في زيارة سرية، بصل البابا تواضروس الثاني، بطريرك الكنيسة المرقسية للأقباط الأرثوذكس، الخميس المقبل، إلى اليونان في زيارة تاريخية هي الأولى له منذ تجليسه.
وعن سبب التكتكم على الزيارة، قالت مصادر، أنه يتوقع أن يكون السبب، خشية أن يتعرض البابا تواضروس للهجوم من قبل التيار التقليدي والمتشددين في الكنيسة، بسبب اختلاف معتقدات الكنيسة القبطية عن الكنيسة اليونانية.
وبمطالعة المعلومات المتاحة عبر الإنترنت، فإن الخلافات بين الكنيسة القبطية والكنيسة اليونانية يمكن وصفها بأنها "خلافات تاريخية" تعود تفاصيلها إلى مجمع خلقدونية، وتتمحور حول العديد من القضايا اللاهوتية بينها طبيعة السيد المسيح، بالإضافة إلى قضية صكوك الغفران وكذلك عصمة البابا.
وفيما يتعلق بالإيمان بطبيعة المسيح، فإن الكنيسة اليونانية تؤمن بأن المسيح له طبيعتين بشرية وإلهية وهو عكس إيمان الكنيسة القبطية التي تعتقد بالطبيعة الواحدة للمسيح (اللاهوت والناسوت)، وأن البابا ليس معصومًا من الخطأ على عكس الكنيسة القبطية المصرية بالإضافة العديد من القضايا اللاهوتية الأخرى المختلف عليها، كما أن الاختلافات بين الكنيستين، الكنيسة القبطية والكنيسة اليونانية، تتضمن أيضًا قضية صكوك الغفران.
ومنذ بداية الخلاف، انقسمت الكنائس الأرثوذكسية إلى مجموعتين من الكنائس ليس بينهما حياة شركة، أولهما الكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية ويبلغ تعدادها حوالي 220 مليون عضوا، وهي كنائس أنطاكية، القدس، روسيا (أكبر كنيسة أرثوذكسية)، رومانيا، بلغاريا، الصرب، ألبانيا، اليونان، جورجيا، قبرص، أمريكا، وبطريركية القسطنطينية (إستانبول، والثانية الكنائس الأرثوذكسية الشرقية الغير خلقيدونية ويبلغ تعدادها حوالي 80 مليون عضوا، وهي كنائس إثيوبيا (أكبر كنيسة أرثوذكسية شرقية وبها حوالي 55 مليون عضوا)، إرتريا، مصر (الكنيسة القبطية وبها حوالي 12 مليون عضوا)، أرمينيا، سورية (اليعقوبيين)، وكنيسة توما الرسول في جنوب الهند.
وفي العصر الحديث، حدثت مناقشات لاهوتية عديدة في أوربا والشرق الأوسط بين ممثلي مجموعتي الكنائس الأرثوذكسية. بدأت هذه الاجتماعات في جامعة آرهوس بالدنمرك في عام 1964، وانتهت في جنيف بسويسرا في عام 1990. أدرك ممثلي مجموعتي الكنائس الأرثوذكسية في هذه المناقشات أن كافة هذه الكنائس تحتفظ بنفس الإيمان الصحيح بخصوص طبيعة شخص السيد المسيح، وأن الاختلافات بينهما هي مجرد اختلافات لفظية في التعبير عن هذا الإيمان الواحد الذي يشتركون فيه.
وبمراجعة تاريخ الانشقاق بين الفئة الكاثوليكية، فإن الانشقاق بين الكنائس الغربية والشرقية له جذور كثيرة، يعود إلى قرون قديمة، حيث نشأت الاختلافات تدريجيًا بدأت عندما استخدمت الإمبراطورية الرومانية الشرقية (الإمبراطورية البيزنطية) اللغة اليونانية، بينما استخدمت الإمبراطورية الرومانية الغربية اللغة اللاتينية.
وبعيدًا عن اللغة فامتد الخلاف إلى أسس التفكير اللاهوتي، فاللاهوتيات الأرثوذكسية مؤسسة على الكتاب المقدس وأقوال وكتابات آباء الكنيسة الأولين، بينما تعتمد اللاهوتيات الغربية اللاتينية بدرجة كبيرة على الفلسفة اليونانية (الإغريقية) القديمة، وخاصة فلسفة أرسطوطاليس، بالإضافة إلى الاختلافات الكبيرة في التطورات التاريخية بين الشرق والغرب.
أبعاد متعددة كانت سببًا في الانشقاق بين الكنائس الغربية والشرقية، أبرزها المنافسة البسياسية بخصوص السلطة الكنسية بين بطريرك القسطنطينية (ممثلا الكنائس الشرقية) يؤيده الإمبراطور البيزنطي، وبين أسقف (بابا) روما في الغرب تحب تأثير الإمبراطورية الألمانية الجديدة في الغرب، حيث أصر أسقف روما على أن يكون الرئيس الأعلى لكافة كنائس الأرض، بينما اعتمدت الكنائس الشرقية على النظام المجلسي في إدارة شؤونها، كان لكل كنيسة وطنية كهنتها وأساقفتها ومجمعها المقدس من أساقفتها، الذي هو أعلى سلطة فيها.فيما مثلت الروح القدس، أحد أوجه لااختلاف الذي أدى إلى الانشقاق، حيث أن قانون الإيمان النبقي الذي أصدره المجمع المسكوني الأول (325م) وأكمله المجمع المسكوني الثاني (381م) أن الروح القدس منبثق من الله الآب وحده، وأضافت الكنيسة اللاتينية في الغرب إلى قانون الإيمان أن الروح القدس منبثق من الابن أيضا، لم تكن هذه الإضافة لقانون الإيمان النيقي قانونية لأنه لم يوافق أو يصدق عليها أي مجمع مسكوني.
واستخدمت الكنيسة اللاتينية (الغربية) خبزا غير مختمر في سر التناول المقدس، بينما استخدمت الكنائس الشرقية دائما خبزا مختمرا في سر التناول المقدس، وغبر ذلك فإن الكهنة اللاتينيين غير متزوجين، وبدن لحية، بيمنا كان الكهنة الشرقيون متزوجين (فيما عدا كهنة الأديرة) وذي لحية.
وبرغم أنه تم توقيع اتفاقية تاريخية بشأن صيغة موحدة للتعبير عن الإيمان بطبيعة شخص السيد المسيح، بين الكنيستين، في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون بمصر في يونيو 1989. ثم أصدرت اللجنة التي تمثل مجموعتي الكنائس في سبتمبر 1990 في جنيف قراراتها وتوصياتها التي تؤكد الإيمان الواحد وتوصي برفع الحرمان المتبادل بين هذه الكنائس والإعداد لاستعادة حياة الشركة الكاملة بينها، إلا أن حياة الشركة لم تعد بعد بين مجموعتي الكنائس الأرثوذكسية بسبب عوامل سياسية كنسية، وبقايا معارضة متزمتة في الطرفين.