عزيزي ديسمبر.. ها أنا أراسلك مرة أخرى كما تعودت كل عام.. آسف لإزعاجك بحديثي الممل عن ذكرياتي ومواقفي التي تظل عالقة منذ سنوات لا تمحوها الأيام ولا تتأثر بعوامل الزمن.. ولكن أود أن اخبرك شيئا.. أنا لم أعد بخير!.
عزيزي ديسمبر.. ها أنا أبدو الآن أكثر نضوجا، ولكنني لم أتغير كثيرًا، فلا يزال بداخلي ذلك الطفل الذي طالما رفض الإستغناء عن ألعابه القديمة، حتى وإن كان بإمكانه إمتلاك غيرها.. لم أفكر ولو للحظات في نسيان ما مضى.. ولازالت ترافقنى أيامي السابقة، بل ربما تساعدنى فى استكمال مشوارى الطويل الغير معلوم.
دعني أحدثك قليلا عن ذكرياتي معك.. حينما كنت في الثامنة عشر من عمري، مايقال عنه سن المراهقة، لم أكن أعلم حقيقة ماأشعر به عندما قابلتها " انت تعرفها جيدا".. ربما أحببتها، بل من المؤكد أننى فعلت، لم أكن وقتها على دراية كاملة بما قد أحل بي.. فقط أحسست ولأول مرة أنني أسير شخص آخر، يزداد تعلقي به يوما بعد يوم، لم أستطع التعمق أكثر في بواطن الأمور.. فقط أتحسس الظواهر، خشية مواجهة بسؤالي المعهود الذي لا اجد له إجابة " ماذا لو ؟!" فيفقدني لذة ما أشعر به.
مرت أيامي على هذا المنوال.. لا تغير يحدث سوا أننى أزداد تقربا.. تعلقا.. احتياجا، ربما صادفتنا أيام لم تكن بالسعيدة على الإطلاق.. ربما كانت كفيلة بإثنائى عن مواصلة السير في ذلك الطريق، ولكن ما كان يجمعنا كان أقوى من أن يتأثر بتلك المهاترات.
لم تكن دقات تلك الساعة المزعجة في منزلي تعني لأفراد أسرتي شيئًا كما تعني لي.. كانت لهم ما هي إلا صوت يذكرهم بقرب ميعاد بزوغ الفجر، الذي يخرج فيه أبي، ليتهيأ لصلاته وقراءة القرآن الكريم. أما أنا، فتلك الدقات كانت تذكرني بما تبقي لي من أيام في تلك العلاقة، التي كانت أقوى من أن تزول رغم كل شي.
وبعد 3 سنوات.. ربما حدث ماكنت أبتعد عن التفكير فيه، فلم نكمل الطريق لأسباب لا أعلمها، ولكن هناا أدركت أن لكل شيء نهاية، حتى وإن كان يبدو عكس ذلك، ولكن وراء كل شيء حقيقة تظهر فقط عند رؤيته من بعيد، فيقال أنك أحيانا تحتاج للخروج من الدائرة المغلقة لتري من خلفها حقيقة الامور.
"الجواب بيبان من عنوانه" مقولة اعتدنا على ترديدها وسماعها في الكثير من المواقف؛ إما لتبرير رفض شيء أو استحسانه، لكن إن كان الجواب يبان - حقًا - من عنوانه، فلماذا تبدلت النهايات.
والآن يا عزيزي.. لا زلت أعاني من ذكرياتي الكثيرة التي تحملها أيامك كل عام، ولكنها تسعدني.. كلسعات البرد التي مع اشتدادها.. تعطى احساسا بالدفء.