قالت مصادر بوزارة الكهرباء والطاقة ، إن الرئيسان المصري عبدالفتاح السيسي، والروسي فلاديمير بوتين سيوقعان العقد الشامل لبناء وتنفيذ محطة الضبعة خلال أيام، وذلك في زيارة أحدهما المرتقبة لبلد الآخر.
وذكرت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن مصدر في شركة "روس أتوم" الروسية، اليوم الاثنين، إن العقد بين الشركة ومصر لبناء محطة نووية قد يتم التوقيع عليه يوم الخميس المقبل.
وأضاف المصدر في تصريحات لوكالة "نوفوستى" أنه "حسب ما ذكرته شركة "روس أتوم"، فإن الاستعدادات قائمة ليوم الخميس".
وكان نائب رئيس شركة "روس أتوم" الروسية، نيكولاى سباسكى، أعلن فى 22 نوفمبر الماضى، أن الشركة تعول على توقيع عقد بناء أول محطة كهروذرية فى مصر، فى وقت قريب.
ووقعت روسيا ومصر، فى 19 نوفمبر الماضى، على اتفاقية بين الحكومتين بشأن بناء وتشغيل أول محطة نووية بتكنولوجيا روسية فى منطقة الضبعة على البحر الأبيض المتوسط، وستتكون المحطة من أربع وحدات بقوة 1200 ميغاوات لكل واحدة منها.
وقالت المصادر - بوزارة الكهرباء- يوقع الرئيسان المصري عبدالفتاح السيسي والروسي فلاديمير بوتين خلال أيام، العقد الشامل Abc CONTRACT لبناء وتنفيذ وتوريد 4 مفاعلات نووية بمحطة الضبعة. ثم يلي ذلك توقيع عقود تفصيلية تشمل عقد إنشاء وعقد تصميم وعقد تزويد للوقود وعقد دعم فني وعقد للوقود المستنفذ.
وبحسب مصادر مسئولة، فالتوقيع الشامل سيتم بين الدولتين على المستوى الرئاسي خلال زيارة مرتقبة من أحد الرئيسين للدولة الأخرى في إطار العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، إلا أن المصادر تحفظت على موعد الزيارة مؤكدة أنها ستتم خلال الشهر الجاري.
وتتولى الشركة الروسية روزأتوم حاليا تدريب 1720من كوادر الضبعة النووية، وتشمل برامج التدريب، فرق المتابعة على التنفيذ والانشاء، وجميع تخصصات البناء والانشاء بدءا من البناء والخرسانة وحتى عمليات اللحام، وجميع التخصصات الفنية من الكهرباء والميكانيكا والفيزياء النووية والأمان النووي وحتى تشغيل وإدارة المفاعلات والمجمعات النووية لتوليد الطاقة.
قالت المصادر إن المفاوضات الفنية بين الجانبين استغرقت شهورا صعبة بين موسكو والقاهرة لتحديد المواصفات الفنية والتي تحتويها المواصفات التي وضعها الجانب المصري في نحو 10 آلاف صفحة وتضم المواصفات بدءا من نوع المفاعل وطرازه وعوامل وعناصر الحماية والأمان، وحتى نوعية وجودة سلك الاضاءة في كافة منشآت المحطة، والمواد الخام المستخدمة في كل عمليات الانشاء والتنفيذ.
المفاوضات مرت بمراحل صعبة على مستوى الخبراء وتدخل الرئيسان في عدد من المرات من أجل حصول الخبراء المصريين على المواصفات المطلوبة ومستوى التكنولوجيا المطلوب.
وفيما اتفق الجانبان على ممارسة مستوى من التحفظ الإعلامي وعدم التصريح والإعلان عن تفاصيل البرنامج إلا بتنسيق مسبق، اتخذت الشركة الروسية روزأتوم المنفذ مقاول تنفيذ المحطة خطوات اعتبرها مسئولون مصريون أحادية الجانب، إذ أقدمت الشركة على دعوة أحد البرامج الفضائية المصرية لزيارة مقر الشركة ومفاعلات بروسيا دون تنسيق مسبق مع الجهات المصرية المختصة مكتفية بإخطار فقط، وأبدى المسئولون المصريون تفهما في هذا الجانب مطالبين بضرورة الالتزام بالتنسق في ما يخص النشر.
وبدأت روزأتوم في 5 أغسطس الماضي حيث بدأت العمليات التشغيلية لـ "مفاعل "VVER-1200" والذى يعد أحدث المفاعلات النووية الروسية وأكثرها تقدمًا، وتم ربط محطة الطاقة النووية في مدينة نوفوفورونيج، والتي تنتمي لمفاعلات الجيل الثالث+، بالشبكة القومية الروسية للكهرباء.
في نفس الوقت أظهر الجيل الثالث من محطات الطاقة النووية تحسنًا ملحوظًا في معايير الأداء. فهذه المحطات تتسم بأمانها التام عند التشغيل، بالإضافة لتوافقها الكامل مع اشتراطات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ما بعد حادث فوكوشيما باليابان.
وقالت الشركة إن هذا النوع من المحطات يتضمن عددا كبيرا من نظم الأمان التي تعمل بشكل أوتوماتيكي حتى مع إغلاق المحطة وتوقفها عن العمل. ويُعد مفاعل VVER-1200 من أحدث المفاعلات وأكثرها أمانًا، ويتم انشاؤها طبقًا لأعلى معايير الأمان المطبقة في العالم. هذا النوع من المفاعلات هو بالتحديد ما سيتم إقامته في محطة الطاقة النووية في منطقة الضبعة المصرية.
وتمثل محطة الطاقة النووية في منطقة الضبعة المصرية أكبر مشروع استراتيجي مشترك بين روسيا ومصر منذ مشروع السد العالي في أسوان، حيث إنّ التكنولوجيا المتطورة والمستخدمة في هذا المشروع ستجعل من مصر دولة تكنولوجية رائدة بالمنطقة، وستكون أيضًا هي الدولة الوحيدة بالمنطقة التي تمتلك محطة متطورة لتوليد الطاقة النووية تنتمي للجيل الثالث+ من المفاعلات النووية ذات القدرة الفائقة.
وبحسب البرنامج التنفيذي للبرنامج النووي فإن المرحلة الأولى تستهدف إنشاء 4 مفاعلات نووية بالضبعة وتصل قدرة المفاعل إلى1200 ميجاوات على أن يتم تشغيل المفاعلين الأول والثاني عام 2024 وتشغيل المفاعل الثالث 2025 والرابع في.2026
- صراع تاريخي:
حاولت مصر مرارًا وتكرارًا امتلاك الطاقة النووية بقدرات انتاجية للكهرباء لحاجتها الاقتصادية، ولضعف مواردها لتوليد الطاقة، ولاكتساب تكنولوجيا صناعية هائلة المهام في كافة المجالات.
وواجهت مصر مؤامرات شتى شاركت فيها أمريكا والبنك الدولي وإسرائيل، وأجهضت محاولات مصرية بشتى الطرق واغتالت إسرائيل علماء مصريين مثل الدكتور مصطفى مشرفة، والدكتور يحيي المشد، والدكتورة نبوية موسى، وغيرهم من العقول المصرية الواعدة.
وللبرنامج النووي المصري رواية طويلة من الصراع مع الأعداء منذ أن سعت مصر لإقامة برنامج نووى لإنتاج الطاقة فى عام 1963، وتم الإعداد لإنشاء محطة نووية أولى بقدرة انتاجية 150 ميجاوات، وأعدت مواصفات المشروع خلال عام 1964، وطرحت فى مناقصة عالمية مفتوحة، تقدمت لها 4 شركات، هى «وستنجهاوس» الأمريكية بعطاء لمحطة من نوع مفاعلات الماء المضغوط، و"جنرال اليكتريك" الأمريكية، و"A.E.G" الألمانية بمحطة من نوع الماء المغلى، و"سيمنس" الألمانية بمحطة من نوع الماء الثقيل، وتم الانتهاء من تقييم العطاءات واصدار خطاب النوايا فى عام 1966 لوستنجهاوس الأمريكية، وتوقف المشروع عقب العدوان الإسرائيلى على مصر فى عام.1967
فى عام 1971، تمت مراجعة شاملة لموقف وظروف القوى والشبكة الكهربائية، وتقدمت مصر ببحث للمؤتمر الدولى الرابع للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، بجنيف فى العام نفسه، وشمل البحث دراسة امكانية ادخال محطات قوى نووية وادماجها فى الشبكة حتى عام 2000، وتمت صياغة البرنامج النووى المصرى طويل المدى، والذى يهدف لبناء 8 محطات نووية، وهو البرنامج الذى تحاول مصر البدء فى تنفيذه الآن.
وفى عام 1974، اتخذ القرار بالبدء فى البرنامج النووى فى ضوء نتائج الدراسة السابقة، بالشروع فى اقامة المحطة النووية الأولى بقدرة 600 ميجاوات، فى سيدى كرير بالساحل الشمالى، وتم اختيار نظام مفاعل الماء العادى الذى يستخدم اليورانيوم المخصب بنسبة صغيرة كوقود، ووقعت مصر اتفاقية تخصيب اليورانيوم مع لجنة الطاقة الأمريكية فى يونيو 1974.
ليأتى عام 1975، ويشكل الرئيس الراحل أنور السادات، لجنة وزارية برئاسة المهندس أحمد هلال وزير البترول آنذاك، لدراسة احتياجات مصر من الطاقة حتى نهاية القرن الماضى، والطرق الواجب اتباعها لتوفير هذه الطاقة، وأطلق على اللجنة اسم "لجنة الطاقة والكهرباء"، والمستمرة حتى الآن تحت مسمى "المجلس الأعلى للطاقة" ويترأسها رئيس الوزراء، بعضوية وزراء الكهرباء، والبترول، والصناعة، والتخطيط، والبحث العلمى.
بعد دراسة استمرت لعام كامل، توصل العلماء، إلى ضرورة بناء 8 مفاعلات نووية، قدرة كل منها 1000 ميجاوات، مبررة ذلك بانخفاض الاحتياطيات المصرية من البترول والغاز، وتراجع اكتشافات الفحم المصرى، والذى يحتاج لخلطه بأنواع أخرى من الفحم المستورد لإمكانية استخدامه فى تشغيل محطات الكهرباء، واستنفاد مصر كل مصادرها من مساقط المياه بنهر النيل فى السد العالى وسد أسوان، ولم يتبق لها سوى 3 مشروعات صغيرة على قناطر إسنا ونجع حمادى وأسيوط، وجميعها لن تنتج أكثر من 200 ميجاوات، ما يستلزم اعادة بناء أجسام هذه القناطر مرة أخرى.
وبدأت مصر فى عام 1975، الاتصال بالشركات المتخصصة فى بناء المفاعلات النووية، وتم الانتهاء من الدعوة لتقديم العطاءات فى فبراير من نفس العام، وتقدمت شركتا جنرال اليكتريك، ووستنجهاوس الأمريكيتان بعطاءين، ووقع الاختيار على وستنجهاوس، لتبدأ المفاوضات معها بإصدار خطاب نوايا للشركة فى مارس 1976، وتم اختيار استشارى أمريكى هو "بيرنز أندرو"، وكانت مصر تأمل فى التعاقد معها خلال عام 1979، إلا أن المفاوضات مع الأمريكيين، لم تنته حتى مغادرة الرئيس الأمريكى جيمى كارتر البيت الأبيض فى 1981، لتحول مصر جهودها وآمالها تجاه أوروبا.
وتمكنت مصر بعدها من الاتفاق مع فرنسا، فسارعت أمريكا بإرسال وفد للقاهرة يعرض على مصر بيع مفاعلات نووية أمريكية، وتم توقيع بروتوكول يمكن بمقتضاه شراء مفاعلات أمريكية الصنع، ثم تمكن وزير الكهرباء الأسبق ماهر أباظة، من اقناع ألمانيا ببيع مفاعلات لمصر، كما بدأت مفاوضات مع فرنسا لشراء مفاعل نووى مزدوج 2 ــ 1000 ميجاوات لمشروع الضبعة النووى، ولكن عجزت فرنسا عن تقديم التمويل الأجنبى، فقررت مصر طرح مناقصة محدودة بين الشركات الموردة للمفاعلات فى الدول الثلاث، وقدمت شركتا وستنجهاوس، وكمباشن انجيبرج الأمريكيتان، وفراماتوم الفرنسية وسيمنس الألمانية، عروضها فى أبريل 1982، وتمت دراسة العروض بواسطة الخبراء المصريين والاستشارى الألمانى موتور كولومبس، وتمت الموافقة عليها بصفة نهائية فى نوفمبر من نفس العام.
خلال شهر يناير 1984، طلبت وزارة الكهرباء من شركات وستنجهاوس الأمريكية وفراماتوم الفرنسية وكرافت ويرك يونيون الألمانية، تقديم مقترحاتها بخصوص التمويل اللازم من العملات الأجنبية.
وقدمت الشركات عروضها فى إبريل من نفس العام، وفاز العرض الألمانى من حيث الأمان النووى فنيا وماليا، فقاد اللوبى الصهيونى بالولايات المتحدة، حملة شرسة للضغط على واشنطن لإيقاف الصفقة، ودفعت مصر باحتياجها لمفاعلات توليد الطاقة، وأكدت واشنطن تفهمها للموقف المصرى، لكنها فاجأت القاهرة، بتقديم عرض جديد من شركة وستنجهاوس لمعدات مستعملة لمفاعل نووى بقدرة 900 ميجاوات، سبق أن بنته الشركة لمشروع وادى تنيسى بالولايات المتحدة ورفضه مجلس إدراة المشروع، لوجود اخطاء جسيمة فى التصنيع، وبرغم مخالفة الطلب الامريكى للقوانين الدولية المنظمة للمناقصات العالمية، فإن هيئة المحطات النووية، قامت تحت ضغط أمريكى بدراسة العرض وأكدت أن المعدات لا تصلح.
وفى الوقت نفسه، علمت وزارة الكهرباء المصرية، أن نسبة التمويل التى ستقدمها البنوك الأمريكية لهذا العرض لا تتعدى 19% من اجمالى التمويل المطلوب، وأن باقى التمويل ستقدمه شركة ميتسوبيشى اليابانية مع 5 دول أوروبية، تشترك مع وستنجهاوس فى الكونسرتيوم، وفجأة وبدون أية مقدمات، نشر البنك الدولى ملخصا لدراسة أكد فيها أن سبيل مصر فى توليد الطاقة يعتمد عل
محطات تعمل بالفحم.
نشر البنك الدولى دراسته المتضمنة مغالطات مالية وفنية، فى أوسع الصحف العالمية انتشارا، حضر إلى مصر نائب رئيس البنك الدولى ليخطر المسئولين المصريين بضرورة التخلى عن البرنامج النووى والاعتماد على محطات الفحم، وردت هيئة المحطات النووية، بدراسة أثبتت فيها أن كل ما جاء بدراسة البنك خطأ، وأنها احتوت على أخطاء متعمدة فى تقدير تكاليف الانشاء وثمن الوقود والصيانة والتشغيل.
وكان موقع التسريبات الشهير "ويكيليكس"، نشر وثيقة تناقلتها وسائل الإعلام المصرية، لبرقية بعثت بها السفيرة الأمريكية لدى القاهرة مارجريت سكوبى إلى بلادها، وتحدثت فيها عن إبرام الحكومة المصرية، عقدا مع شركة «وورلى بارسونز» الأسترالية، لتقديم خدمات استشارية للمساعدة فى تطوير أول محطة للطاقة النووية فى مصر، وأشارت سكوبى فى البرقية، إلى أنه رغم تعثر المحادثات المصرية مع شركة «بكتل باور» الأمريكية، التى سبق وأن فازت بعطاء للصفقة، وتم استبعادها، بأنه مازالت هناك فرصة لحضور أمريكى كبير فى المشروع المصرى، حيث ان 40٪ من أصول الشركة الأسترالية أمريكية، كما أن الشركة توظف أكثر من 1500 أمريكى فى 24 مكتبا فى الولايات المتحدة، بحسب ما نقلته السفيرة عبر البرقية، ما كشف إمكانية التهديد الأمريكى للبرنامج فى أية لحظة.
وكان إقدام وزير الكهرباء والطاقة الأسبق د. حسن يونس فى عام 2009، على سحب صفقة الخدمات الاستشارية من بكتل الأمريكية، قد جاء بعد تيقنه من عدم جدية الشركة، وأن خبراءها ظلوا طوال الوقت يكثرون من الأسئلة، وأظهروا قدرا كبيرا من عدم الثقة والتشكك فى نيتهم تنفيذ المشروع.. وهو ما دفع الوزير لتوجيه انذار رسمي للشركة الأمريكية، وبعد اسبوع اتخذ قرار سحب المناقصة وهو ما فوت على الشركة فرصة اللجوء للتحكيم.