مائة يوم تفصلنا عن السباق الرئاسي الفرنسي وأجواء الترقب تزداد داخل الساحة السياسية خشية من وقوع مفاجأة من العيار الثقيل بفوز مارين لوبن، زعيمة اليمين المتطرف، ووصولها إلى سدة الرئاسة خاصة مع إظهار استطلاعات الرأي إحرازها تقدما مستمرا يوما تلو الآخر.
"اقتراب حلم الرئاسة"
لم تكن مارين لوبن في يوم قريبة من مقعد الرئاسة مثلما اقتربت في السباق الرئاسي الحالي، فخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية فضلا عن انعدام ثقة الشعب الفرنسي في النخب السياسية التقليدية في فرنسا وتشككه في قدرة هذه النخب على حل مشكلاتهم، كل هذه العوامل قد ساهمت في تعزيز فرص لوبن في الوصول إلى سدة الرئاسة وتحقيق الحلم الذي طالما راودها هي وأبيها جون ماري لوبن منذ تأسيسه لحزب الجبهة الوطنية منذ أكثر من أربعين عاما.
وكشفت آخر استطلاعات الرأي التي أجراها معهد "سيفيبوف" لجريدة "باريماتش" الفرنسية الأسبوع الماضي حصول لوبن على أعلى نسبة تصويت في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية متقدمة بذلك لأول مرة على منافسها اليميني فرنسوا فيون بينما جاء الاشتراكي ايمانويل ماكرون، وزير الاقتصاد السابق، في المركز الثالث، غير أن هذا الاستطلاع أظهر أن فيون سيلحق الهزيمة بلوبن في الجولة الثانية من الانتخابات بحصوله على 64 % من الأصوات مقابل 36 % للوبن.
"أفكار متطرفة"
ويتفق فريق كبير من المراقبين على أن لوبن بمثابة الخيار الصعب في السباق الرئاسي الفرنسي وأن فوزها المحتمل يشكل كابوسا مرعبا ليس فقط في الداخل الفرنسي ولكن أيضا على الصعيد الأوروبي، فالبرنامج الانتخابي الذي أعلنت عنه مرشحة اليمين المتطرف يحمل بعض السياسات التي في حالة تطبيقها ستحدث تغيرات جذرية على كافة المستويات.
ومن بين هذه السياسات ما أعلنت عنه لوبن أنها تنوي التفاوض مع الاتحاد الأوروبي لاستعادة بعض الصلاحيات من بروكسل بهدف إحكام السيطرة على حدودها وسيادتها الاقتصادية والنقدية، وأنه في حالة تعذر تلك المفاوضات فإنها ستلجأ إلى تنظيم استفتاء شعبي حول عضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبي، أو ما أطلقت عليه "فريكست" النسخة الفرنسية من الـــ "بريكست".
ويعتبر هذا السيناريو بمثابة سيناريو كارثي للاتحاد الأوروبي، ففرنسا هي المحرك الرئيسي لهذه الكتلة وإذا كان خروج بريطانيا قد أحدث زلزالا قويا إلا أنه لم ينه الاتحاد، لكن خروج فرنسا، في حال حدوثه سيكون أمرا كارثيا قد يؤدي إلى انهيار الاتحاد الأوروبي وانفراط عقده.
وأكدت لوبن أن استعادة السيطرة على الحدود الوطنية من شأنه تعزيز السيطرة على حرية التنقل بين دول الكتلة الأوروبية وبالتالي الحد من الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها البلاد خلال السنوات الأخيرة.
كما شددت لوبن على ضرورة عودة السيادة النقدية وخروج فرنسا من منطقة اليورو واستعادتها لعملتها الوطنية، فهي ترى أن اليورو يمثل عبئا على القوة الشرائية وعقبة في طريق التنمية الاقتصادية وتشغيل الأيدي العاملة الفرنسية.
"الخروج من اليورو"
ويرى المراقبون أنه في حالة فوز لوبن وتنفيذ وعودها بإخراج فرنسا من منطقة اليورو فإن ذلك سيشكل سابقة من نوعها لم تسلكها أي دولة أخرى في المنطقة وستكون له تداعيات كارثية على الاقتصاد الفرنسي حيث أنه سيؤدي إلى هروب جماعي لرؤوس الأموال خارج البلاد بمعنى أن يقوم المستثمرون بسحب أموالهم الموجودة في فرنسا، سواء في البنوك أو البورصة، لاستثمارها خارج الحدود الفرنسية.
كما أن هذه الخطوة من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة على الديون الفرنسية لأنه عندما قامت الأسواق المالية بإقراض فرنسا فإنها قد أقرضت دولة داخل الاتحاد الأوروبي الذي يمثل كتلة سياسية ونقدية قوية ومستقرة أما في حالة خروج فرنسا من منطقة اليورو وعودتها إلى عملتها الوطنية "الفرنك" فإنها بذلك تفقد أحد مصادر قوتها في الأسواق.
"القضاء على الهجرة الغير شرعية"
ومن السياسات أيضا التي تثير الجدل بشأن لوبن هو عزمها خفض معدلات الهجرة الشرعية إلى فرنسا لتصل إلى 10 آلاف شخص سنويا فقط، وذلك من خلال فرض قيود على السماح للفرنسيين المقيمين في البلاد باستقدام عائلاتهم.
كما أنها ستقلص أعداد المهاجرين القادمين بغرض العمل وستجعلها تقتصر فقط على القطاعات المحتاجة، وترى لوبن أن هذه السياسة ستساعد في توفير 8 مليارات يورو سنويا أي ما يعادل 40 مليار يورو خلال فترة الولاية الرئاسية التي تستمر خمس سنوات، كما أنها ستساهم في الحد من مشكلات البطالة وخلق فرص عمل للمواطنين المقيمين في البلاد.
في ضوء هذه السياسات يتخوف المراقبون من أن يجذب برنامج لوبن قطاعات كبيرة من الفرنسيين خاصة في ظل الاستياء الواضح من السياسات الحالية للحكومة اليسارية، فالتدفق غير المسبوق لموجات المهاجرين، وتصاعد الهجمات الإرهابية فضلا عن انعدم الأمن الاقتصادي وتفاقم معدلات البطالة كل ذلك قد دفع المواطنين للبحث عن بدائل أخرى أكثر تطرفا بعيدا عن النخب التقليدية أملا في تحسين الأوضاع.
كما تحاول لوبن إبعاد خط حزبها الرسمي عن لغة التطرف والعنصرية التي اقترنت بها في السابق ونجحت بالفعل في كسب أصوات خارج قاعدتها الانتخابية حيث أصبح حزبها هو المفضل بين عمال القطاع العام الفرنسي بعد أن كانوا مؤيدين لليسار على مدار تاريخهم.
فضلا عن ذلك تحظى لوبن بميزة مهمة هي أنها لم تشارك ابدا في السلطة، وهو ما قد يمتص العديد من الجوانب التي لا تحظى بمصداقية كبيرة في برنامجها وقد يشجع الناخبين على انتخابها، الأمر الذي –في حالة وقوعه سيحدث انقلابا جذريا ليس فقط على المستوى الفرنسي بل على صعيد القارة الأوروبية بأكملها.