قال أمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط إن كثير من التوترات التي تعاني منها المجتمعات العربية في الوقت الحال ترجع الهوة الموجودة بين حكامنا وبين الجماعة الثقافية، مؤكدا على أهمية مد جسر الترابط الذي يصل المثقفين العرب بأهل السلطة والحكم.
وأضاف أبوالغيط - في كلمته في افتتاح المؤتمر الـ 20 لوزراء الثقافة العرب بتونس، والذي تنظمه الجامعة العربية بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة "الالكسو" - أن أهل السياسة ربما يستسهلون إلقاء اللائمة على أهل الثقافة، وأؤكد أن الثقافة تأتي أولا وكل شئ أخر يأتي بعدها فالثقافة هي بداية أي مشروع وطني أو عابر للأوطان وهي البنية الأساسية التي لا غنى عنها لأي إنجاز حضاري والسياسة هي فرع على الثقافة.
وأشار إلى أن الثقافة بمعناها الشامل ومفهومها الواسع هي الحضارة ذاتها ومنهج وفكر واسلوب العيش وطريقة للحياة ونظرة كلية الى العالم وتراكم الخبرات والقيم المتوارثة التي تختزنها جماعة بشرية بعينها وتتناقلها جيلا بعد جيل، مشيرا إلى أن المأزق العربي الراهن يرتبط في تقديري بالثقافة قبل أي شيء أخر وإذا كانت المجتمعات العربية تمر بأزمة كبرى وممتدة نشهد جميعا تداعياتها على النسيج الوطني في بعض الدول وصولا إلى القتل والتشريد لملايين البشر فإن علينا أن نبحث في الثقافة أولا وقبل أي شئ أخر.
وتساءل الأمين العام للجامعة العربية عن كيفية إفراز الثقافة العربية هذا القدر من العجز على مواجهة التحديات وكيف تحولت في احيان كثيرة الى عائق بدلا من ان تكون دافعا للاستنهاض القومي الشامل، وما الذي تحتاج اليه الثقافة كي تعيد تغيير المجتمعات العربية وتنقلها من حال العجز واللامبالاة الى فضاء النجاح والثقة والتحقق لمواطنيها.
وأكد على أن الثقافة هي محورا رئيسيا للعمل العربي المشترك في أمه يتحدث جميع سكانها اللغة العربية الذين يزيدون عن 360 مليون نسمة يربطهم التراث العظيم للثقافة العربية الرائدة وهي الجامع الحقيقي بيننا والحاضن لطموحاتنا واحلامنا المشتركة حتى لو فرقت بيننا السياسة وتقلباتها.
ونوه بأنه رغم الجهود الكبيرة المبذولة فإن الشوط ما زال طويلا أمامنا لكي نشعر بالطمأنينية على حال الثقافة العربية وعلى دور المثقين العرب في البناء الوطني الشامل حيث أن بعض المثقفين يشعرون بالتهميش من السلطة وبعضهم الأخر يكابد مشاعر اليأس والغربة عن المجمتع، كما أن الثقافة العربية اليوم محاصرة وكأنها تقف على جزيرة معزولة وسط محيط هائج ومضطرب وليس باستطاعتنا الوصول إلى بر الأمان إلا بمد الجسور ويحتاج المثقفون العرب إلى 4 جسور رئيسية لا غنى عنها لتأسيس ثقافة عربية سليمة وصحيحة ومبدعة.
وأوضح أن الجسر الأول هو الذي يصل إلى المثقف بعصره ويربط الثقافة العربية بنظيرتها العالمية، حيث أن العالم يتحرك بسرعة الرقمنة والذكاء الاصطناعي يغيران من طبيعة الثقافة ذاتها ووسائل التواصل الاجتماعي، ما يخلق فضاء ثقافيا وإعلاميا جديدا يجعل من البشر مستقبلين ومنتجين للثقافة في أن معا ما يطرح تساؤلا حول وضع الثقافة العربية من كل هذا.
وأشار إلى أن تشييد هذا الجسر الذي يصل الثقافة العربية بعصرها ويربطها بمجريات هذا الزمان هو مهمة أساسية للمثقف العربي ومسئولية لا يمكنه التخلي عنها أو التنصل منها، لافتا إلى أن الجسر الثاني المطلوب هو جسر يصل الثقافة العربية بماضيها، حيث أن الانطلاق إلى الحداثة لا يجب أن يعني الانسلاخ من التراث أو نبذه أو التبرؤ منه ومطلوب من المثقفين العرب موقفا شجاعا من التراث يقوم على إعادة قراءته والتفتيش فيه واستلهام بواعث النهضة من داخلة وليس صحيحا ان التراث مرادف للانغلاق أو الاستغراق في الماضي حيث أن الثقافة العربية سبق لها أن انفتحت على الدنيا بروافدها المختلفة.
ونوه بأن الجسر الثالث هو الجسر الذي يصل المثقفين العرب باهل السلطة والحكم، ذلك أن الهوة بين الجماعيتن المثقفة والحاكمة هي المسئولة عن الكثير من التوترات في المجتمعات العربية ، وليس من مصلحة أي حاكم تهميش المثقفين ولا أرى أن من مهام المثقف وضع الحاكم موضع الاتهام بشكل دائم وأن كان من طبيعة دور المثقف نقد الحكم ولكن من واجباته أيضا أن يكون شريكا في البناء عبر تقديم البدائل ويتعين علينا أن ننتقل من مرحلة العداء والمنافسة بين قصور الحكم وأروقة الجامعات إلى فضاء التعاون بينهما.
ولفت إلى أن الجسر الرابع وهو الأهم هو الذي يصل بين المثققف العربي بمجتمعه ولكل صراحة فإن الأحداث التي عصفت ببعض دول العالم العربي في السنوات الخمس الماضية كشفت عن هوة واسعة تفصل بين المثقف وواقعة السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والمثقف يفترض فيه أن يجسد الحلم بالأفضل والأمل بالتغيير ولكن التغيير الذي لا ينطلق على أسس سليمة راسخة على أرض الواقع بكل مفرداته وتفاصيلة يصير قفزة إلى المجهول وربما ردة لما هو أسوأ.
وقال ان المجتمعات العربية مجتمعات شابه 60% من سكانها أعمارهم تقل عن 25 عاما بما يعني أن الواقع العربي متجدد ومتحرك وعلى المثقف ملاحقة هذا الواقع وعدم الانفاصل عنه أو الاستعلاء عليه، فمنه يمكن الانطلاق إلى المستقبل المأمول على أرض صلبة واثقفة.
وقد سلم الدكتور عبدالله محارب مدير عام المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة "الالكسو" درع المنظمة للأمين العام للجامعة العربية أحمد ابوالغيط.