مازالت هناك حالة من الترقب الحذر في الأسواق المالية بعد قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي برفع أسعار الفائدة الأمريكية بمقدار ربع نقطة مئوية مع التلميح إلى وتيرة أسرع لزيادات أخرى في 2017، ضجة كبيرة في أوساط الاقتصاد العالمي، الأمر الذي أدي إلى قيام المصارف العالمية والعربية برفع أسعار الفائدة، كما قام المركزي الأمريكي برفع أسعار الفائدة لأول مرة في عام 2006 " حيث كانت لحظة حاسمة للاقتصاد العالمي ٬ لُينهي سياسة تسهيل الاقتراض التي اتبعها لدعم النمو الاقتصادي الأمريكي بعد الأزمة المالية العالمية التي حدثت آنذاك.
وكانت قد قررت لجنة السياسة النقدية في ختام اجتماع منتصف الشهر الماضي٬ استمر لمدة يومين في العاصمة الأمريكية واشنطن٬ رفع معدلات الفائدة الرئيسية التي ظلت قريبة من الصفر منذ أواخر عام ٬2008 بـ0.25% لتصل إلى 0.5%.
تأثير قرار رفع الفائدة على أسواق المال
ويعد قرار رفع الفائدة يعد خبراً سيئا بالنسبة لأسواق الأسهم إذ تنسحب السيولة من أسواق المال في ظل عائد أفضل على النقد يمكن الحصول عليه في أي وقت ونسبة مخاطرة تكاد تكون معدومة، كما أن ارتفاع الدولار يؤثر أيضا على الذهب والذي يأخذ في الغالب اتجاهاً معاكسا للدولار.
وفي السياق ذاته دعت رئيسة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جانيت يلين، إلى عدم المبالغة في تقييم آثار أول زيادة لمعدلات الفائدة قررها المصرف المركزي.
3 مصارف خليجية رفعت أسعار الفائدة على غرار الفيدرالي الأمريكي
وبعد لحظات قليلة من إعلان مجلس الفدرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة، قامت البنوك المركزية في السعودية والكويت والبحرين برفع أسعار الفائدة، إذ رفع البنك المركزي السعودي سعر اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس "الريبو العكسي" ليوم واحد بواقع 25 نقطة أساس، ليصل إلى 50 نقطة أساس، لكنه ترك سعر الفائدة الأساسي لاتفاقيات إعادة الشراء ثابتا عند مستوى 2.0%.
وفي السياق ذاته رفع بنك الكويت المركزي سعر الخصم الأساسي بواقع 25 نقطة أساس ليصل إلى 2.25%، في حين أبقى البنك المركزي البحريني على سعر اتفاقيات إعادة الشراء ثابتا عند مستوى 2.25%، ورفع سعر الفائدة ليوم واحد بمعدل 25 نقطة أساس ليصل إلى 0.5%، كما رفع سعر الفائدة ليوم واحد بمعدل 25 نقطة أساس ليبلغ 0.5 %، وسعر الفائدة لأسبوع واحد بواقع 25 نقطة أساس ليصل إلى 0.75 %.
وكان الإجراء الذي اتخذته هذه البنوك المركزية الخليجية الثلاثة متوقعا، حيث إن دول الخليج ربطت أسعار صرف عملاتها بالدولار "باستثناء الدينار الذي يرتبط سعر صرفه بسلة من العملات يهيمن عليها الدولار".
ومن ناحية أخرى، فإن عدم رفع أسعار الفائدة كان سيحث المستثمرين لبيع أصولهم في منطقة الخليج، وتوظيف عائداتها في الاستثمارات المقومة بالدولار ذات العوائد المرتفعة إضافة إلى ذلك، فإن عدم رفع أسعار الفائدة كان سيضع مزيدا من الضغوط على العملات الخليجية.
وجاءت الزيادة في أسعار الفائدة في وقت تعاني دول الخليج تباطؤا حادا في النشاط الاقتصادي، بسبب اعتمادها المفرط على الإيرادات النفطية. إضافة إلى ذلك، تأثرت البنوك في منطقة دول الخليج سلبا بظروف السيولة المقيدة في الشهور الأخيرة، بسبب انخفاض أسعار النفط. وقد أثر تراجع عائدات النفط على تدفق الإيرادات النفطية في شكل ودائع مصرفية.
إضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع أسعار الفائدة على القروض المصرفية من شأنه أن يشكل عائقا أمام المقترضين في المنطقة، ومن الواضح أن التعديلات التي أجريت على سعر الفائدة الأساسي تؤثر على سلوك المستهلكين والشركات وأسواق الأسهم على حد سواء، وإن كان تأثيرها على الأخيرة ليس فوريا.
محللون: القرار لن يكون له أثر سلبي على الأسواق النفطية
أكد محللون اقتصاديون، أن معظم البنوك المركزية في دول الخليج بدأت تتفاعل مع القرار؛ وذلك تماشياً مع الأوضاع العالمية، لافتين إلى أن دول الخليج بشكل عام تتمتع بوضع مالي، واحتياطات نقدية كبيرة أفضل من غيرها من الدول، كما أن الدين العام لا يمثل نسباً كبيرة من الناتج المحلي.
وأشاروا المحللون، إلى أن مبادرات البنوك المركزية الخليجية برفع الفائدة أعطت تفاؤلاً وثقة وقتية للمتداولين وخاصة الأجانب، مؤكداً أن تبعات القرار ستظهر نتائجها على اقتصاد كل دول من دول المنطقة خلال الأشهر القادمة”.
ونفى المحللون، أن القرار سيكون له أثر سلبي على دول الخليج والمنطقة، وأن العالم ينظر الآن إلى أسعار النفط والبترول، كما يتم النظر الآن إلى الدولار على أنه الملاذ الآمن.
رفع سعر الفائدة يؤثر على النمو العالمي بشكل كبير
ومن ناحية أخرى، فإن قوة الدولار الأمريكي يمكن أن تضغط على النمو الاقتصادي في الدول الناشئة من خلال خروج الكثير من رؤوس الأموال من الدول الناشئة إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الاستفادة من معدلات الفائدة المرتفعة، وبالتالي سيتأثر النمو العالمي بشكل كبير وذلك لاعتماده بشكل أساسي على معدلات النمو الاقتصادي في الدول الناشئة.
قرار رفع الفائدة يؤثر بالسلب على الدول المدانة في السداد
كشف محللون عن إن قرار رفع أسعار الفائدة مع ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي يمكن أن يؤثر بالسلب على عملات بعض الدول، حيث من المتوقع انخفاض قيمة عملات هذه الدول مقارنة بالدولار وبالتالي سيزداد الضغط عليها في سداد ديونها إذا كان عليها سداد هذه الديون بالدولار وذلك لارتفاع القيمة الحقيقية لتلك الديون.
وأضاف المحللون، أن الدول الناشئة المنافسة للولايات المتحدة الأمريكية تستفيد في التصدير من ارتفاع قيمة الدولار وانخفاض قيم عملاتها مقارنة به، حيث يتحسن الموقف التناقسي لهذه الدول وستزداد صادراتها بشكل كبير.
رفع سعر الفائدة يُزيد من قيمة الدولار
وبلا شك فإن رفع سعر الفائدة الأمريكية سيؤدي إلى ارتفاع قيمة الدولار وذلك لزيادة الطلب عليه من جانب المستثمرين الأجانب الذين يبحثون عن عوائد مرتفعة على استثماراتهم وبالتالي ستتزايد عمليات تدفق رؤوس الأموال إلى الولايات المتحدة الأمريكية للاستفادة من معدلات الفائدة المرتفعة.
إلا أن تأثير رفع أسعار الفائدة الأمريكية لا يكون على الولايات المتحدة وحدها، وإنما يمتد هذا التأثير إلى باقي دول العالم وخاصة الدول الناشئة وذلك للارتباط الشديد بين اقتصاد هذه الدول والاقتصاد الأمريكي وكذلك حرية انتقال رؤوس الأموال من دولة لأخرى.
رفع سعر الفائدة يخفض أسعار الذهب عالميا
كذلك فإن رفع سعر الفائدة من قبل البنك المركزي الأمريكي يمكن أن يشكل ضغطاً كبيراً على أسعار الذهب أكثر مما يعانيه الآن في الأسواق العالمية بوصوله لأدنى سعر له منذ ستة أعوام، ويكون هذا الضغط نابع من طبيعة العلاقة العكسية بين أسعار الفائدة وأسعار الذهب "كلما ارتفع سعر الفائدة كلما انخفض سعر الذهب"، حيث يتجه أصحاب الأموال وكثير من المستثمرين إلى استثمار أموالهم في البنوك الأمريكية بدلاً من استثمارها في الذهب نظراً لارتفاع العائد الذي يتلقونه من خلال سعر الفائدة المرتفع، وبذلك يتراجع الطلب على الذهب وهو بطبيعة الحال كباقي السلع الأخرى عندما يقل الطلب عليه فإن سعره سينخفض.
محللون: القرار سيزيد من تكلفة الاقتراض على الشركات
ويري محللون آخرين، أن هناك تأثيرات لقرار رفع الفائدة على نشاط الشركات الصناعية التي ستواجه ضغوطا بسبب انخفاض صادراتها، خاصة مع ارتفاع سعر الدولار، مشيرًا إلى أن دول الخليج ستواجه تحديات في انخفاض أسعار النفط التي تتأثر سلبا مع قرار رفع الفائدة، وذلك في حالة توجهها لإصدار سندات أو صكوك لتغطية العجز المتوقع في ميزانياتها، حيث يؤثر ارتفاع سعر الفائدة على تلك الإصدارات وأضافوا أنه بالنسبة لشركات القطاع الصناعي وفي مقدمتها شركات البتروكيماويات فإن رفع الفائدة وبالتبعية سعر الدولار سيزيد من تكلفة الاقتراض عليها، كذلك الأمر نفسه مع شركات الاتصالات والمعادن.
وبحسب تقارير اقتصادية فإن العوائد المرتقبة في محافظ الإقراض المتغيرة في البنوك ستسجل ارتفاعا في سعر الفائدة، إلا أن هذه الفائدة تتقلص في محافظ الإقراض الثابت، حيث ستلعب البنوك دورا في تشكيل نسبة الإقراض للمحفظة الثابتة من نسبة المحفظة ذات العائد المتغير، في حين تتجه تكلفة تمويل الشركات للارتفاع، الأمر الذي سيحدث ضغطا على أسواق الأسهم، وذلك بسبب تحمل الشركات تكلفة أعلى في تمويل ذاتها.
قرار رفع أسعار الفائدة الأمريكية في عام 2006
ولم يكن قرار رفع أسعار الفائدة الأمريكية يُهم أكبر اقتصاد في العالم "أمريكا" بمفردها فقط، بل هو أمر هام جدا للاقتصاد العالمي ككل، حيث ينظر العالم إليه كونه قرار مصيري يهم جميع الدول العربية والأجنبية
حيث قام المركزي الأمريكي بإصدار قرار برفع سعر الفائدة للمرة الأولى منذ عشر سنوات، كما أنها كانت آخر مرة تم فيها زيادة أسعار الفائدة في منتصف عام 2006، أي قبل عام ونصف من أزمة عام 2008 التي شهدها الاقتصاد العالمي.
وخلال الفترة التي عقبت هذه الأزمة، قامت إدارة الاحتياطي الفيدرالي بعدة إجراءات من أجل تحفيز النمو الاقتصادي والتعافي من حالة الركود التي أصابت الاقتصاد العالمي بشكل عام، والاقتصاد الأمريكي بشكل خاص.
الإجراءات التي ترتبت على قرار رفع الفائدة الأمريكية عام 2006
ومن هذه الإجراءات التي قامت بها الإدارة، تبنيها سياسة نقدية توسعية من خلال برنامج التيسير الكمي، حيث قامت بشراء كمية كبيرة من الأوراق المالية المدعومة من الحكومة والمتمثلة في السندات الحكومية، وبطبيعة الحال فإن هذه العملية أدت إلى تدفق السيولة لدى البنوك الأمريكية وبالتالي زادت احتياطيات تلك البنوك ومن ثم انخفضت أسعار الفائدة تدريجياً حتى وصلت إلى المعدلات المستهدفة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، وقد انخفضت أسعار الفائدة من 5.25% في عام 2006 إلى حوالي الصفر في ديسمبر 2008، وبهذا فقد ظلت أسعار الفائدة الأمريكية تتراوح بين 0 و 0.25% منذ نهاية عام 2008.
ويتمكن الاحتياطي الفيدرالي من رفع سعر الفائدة عن طريق بيعه للسندات الحكومية التي يمتلكها بشكل تدريجي، وبالتالي سينتج عن هذا، خفض للاحتياطيات لدى البنوك الأمريكية، ومن ثم إلى ارتفاع أسعار الفائدة.