كعادة كل الأشياء القابلة للتطور والتغير والتفاعل مع الزمن، يتغير التفاعل بين الجنسين في مصر، واحتكاكهم في الشارع والمواصلات والحياة العامة، ومن أبرز أشكال هذا التطور هو التحرش أو ما كانت تعرف قديما بالمعاكسة وهو ما نرصده عبر مواقف من أدباء أو مشاهد سينمائية وأغاني التي وثقت هذه المراحل.
في العشرينيات من القرن الماضي لم تكن اللغة السائدة ومساحة الحرية تسمح لأحد الرجال إلا بالتودد عن بعد مطريا على مشية وملابس الهوانم، وحتى الخادمات والفتيات الشعبيات في الأسواق، وكانت ألفاظ مثل "أنا ممنون للصدفة المدهشة دي"، و"ربي يحرس ويصون"، وغيرها من الجمل التراكيبية مثالا واضحا على المعاكسات وقتها وجسد ذلك أفلام العشرينات مثل فيلم ليلى وبنت النيل وغيرها.
لم تختلف الثلاثينيات عن العشرينات إلا في زيادة مناخ الجرأة خاصة مع سياسة اتبعتها الدولة المصرية بالانفتاح على الثقافات الأجنبية وخير ما دلل على ذلك ما نشره الكاتب الصحفي فكري أباظة عام 1932 قائلا (إن الشاب الصفيق نت هؤلاء يتعمد الوقوف على رصيف محطة الترام بالقرب من المكان المخصص لركوب السيدات وعندما يجد سيدة تقف بمفردها، يقترب منها بمنتهى البجاحة ويقول لها "بنسوار ياهانم").
في الأربعينيات ومع طفرة انتشار السينما والمسرح اختلفت اللهجة الخاصة بالمعاكسة وصارت أكثر جرأة وهو ما رصدته السينما أو دعت في عدة مشاهد مثل جمل "أنا عبدك ومحسوبك" و"نظرة والنبي".
في الخمسينيات ومع التطور وتغير الأحداث الاجتماعية في مصر بعد ثورة يوليو 1952، وتطور نمط المعاكسات لتصبح مثل "أموت أنا" ودعوات صريحة للخروج والتنزه وانتشار المعاكسات لشباب يستقلون السيارات.
أما في الستينيات ومع انتشار الفقر عقب الثورة صارت الفتيات تشجع الشباب راغبات في اصطياد زوج وتجرأ الشباب في ألفاظ صريحة مثل "ماتيجي.." وحينما كانت ترفض الفتيات صاروا يتغاضوا بلطف عن تكرار المحاولة.
في السبعينيات ومع انتشار أفلام المقاولات وظاهرة الانفتاح التي دعا لها الرئيس الراحل أنور السادات، أصبحت المعاكسات تأخذ طورا فجا يختلف عن سابقيها من الكلمات اللطيفة والإشادة بالجمال والملابس الأنيقة، بل صارت لوصف مناطق أجساد النساء بدءا بالعيون والرموش والحواجب والخصر "الوسط" وهو ما أكدته العديد من الأغاني الشعبية لهذه الفترة.
في الثمانينيات ومع بداية رجوع المصريين من الخليج اتخذت المعاكسات وبداية التحرشات غطاء دينيا مغلفا بالدعوات مثل "اللهم صل على كامل النور" و"يا أرض احفظي ما عليكي" و"الله أكبر على جمالك" وغيرها.
في التسعينيات كان الموضوع أكثر فجاجة وسط تمنع من الدولة المصرية على مواجهة الظاهرة، فصارت بدلا من انحسارها فقط أمام الكافيهات أو السينمات أو أماكن التنزه لتصبح في النوادي والمدارس ولعل الحادثة الأشهر والأفجع ما حدث مع معلمة في التسعينات حينما مزق طلابها ملابسها خير شاهد على ذلك.
ومع بداية الألفية ودخول التكنولوجيا بقوة إلى مصر والانفتاح يوميا ولحظيا على الثقافات الأخرى وانتشار أفلام البورنو بين الشباب والمقاطع الفيديو الصغيرة المصورة، صارت التحرشات تقترن بتصوير الفتيات رغما عنهم في أوضاع تبدو عادية كسير فتاة في الشارع أو ركوبها الأوتوبيس وربما لاحق أحد الشباب فتاة ليصورها أثناء وقوعها أو غيرها وصار التحرش باللمس والخبط على الأكتاف والأرجل وهو ما رصدته دراسات حديثة.
ومع دخول عام 2017 نستطيع أن نؤكد بملء الفم أن التحرش أصبح في أخطر حالاته وصوره وأشكاله فقد تخطى نطاق الشارع والمدرسة ومكان العمل والمستشفيات والمحاكم وكل الأماكن العامة ليكون عبر النطاقات الخاصة وعبر الفيسبوك وصارت جمل مثل "يامزة " و"هاتي حته يابت هاتي بوسة يابت " وشتائم أبسط ما تواجهه الفتيات.