يمثل العشرين من يناير 2017 حدثاً أمريكياً وعالمياً مهماً بتنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب سدة الحكم والرئاسة الأمريكية بشكل رسمي، وبقدر الإثارة التي شهدتها الانتخابات الأمريكية بين ترامب الجمهوري وهيلاري كلينتون الديمقراطية، بقدر ما يتوقعه المحللون السياسيون الأمريكان والغرب والعرب بشكل عام من إثارة وتساؤلات كثيرة بشأن كيف يحكم ترامب؟ وما هي الملامح والمؤشرات التي يمكن من خلالها توقع سياساته الداخلية والخارجية؟.
ويؤكد المحللون أن ترامب أثبت أنه المرشح التحولي الذي نجح في تجاوز الأساليب التقليدية للتنظيم السياسي، وبالتالي أعاد كتابة قواعد الحملات السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وأعاد صياغة المفاهيم السياسية المتعلقة بالعملية الانتخابية الأمريكية، وتحدى كل التابوهات السياسية، وأدخل عناصر جديدة على المجتمع السياسي الأمريكي فاقت الجيلين السابقين.
كيف سيحكم ترامب؟
إذا كانت شخصية الرئيس المنتخب دونالد ترامب مبنية على أنه أحد أباطرة المال والأعمال والإقتصاد، وخارج أية قيود إيديولوجية وسياسية، فهو سيكون أكثر تحرراً في مواجهة الكونجرس ذي الغالبية الجمهورية، خاصة أن ترامب غير مدين حتى للجمهوريين بوصوله إلى البيت الأبيض من جهة، ومن جهة أخرى، هو رجل براجماتي بعقل تجاري لا تعنيه المبادىء الثابتة للمؤسسة السياسية الأمريكية.
وثمة بعض المؤشرات التي يمكن من خلالها التوقع حول الكيفية التي سيكون عليها حكم الرئيس ترامب بصفة عامة وكيف سيتعامل مع الملفات الساخنة في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط، من أبرز هذه المؤشرات ما يلي:
- أولاً: أنه رجل أعمال وليس دبلوماسيا: وهذا يعطيه قدرة عالية على التخلي عن التصريحات التي يثبت أنها غير مناسبة، وهذه المرونة تحير الساسة والدبلوماسيين.
- ثانياً: إزدراء التقاليد السياسية: بما أن ترامب ليس عضواً في المؤسسة السياسية الأمريكية، وما يترتب على تلك العضوية من احترام للتقاليد والأعراف السياسية والدبلوماسية للرؤساء، فإن ذلك يمنح ترامب قدرة عالية على عدم الالتزام بها.
من هنا ثمة ضبابية كبيرة وغموض حول النهج السياسي للإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة الرئيس الجمهوري الجديد "دونالد ترامب" على الصعيدين الداخلي والخارجي. فطروحات ترامب السياسية والاقتصادية وعلاقته بالمؤسسة السياسية الأمريكية وعلاقته مع القارة الأوروبية ورغبته بفض الشراكة السياسية والاقتصادية والعسكرية عبر الأطلسي والانسحاب من حلف الناتو، وتهديده للشركات العالمية وحلفاء الولايات المتحدة في شرق أسيا (التي اتهمها بالتطفل على قوة أمريكا)، ومغازلته للدب الروسي وغيرها من الأمور تشغل بال الكثيرين، لاسيما الأمريكيين.
- ثالثاً: نمو التيار الشعبوي: فقد كشف فوز ترامب عن تصاعد الحركات الشعبوية المناهضة للسياسات الأمريكية، وبالتالي أعطى ثقة كبيرة للأحزاب اليمينة المتطرفة والتيارات الشعبوية في أوروبا، لاسيما وأن هذه الأحزاب تتغذى على ردود الفعل الداخلية جراء سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه القضايا الوطنية مثل أزمة اللاجئين وموضوع الهجرة إلى أوروبا وتعمق الإرهاب والضربات الإرهابية التي تشهدها أوروبا من تنظيم "داعش" أو غيره من التنظيمات الإرهابية.
هذا التوجه اليميني تجاه الكثير من الأزمات والملفات سيكون حاضراً دوماً في المشهد السياسي الأمريكي في الداخل وفي الخارج، وسيكون له عواقب سياسية كثيرة.
ملامح كاشفة
إزاء تلك المؤشرات، فإنها كاشفة للملامح العريضة للسياسة الأمريكية المرتقبة في العالم بصفة عامة والشرق الأوسط بصفة خاصة، وفي محاربة الإرهاب والتنظيمات الراديكالية بصفة أخص.
- أولاً: الغموض وعدم اليقين: فقد أكد المحلل السياسي الأمريكي "يوري فريدمان" في مقال له في مجلة (ذي آتلانتيك) الأمريكية، أن الشيء الأكثر غموضا بالنسبة للمصالح الأمريكية في العالم الحالي قد لا تكمن في روسيا أو كوريا الشمالية أو الشرق الأوسط، بل في الولايات المتحدة نفسها، لأن الرئيس الأمريكي ترامب قال في مناسبات عدة "إنه سيبتعد بشكل كبير (من ناحية الأسلوب والجوهر) عن عقود من الاتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين حول الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الأميركية".
وهذا وفقاً لفريدمان سيزيد من عدم اليقين والتنبؤ بمستقبل العلاقات الأمريكية العالمية سواء بالنسبة للأوروبيين أو الحلفاء الشرق أوسطيين وشرق أسيا، ولربما سيعيد ترامب طريقة تنظيم العالم - على حد قول يوري فريدمان ـ وقد يدخل في صراع سياسي مع المؤسسات السياسية والأمنية الأمريكية في واشنطن، لاسيما بخصوص التقارب مع الروس وفض الشراكة السياسية والاقتصادية والعسكرية مع أوروبا والخروج من حلف الناتو.
بل ويري فريدمان أنه ربما يزداد الوضع سوءً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية في حال جازف ترامب بعلاقاتها مع الغرب وأقدم على تفكيك الاتفاق النووي مع دول (5+1) متجاهلا دور الأمم المتحدة والاطراف الدولية الأخرى. فضلاً عن تهديده للمكسيك وبعض دول القارة الأمريكية. وقد تلتقي الطروحات الترامبية في توجهاتها السياسية العريضة مع التطورات السياسية التي ستشهدها القارة الأوروبية في حال تمكن اليمين المتطرف من التسلق إلى سدة الحكم. مما يعني بأن القارتين الأوروبية والأمريكية والعالم أجمع مقبل على تغيرات في بنية النظام السياسي الدولي بشكل كبير للغاية.
- ثانياً: أولويات لمواجهة "التنظيمات الراديكالية": إذ جاء اختيار الرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب" الجنرال "مايكل فلين" الرئيس السابق لوكالة استخبارات الدفاع بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) لتولي منصب مستشار الأمن القومي بإدارته ليؤكد عزم إدارة ترامب على مواجهة الإرهاب بكل تنظيماته، على أن تكون المواجهة من خلال عدد من الآليات يتمثل أولها في تنظيم كافة الموارد والجهود الأمريكية تحت قيادة وطنية واحدة تتحمل مسئولية التعامل بجديّة مع مخاطر التنظيمات المتطرفة كما لو أنها "حرب عالمية"؛ نظرًا لأن تهديدات تلك التنظيمات على الأمن القومي لا تختلف عن تهديدات الحرب العالمية الثانية أو الحرب الباردة.
ثاني الآليات يتمثل في ملاحقة المتطرفين: وضرورة تتبُّع "الراديكاليين" في جميع أنحاء العالم وليس في الدول التي تشكل تهديدًا فقط على الأمن القومي الأمريكي، وذلك بطردهم من أي أراضٍ يوجدون بها، أو ملاحقتهم في معسكرات التدريب التي تأويهم، وذلك من خلال التعاون مع حكومات تلك الدول، ليس هذا فحسب، إنما مواجهتهم في الداخل وتنقية المجتمع الأمريكي منهم أولاً.
أما ثالث الآليات وهو تغيير سلوك وإجبار الدول التي تقوم بتقديم الدعم أو التمويل للتنظيمات "الراديكالية" على التوقُّف عن ذلك فورًا، وذلك بالتهديد بقطع العلاقات العسكرية والاقتصادية معها.
- ثالثاً : ملفات الشرق الأوسط الملتهبة : ستكون الأزمة السورية وإنهاء ملف تنظيم "داعش" والحرب على الإرهاب، وكذلك الصراع في اليمن والصراع الإقليمي في المنطقة على رأس التحديات السياسية والأمنية التي تتطلب التعامل الأمريكي معها بأسلوب ترامب وإدارته الجديدة بكل توجهاتها.
ويبقى القول أن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب لا شك أنها ستكون مختلفة تماماً لإدارتها لملفات السياسة الأمريكية على مستوى القضايا الداخلية، أو على مستوى القضايا الخارجية التي تتشابك مع قضايا العالم في آسيا بتعدد قواها السياسية وأفريقيا بموارها الغنية ودولها الفقيرة والشرق الأوسط بتعقيداته وتشابكاته وحتى ما وراء البحار.