خلق الله هذا الكون حتي يكون في ديمومة إلى قيام الساعة، ومن أجل ذلك خلق الكثير من المخلوقات، ومن بينها الإنسان، لعمارة هذا الكون واستمرار الحياة، ولكي تستمر الحياة وتؤتي ثمارها، بنظام كوني ممنهج وفق إرادة الله، شرع الله للإنسان الزواج ليكون طريقا صحيحا لشهوته وغريزته التي قصد بها الله عمارة الكون.
وفي جميع الأديان السماوية، أخذ الزواج شكلا واحدا ومقننا، ومراسم مشروعة تعارف عليها الناس منذ بدء الخليقة، إلا أن الأديان جاءت لتضفي القدسية على هذا الزواج وتجعله عقدا بين طرفين، بشروط وضوابط، حتى لا يكون عرضة للتلاعب حيث قال الله تعالى "وأخذن منكم ميثاقا غليظا".
وتطالعنا اليوم في عصرنا الحديث أشكال متعددة من الزواج ما أنزل الله بها من سلطان مثل زواج المسيار، والزواج العرفي، ومؤخرا زواج ملك اليمين، الذي بدأت حكايته في 2012 بين أحد الدعاة وسيدة وتم الزواج بصيغة "ملكتك نفسي بدلًا من زوجتك نفسي" وهو زواج بلا مستندات أو وثائق أو حقوق تحتفظ فيه بالعصمة، أي يمكنها تطليق نفسها عندما تريد.
واليوم ومن خلال مكاتب تسوية المنازعات وفق لما جاء بالدعاوى التى تم تدوالها أمام محاكم الأسرة، بلغت نسبته 1067 حالة زواج ملك يمين خلال العام الحالى، دارت حول طلبات الزوجات اللاتي يردن إثبات الزواج بنسبة 30%، و70% إثبات نسب، وذلك بعد لحوق الضرر بهن جراء هذا الزواج الذي ارتضته وتنازلت به عن حقوقها.
كما تضمنت النسب في هذا الزواج، من خلال دعاوى مقدمة من شباب الجامعات بنسبة 60%، و30% من الإسلاميين، و10% ممن يدعون العلمانية والتحرر بحسب ما جاء على لسان الزوجات.
وكانت محافطتي القاهرة والإسكندرية لهما النصيب الأكبر، بعكس الأقاليم، مثل الفيوم والمنوفية والمنيا التي جاءت بالمراحل الأخيرة، من خلال دفاتر محاكم الأسرة ومحاضر أقسام الشرطة التي وصلت نسبة الأذى الجسدي للزوجات 90%، في فترة زواج تراوحت ما بين 6 أشهر إلى 24 شهر كحد أدنى 450 طفل نتيجة هذا الزواج يسعون لإثبات نسبهم لآبائهم.
وفي هذا الصدد جاء رأي الدكتور حامد أبوطالب، عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق عضو مجمع البحوث الإسلامية،": أن هذا الزواج حرام شرعًا لأنه التفاف حول حقيقة زواج ملك اليمين، فهو في الأصل يبدأ بشراء الرجل "الأمة" وهي الجارية ويجوز له أن ينكح تلك الأمة من قبيل الاستمتاع بما امتلك، فهو لا يعد زواجًا وإنما هو استمتاع بالمرأة فقط وانتهى مع انتهاء عصر العبودية".
وأشار أبو طالب إلى أنه لا يجوز للمرأة وهي حرة أن تقول لشخص ملكتك نفسي لأنها حرة بالأساس والناس جميعًا في ظل الإسلام أحرار وليس منهم الآن عبيدًا، وأن ما يروجه البعض لهذا الزواج ليس من الإسلام في شئ وهو تكييف لحقيقة فقهية تكييفا خاطئا، فالإسلام قد أقره لكنه كان بوقت العبودية، وقد حارب الإسلام الرق والعبودية بنفس الوقت.
في حين جاء رأي الدكتورة هدي زكريا أستاذ علم الاجتماع، بأن" مصطلح ملك اليمين يعني التنازل عن حرية منحها الله لهولاء الفتيات، اللاتي بالأخص سيكونون فقيرات وضعيفات، بحيث تتنازل عن حريتها وإنسانيتها وكيانها، لترتضي بالعبودية والعودة لهذه العصور الأولية، مشيرة إلى أنهن بالأساس فاقدات للحرية منذ النشأة، ويؤمن بالمقولات القديمة مثل " الرجل اللي قانيها" واعتبرت نفسها شئ من ضمن الأشياء التي يقتنها الرجل".
وأضافت " أن المرأة التي تتقدم وتتحرر وتعلن استقلالها المادي، يوجد بالمقابل النقيض للسيدات التي تحت خط الفقر والجهل والمهانة الإنسانية، وهذا نتيجة عدم توزيع الفرص بالتساوي، ولم تجد هذه السيدات فرصا منذ البداية في الحياة الكريمة، في إشارة منها وتسأول عن من يعقد هذا الزواج؟، الذي هو ليس بزواج في الأصل".
وتؤكد دكتورة هدى" هذه قصة لسنا بحاجة إليها علي الإطلاق، إذ أنهن خرجن من دائرة الضوء الاجتماعي إلى الظلام خارج المجتمع، فلماذا يريدون العودة إلينا في الضوء؟، حيث إن عدد هذه الحالات ضئيل ولن يجد القضاء حلا لذلك لأنهن تنازلن عن حقهن".