيلة للإيقاظ الوطنى الديمقراطى الاجتماعى. فليس هذا الديوان إلا جزءاً من رؤية متكاملة عبر عنها فى مجمل دواوينه، ومؤداها أن نهضة مصر مرتبطة باستيقاظ شعبها وانتزاعه حريته وحقوقه. كان الفقراء والمظلومون هم محور إبداعه. وكان إنقاذهم وإنصافهم هدفه الأول. ولذلك كان هو أول من كتب شعراً لهم وعنهم بعد سيد درويش فى ديوانه (كلمة مصر) الصادر عام 1975، الذى تضمن مجموعة رائعة تحت عنوان (بالمعايش والصنايعية). وقد لجأ حداد إلى العامية أصلاً لكى يؤكد انحيازه لهم، ولكل من يناضل من أجل العدل والحرية. ولذلك لم يكن غريباً أن يحمل ديوانه الأول, وهو مفعم بالحماس فى مستهل حياته الإبداعية، عنواناً سياسياً هو (افرجوا عن المسجونين السياسيين). وقد حافظ على التزامه بمبادئه منذ بداياته فى العصر الملكى الذى أصدر هذا الديوان فى نهايته، وحتى رحيله بعد أن انتقد «فلتان عيار» سياسة السادات مبارك الاقتصادية - الاجتماعية، ومروراً بعصر عبد الناصر الذى كان هو أبرز مبدعيه وضحاياه فى آن معًا".