همُّ امتحانات الثانوية العامة يتصاعد، وزارة التعليم في وضعٍ لا تُحسَد عليه، تقلق، تخشى تكرار سيناريوهات التسريب كل عام، غير أن الشربيني قرَّر ومبكرًا رفع استعدادات الوزارة القصوى للامتحانات ووضع خطة لمواجهة تسريبها، وأكد أن جهة سيادية ستتولى طباعتها؛ منعًا للقِيل والقال، لكن هل يمنع الأمر قدر الغش والتسريب؟ ويردُّ خبراء: كل شيء وارد، لكن الثابت- بحسب الخبراء- أن تطوير طريقة الامتحانات والمناهج وعودة هيبة المدرسة وسيلة جيدة لمنع الغش.
هنا يقول حسين إبراهيم، الأمين العام لنقابة المعلمين المستقلة: إن التسريب قديمًا كان يتم عن طريقين: الأول أن يسرِّب الطالب ورقة ويرفعها على الإنترنت ليحصل على الإجابة ويوزعها على الطلاب. والشكل الثاني وهو تسرب الامتحان نفسه قبل بدء اللجنة، وهذا ما حدث العام الماضي في امتحان التربية الدينية، بعدها قيل إن الامتحانات تُسرَّب من المطابع، وتم القبض على بعض المسئولين، مضيفًا أنه خلال الامتحانات نفسها كان يتضح وجود مصدر في مكتب الوزير يسرِّب المعلومات؛ لأن "شاومينج" كان يذكر كلامًا يحدث فى مكتب الوزير، وهذا يدل على اختراق مكتب الوزير نفسه، والوزارة فى هذا الوقت لم تخرج بيانات تكذِّب هذه المعلومات.
تساءل إبراهيم: لماذا يلجأ الطالب للغش؟ ويردُّ: لأنه يرى أن العملية التعليمية ليست ذات أهمية بالنسبة له، ولا ينفع التعليم فى الجانب العملي، والمدارس أصبحت طاردة وليست جاذبة، والدليل أن طلاب الثانوية العامة يحضر منهم من 10 إلى 15% فى الفصول على الأكثر، والباقي متغيبون لأنهم فى الدروس الخصوصية، والوزارة لم تفكر فى حل، موضحًا أنه لو لم يتم إصلاح تلك العيوب فلن تنجح وزارة التعليم فى القضاء على ظاهرة تسريب الامتحانات أو الغش.
وتابع: "الوزارة لن تستطيع السيطرة على الغش، وتغليظ العقوبات بسجن الطالب أمر مستبعَد؛ لأنه يحوِّله لمجرم، وهذه العقوبة غير موجودة فى العالم".
وأضاف: الطالب جاء إلى المدرسة ليتعلم ويكون شخصًا صالحًا ليس ليتحول لمجرم، قائلًا: لا بد من القضاء على الأسباب التى لجأ بسببها الطالب إلى الغش كحشو المناهج التي تعقِّد الطالب، مشددًا على أن يكون المنهج متطورًا ومرتبطًا باحتياجات السوق، إضافة إلى حقوق المعلمين.
وتساءل أيمن البيلي، الخبير التعليمي: كيف يتم تسريب الامتحانات؟ ويجيب أنها تحدث نتيجة أسباب داخل منظومة التعليم، وأخرى خارجها، فالخارجية تتمثل في أن أولياء الأمور والأعباء المثقلة عليهم فيما يخص الإنفاق على العملية التعليمية، وخاصة الدروس الخصوصية التي بلغت 25 مليار جنيه سنويًّا، تدفع أولياء الأمور والطلبة إلى عملية التحايل للغش بأي أسلوب، وبأي وسيلة للخلاص من العبء المسمَّى الثانوية العامة، بل محاولة الحصول على أعلى الدرجات للالتحاق بكليات القمة، موضحًا: الأسباب الموجودة داخل منظومة التعليم أنها تقوم على عدم الثقة بين الطالب والمؤسسة التعليمية بشكل عام، حيث انتقال المعلمين من محافظة لأخرى للملاحظة والمراقبة على الامتحانات، بالإضافة إلى أن الطلاب ينظرون للمعلم والمراقب والملاحظ على أنهم سلطة غير مقبولة تفرض عليهم قيودًا في الامتحانات، إضافة إلى أنه بعد اختراق منظومة التعليم بالغش والاختراق لم تعد هذه المنظومة صالحة للعمل بها فى هذه المرحلة، وأيُّ محاولة لإحداث نوع من الرقابة الشديدة بتثبيت كاميرات أو أجهزة تشويش هي حلول رد فعل وليست حلولًا جذرية.
وقال البيلي: أشكُّ في حديث الوزير أنه لن يحدث تسريب هذا العام نتيجة مجموعة من الإجراءات محل دراسة مثل الورقة ذات العلامة المائية أو اختلاف ترتيب الأسئلة، مضيفًا أن هذه الحلول لن تحل مشكلة التسريب ومشكلة الغش؛ لأنها مشكلة ثقافة عامة ومشكلة مالية واقتصادية تدفع أولياء الأمور للتخلص من العبء، إضافة إلى أن التعليم الخاص يدفع الفقراء داخل التعليم الحكومي للغش والتسريب للحاق بكليات القمة.
وطالب بالبحث عن تجارب أخرى تم تجريبها في العالم تغير نظام الامتحانات لدينا، موضحًا أن هناك عددًا من التجارب المهمة فى العالم بنظام الامتحانات، منها التجربة الفنلندية التي تقوم على إلغاء امتحانات الشهادات تمامًا وتقوم على فكرة التقويم التراكمي التقديري للطالب وتحديد نسبة مستواه عبر امتحانات شهرية، والتجربة الثانية تجربة إنجلترا والتي تقوم على تقسيم الامتحانات من المركزية إلى اللا مركزية بحيث تضع كل محافظة امتحانها الخاص بها، والتجربة الثالثة تجربة اليابان وهى تشابه نظام الامتحانات فى مصر لكن ليس هو المؤهل للجامعة، لكن هناك سنة تأهيلية تؤهل كل الطلاب لدخول الجامعة ثم يتقدم هؤلاء الطلاب لاختبار عام ثم يتم اختبارات قبول داخل كل كلية، وهناك تجربة رابعة وهى تجربة الدنمارك وهى أن تتم امتحانات داخل كل مدرسة، ويتم التصحيح داخل كل مدرسة، وهذه لا يمكن تطبيقها فى مصر، في ظل وجود الدروس الخصوصية، موضحًا أن أفضل الطرق التي يمكن تطبيقها فى مصر هي تجربة فنلندا، والتي تعتمد على التقويم التراكمي التي تحقق حضور الطلاب للمدارس، إضافة إلى أنها ستقضي على الدروس الخصوصية وستعيد المدرسة كمصدر أساسي ومؤسسة تربوية تعليمية للدولة، إضافة إلى أن التقويم سيكون لمدى طويل وليس من خلال امتحان واحد فقط يحدد حياة الطالب، كما أنها تجربة تزيد من معلومات الطالب نتيجة الخبرات التي يحصل عليها خلال التراكمية.
وقال الدكتور سالم الرافعي، الخبير التربوي وخبير المناهج التعليمية: إنه للقضاء على ظاهرة تسريب الامتحانات لا بد من معرفة الأسباب أولًا، ولا بد من تشديد العقوبات على المتهمين والمتسببين في تسريب الامتحانات فى وزارة التعليم، بحيث مَن يثبت اتهامه بتسريب الامتحانات يتم استبعاده من منصبه تمامًا؛ لأن الامتحانات هى قضية أمن قومي، وحتى يثق الشعب في الحكومة، مضيفًا أنه لا بد من تغيير كل الموجودين فى ملف الامتحانات، سواء مَن تمت إدانتهم أو مَن لم يُدانوا ويتم تغييرهم بآخرين أكثر ثقة، وتتم مراقبتهم بشكل دوري من قِبل الرقابة الإدارية، بالإضافة إلى تغيير نمط الامتحان ومركزتيه.
وأضاف الرافعى أنه لا بد أن يؤخذ فى الاعتبار الجوانب الأمنية والاقتصادية والتعليمية فى الامتحانات؛ لحماية أبنائنا؛ لأن تغيير الامتحانات بسبب تسريبها تكلفة باهظة على الدولة، مطالبًا بتشديد العقوبة وتغليظها على أي متهم ومتسبب فى ذلك وسرعة تطبيقها، وخروج قانون بهذا الشأن من البرلمان، ولا يمكن ترك المتسببين فى ذلك واللجوء لمعاقبة الطالب المتهم بالغش بدفع عشرات الآلاف من الجنيهات أو سجنه.
ورأى عبدالحفيظ طايل، مدير مركز الحق فى التعليم، أن المشكلة فى تسريب الامتحانات ليس فى إقالة الوزير، مضيفًا أن ورقة الامتحانات تمر بمراحل كثيرة من بين المطبعة السرية وحتى تصل إلى لجنة امتحان الطالب، وتطور وسائل التكنولوجيا في أيدى الطلاب، منوهًا بأن تكليف جهة سيادية بطبع الامتحانات لا يمنع التسريب أبدًا؛ لأن التسريب قد يحدث بعد خروج الورقة من المطبعة السرية أو حتى عند وصولها للطلاب، مؤكدًا أن الطلاب يتعاملون بحس انتقامي مع وزارة التربية والتعليم، والدليل أن صفحة تسريب الامتحانات التي تدعى شاومينج كان يأتي بها عبارات "علمونا صح ومش هنلجأ للغش" وغيرها من العبارات، ومن ثم دخل الطلاب حالة من التحدي مع الوزارة، لافتًا إلى أن هذا التحدي يحسم للطلاب كل عام؛ لأننا أمام عقلين، الأول عقل يفكر بفكر وعقلية الستينيات بالقلم الرصاص، وعقل آخر يفكر بعقلية الكي بورد وهو الذى يكسب المعركة.
ويظل السؤال المطروح: وماذا بعد؟ هل تختفى ظاهرة التسريب؟ ويجيب طايل: من الممكن أن يحدث. وتابع: عندما تصبح لدينا مناهج محترمة خالية من الكذب حتى نعلِّم الطلاب الصدق، إضافة إلى ممارسة المناهج للقيم الإيجابية للطلاب بأن يعتمد على ذاته وعقله يفكر بشكل نقدى، وأيضًا عندما يكون الامتحان لغير قائم على الحفظ فقط، لافتًا إلى أن المناهج عبارة عن معلومات متجزئة أو مقطوعة من سياقها ويصعب على الطالب فهمها فيحفظها مضطرًّا، لكن بشكل عام الغش جريمة تحدث في كل دول العالم، لكن الظاهرة لدينا كبيرة ومستفحلة ومتفاقمة.