مهرجان جبل البركل في السودان.. الأحفاد يعانقون الأجداد

مهرجان جبل البركل في السودان
كتب : وكالات

تختتم فعاليات مهرجان جبل البركل للسياحة والتسوق والاستثمار بالسودان، في نسخته الثالثة، غدا الخميس، بحضور النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول ركن بكري حسن صالح وعدد من المسئولين.

وافتتح الرئيس السوداني عمر البشير، مساء الأربعاء الماضي، فعاليات المهرجان، الذي يقام بالولاية الشمالية، تحت شعار "الأحفاد يعانقون الأجداد" وتضمن عروضا نيلية وندوات وليالي ثقافية وفنية.

وقال أمين عام المهرجان الفريق عبد الرحمن حطبة، إن المهرجان سياحي ثقافي فني تراثي تسويقي يهدف إلي الترويج للسياحة بالمنطقة، وتسليط مزيد من الأضواء عليها، باعتبارها من أقدم المناطق التاريخية في العالم، ومنبعا للحضارات، وذلك من خلال عدد من الفعاليات والأنشطة التي تقام حول المناطق الأثرية في "الكرو" و”الغزالة” وغيرها.

وأضاف أن السودان تتطلع إلى تحقيق العديد من الأهداف من خلال المهرجان، علي رأسها محاولة استعادة الآثار السودانية التي تم تهريبها إلى خارج البلاد، بواسطة جهود تقودها منظمات المجتمع المدني، بجانب الوصول إلى خارطة طريق تساهم في إعادة كتابة تاريخ السودان من خلال ثوابت ومخطوطات معتمدة عالميا، حصل عليها مؤرخون أجانب كالمؤرخ الإنجليزي "ألانمورهيد" في كتابيه النيل الأزرق والنيل الأبيض، حتي نصل لكتابة تاريخ حقيقي يضاهي ماهو موجود من الآثار السودانية والحضارات المروية.

وتابع أنه من الناحية الثقافية يساهم المهرجان في إظهار السودان ببعده الثقافي المتميز لما ينعم به من استقرار حباه به الله، حتى نؤكد تاريخيا أننا شعب إنساني في المقام الأول، ونهتم بالإنسانية ونكرم المرأة، حيث أشارت المخطوطات التاريخية إلى أن هناك سلسلة من الحاكمات السودانيات "حوالي 29 حاكمة" من العنصر النسائي.

وأشار إلى أن الأهمية التاريخية للجبل وفقا للوثائق التاريخية، تأتي بأنه كان عاصمة مملكة "نبتة" في القرن الثامن قبل الميلاد ومن هذا المكان حكم الملوك السودانيون الأوائل، السودان ومصر ومدوا نفوذهم لفترة وجيزة حتى حدود فلسطين، وشيد ملوك نبتة الكثير من المعابد والقصور عند جبل البركل ومعبد أبو دوم.

وقال إن قدماء المصريين كانوا يعتقدون في قدسية هذا المكان ولذلك أطلقوا عليه اسم (وعب_جو) وتعني في اللغة المصرية القديمة (الجبل المقدس أو النقي) ولهذا السبب قام المصريون ببناء معبد كبير لإلههم آمون قبل 1500 عام من الميلاد، وكانوا يعتقدون أن الإله يسكن داخل هذا الجبل، كما تم دفن ملوكهم في مقابر الكرو وأهرامات نوري والبركل.

ونوه بأن الطفرة العمرانية والخدمية التي شهدتها المنطقة بعد قيام سد مروي والمشاريع المصاحبة له، خاصة في مجال البنية التحتية، ساعدت في تيسير الكثير من الأمور، حتى يخرج المهرجان في أفضل صورة، موضحا أنه في المجال الصحي يوجد عدد من المستشفيات الحديثة في مروي وكريمة، وفي النقل والطرق هناك مطار مروي الدولي، وطريق شريان الشمال، إضافة لعدد من الطرق الداخلية التي تربط المنطقة بمدينة دنقلا عاصمة الولاية الشمالية.

وأوضح أن المهرجان هذا العام شهد العديد من الفعاليات الفنية والثقافية، بدأت بقيام رئيس الجمهورية بتدشين عدد من المعارض، ومنها معرض الحيوانات البرية والمحنطة، وآخر للتراث، وثالث للكتاب، ورابع للصور، وخامس للمخطوطات التاريخية، وسادس للفلكلور، وأخيرا معرض الاستثمار.

وأضاف أنه تم خلال المهرجان عقد 70 زيجة لـ 140 عروسا وعريسا، فيما شهدت الليالي الثقافية مشاركة عدد من أشهر الفنانين السودانيين، الذين قدموا حفلات ساهرة لاقت إقبالا وتجاوبا كبيرا من الجمهور من داخل وخارج السودان، لافتا إلى تنظيم عدد من الأمسيات الأدبية والشعرية والسوق الخيري والخيمة الصحية، بجانب مجموعة من الرياضات النيلية والسباقات الرياضية التي أسعدت رواد المهرجان.

وحظي افتتاح المهرجان، الذي أقيم على سفح جبل البركل، بحضور حشد من ضيوف السودان من الدول الشقيقة والصديقة، والمهتمين بالسياحة والمسئولين على المستوى الاتحادي والولائي وجمهور غفير من أهل الشمالية.

وكشف رئيس المنظمة العربية للسياحة، الدكتور بندر بن فهد الفهيد، خلال الافتتاح، عن منح المهرجان جائزة المنظمة، ضمن أفضل المهرجانات السياحية في عام 2016 وقلده الرئيس السوداني وسام النيلين من الطبقة الأولى، تقديرًا لجهوده التي ظل يبذلها في دعم السودان في مجال تطوير السياحة والترويج السياحي.

وترجع بداية المهرجان لشهر ديسمبر عام 2014، حيث قرر الرئيس السوداني حينها تنظيم المهرجان السياحي سنويا في مثل هذا التوقيت من كل عام، للعمل على تنشيط السياحة داخل السودان، في ظل ما تمتلكه من آثار تحمل تاريخ حضارة وادي النيل والتي يتطلع السائحون من مختلف دول العالم لزيارتها.

وأكد الرئيس حرص السودان على تدعيم صناعة السياحة بالتعاون مع المستثمرين العرب في هذا المجال، بما يساهم في زيادة الدخل القومي للدولة وتحقيق الاستفادة للمستثمرين والمواطنين السودانيين فضلا عن إيجاد فرص عمل متخصصة في هذا المجال.

ويعد مهرجان جبل البركل للثقافة والتراث والاستثمار، ضمن الخطط الاستراتيجية في تنمية السياحة الوطنية المستدامة بالسودان، ويتضمن فعاليات سياحية وتراثية، تربط ما بين الماضي الأصيل والحاضر المشرق الجديد، لمواكبة الحضارات المعاصرة والتعريف بالسودان وتاريخه الضارب في أعماق جذور الإنسانية وعلومها.

وبدأت فكرة المهرجان شعبية بحتة عاشت في قلوب السودانيين، وتم توفير كل وسائل الراحة للسياح، إضافة إلى إنشاء منتجع سياحي ومطعم بالقرب من الجبل، ويمثل المهرجان حدثا قوميا يهدف إلى توظيف كل المقومات السياحية المختلفة، خصوصا النمط السياحي الثقافي والتراث لتوفير تجربة سياحية، تكمن بداخلها فرص استثمارية، بجانب الترفيه من خلال الرياضات النيلية والألعاب الشعبية ومغامرات الصحراء والحياة البرية، كما أنه فرصة لعمل دراسات إنسانية هامة.

ويبعد جبل البركل نحو (400) كيلومترًا شمال (الخرطوم) في إقليم النوبة جوار مدينة كرمة عند الانحناء النيلي الكبير، حيث يمتاز بقمته المسطحة ويعد من المعالم الأساسية في الطرق التجارية بين وسط أفريقيا والجزيرة العربية ومصر، ويمتاز بموقعه الذي يعد ممرًا للنيل إلى كلتي الضفتين، وكذلك لكونه يشكل جزءًا أساسيًا من حضارة (نبتة) التي نشأت على سفوحه، وفي عام (2003) تم إعلان الموقعين الأثريين (نبتة وجبل البركل) ضمن المواقع التابعة للتراث العالمي الإنساني التابعة لليونسكو.

وتعتبر حضارة كرمة (2500ق م-1500ق م) الجذور الحقيقية التي شكلت هوية وصياغة الشخصية السودانية، إذ كانت حضارة محلية أفريقية تمكن ملوكها من الحفاظ على سلطتهم قرابة الألف عام وامتدت حدودها جنوبا حتى الشلال الرابع وشمالا إلى منطقة الشلال الأول، كما اشتهرت حضارة مملكة كرمة باستخدام كافة الفنون العسكرية إلى جانب شهرتها في مجال الصناعة خاصة صناعة الفخار، إضافة لازدهار صناعة البرونز والحديد، وعرفت كرمة صناعة الطوب الأحمر، وبقى من آثار هذه الحضارة موقعي الدفوفة الغربية والشرقية بمدينة كرمة الحالية، وتبعد عن جبل البركل 221 كيلومترا شمالا، وكان جبل البركل رمزا دينيا مقدسا خلال فترة الممالك الوسطى ومملكتي نبتة ومروي وعنده قامت مملكة نبتة.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً