كثيرًا منا لا يعرف مصطلح الانترنت العميق أو "الديب ويب"، أحد أكثر البقاع المظلمة التي لا يمكن حتى لمحرك البحث جوجل نفسه الوصول له، وأقصى ما يصل له سوى إلى 16% فقط من المحتوى على شبكة الإنترنت المكونة من طبقات، أغلبها لا يظهر لنا.
من طبقات الإنترنت ما هو تحت الأرض، إن جاز التعبير، أو أعمق من قدرة محركات البحث أن تنقب عنه وتصل إليه، هذه المساحة الكبيرة من الشبكة، تعرف باسم شبكة الإنترنت العميقة، أو deep web.
«الإنترنت العميق»
يصف الباحثون والمتخصصين في الشأن التكنولوجي، ما تقوم به محركات البحث الأشهر، بالاصطياد في البحر عبر الشباك، الكثير من المعلومات تقع في الشباك كما نظن، لكن ثمة عالم كامل، مُعقد، وفسيح في أعماق هذا البحر المعلوماتي المسمى بشبكة الإنترنت.
يعود السبب في ذلك إلى أنّ شبكة الإنترنت، تنقسم إلى طبقات متباينة من حيث إمكانية الوصول إليها: هناك السطح، وهو ما نعرفه عنها، والذي تستطيع محركات البحث “التقليدية” الوصول إليه. الطبقة الثانية وهي الطبقة البينية بين سطح الشبكة وعميقها. هذه الطبقة غالبًا لا تحتوي على ما يثير الارتياب، كل ما في الأمر أن الموقع في هذه الطبقة من شبكة الإنترنت يستخدم الآي بي (IP) بدون اسم نطاق له، ما يُصعب الوصول إليه، فإما أن تجرب عددا لا نهائيا من عناوين الآي بي، أو أن تستطيع الوصول إلى عنوان الآي بي المحدد.
ولأنّك تعرف اسم النطاق سيسهل عليك الوصول مباشرة إلى الموقع، مثل شبكات المحمول، لكل جهاز محمول رقم، واسم مستخدم، إن لم تكن تعرف اسم المستخدم لن تستطيع الوصول إلى الرقم بسهولة والاتصال به.
أمّا الطبقة الثالثة، والتي نحن بصدد الحديث عنها، هي طبقة الإنترنت الأكثر عمقًا وإثارة للريبة في نفس الوقت، والتي تُعرف باسم “ deep web” أو “Hidden Internet”. البعض يسميها بشبكة الإنترنت المُظلمة (Dark Web)، ولكن للدقة، تجدر بنا الإشارة إلى أنّ شبكة الإنترنت المظلمة هي جزء من العميقة وليست مرادفًا لها بالتمام.
مساحة الشبكة العميقة
تؤكد الدراسات والاختصاصات إنها عميقة إلى الحد الذي تؤكد فيه أن 16% فقط، هي نسبة ما نستطيع الوصول إليه على الإنترنت، بعض الدراسات الأخرى تشير إلى أن النسبة لا تتجاوز 4%، والبعض الأكثر تشاؤمًا، يقول إنها 1% فقط.
كذلك أوضحت بعض الدراسات أن أي عملية بحث لا تكشف سوى عن ما نسبته 0.03% فقط من المعلومات على شبكة الإنترنت، والباقي يقبع في الأعماق التي لا تستطيع محركات البحث، بما فيها جوجل، الوصول إلى بياناتها، ومن ثمّ أرشفتها وفهرستها، لتقدم إليك حين تبحث عنها. وبالنسبة لمساحة الشبكة العميقة، فبعض التقديرات تقول إنها أكبر بنحو 550 مرّة من شبكة الإنترنت التي نتعامل معها!
لتفهم أكثر كيف تختفي تلك المعلومات، ولماذا يصعب الوصول إليها، دعنا نشرح لك باختصار، كيفية عمل الإنترنت.
طريقة عمل الشبكة
الإنترنت شبكة ضخمة تجمع بين عدد من ملايين الشبكات الصغيرة، عن طريق الحواسيب الآلية، ما يتيح تبادل المعلومات وكافة أشكال البيانات بين تلك الشبكات الصغيرة، عبر فضاء الإنترنت الجامع بينهما.
وبنية الإنترنت التي توصل بين الشبكات الصغيرة، تقوم على ما يعرف بالبروتوكولات، التي تنظم كيفية عمل الشبكة. أشهر البروتوكولات المستخدمة الآن للدخول إلى شبكة الإنترنت العامة أو السطحية هي HTTP.
فيما يخص شبكة الإنترنت العميقة، فإنها تتكون من مجموعة حواسيب آلية، مرتبطة بالشبكة، لكنّها لا تستخدم البروتوكولات المعروفة، ما يُصعّب الوصول إليها، كما أنّها لا تستخدم امتدادات النطاقات المعهودة مثل دوت كوم (.com) أو دوت نت (.net) أو دوت أورج (.org)، امتدادات النطاقات هذه مفتوحة، وتسهل على محركات البحث الوصول إليها عبر برامجها الخاصة، ثم أرشفتها وفهرستها، وتقديمها لك. لكن الإنترنت العميقة تستخدم نطاقات أخرى، منها على سبيل المثال دوت أونيون (.onion) ودوت بيت (.bit)، وهي امتدادات نطاقات مُغلقة، وللوصول إليها لابد أن يعمد محرك البحث إلى استخدام تقنيات أخرى.
استطاعت بعض محركات البحث المختصة بالإنترنت العميقة، استخدامها، للوصول إلى هذا الجانب الخفي من الشبكة، فضلًا عن أنّ المتصفحات التقليدية مثل جوجل كروم أو فايرفوكس أو إكسبلورر، لن تساعدك كثيرًا إن استخدمتها للوصول إلى هذا العمق من الشبكة، غالبًا ما ستحتاج إلى متصفح آخر، ومحرك بحث آخر.
أعماق الإنترنت
بالجملة، يتم اللجوء إلى شبكة الإنترنت العميقة، لتداول البيانات بعيدًا عن أعين الرقابة بكل مستوياتها، فمثلًا تعمد وكالات الاستخبارات، وبعض الجيوش إلى وضع بيانات لها على شبكة الإنترنت العميقة تسهل لها التعاون والتشارك مع نظيراتها، كذلك يحتوي هذا الجانب على كم مهول من المعرفة “السرية”، التي يلجأ الذين نشروها، إلى هذا العمق من الشبكة هربًا من رقابة السلطات. من بين من اعتمد على شبكة الإنترنت العميقة موقع ويكيليكس لتسريب المعلومات، الذي استطاعت عبر نفس الشبكة اختراق أنظمة شبكية والاستيلاء على بيانات، من ثمّ تسريبها.
في المقابل، تشهد شبكة الإنترنت العميقة رواجًا كبيرًا للأنشطة غير المشروعة، التي استطاعت تحقيق أرباح مليونية، وربما مليارية عبر هذه الشبكة. وتتعدد وتتنوع هذه الأنشطة، فهناك الاتجار في البشر، والمخدرات والسلاح، وتجارة الدعارة المختلفة، بما فيها جنس الأطفال القُصّر، فضلًا عن القتلة المأجورين وشبكات القتل بالأجرة النشطة على هذه الشبكة، وصولًا إلى مروجي الممنوعات من الكتب والقصص والروايات وشرائط الفيديو، وغير ذلك.
أنشطة غير مشروعة
كما ذكرنا، فإن المحتوى على شبكة الإنترنت العميقة متنوع ومختلف، والأنشطة غير المشروعة متعددة، وهي التي تمثل الجزء الذي يسمى بـ Dark Web أو الشبكة المظلمة. ونعرض لكم بعض هذه الأنشطة، بشيء من التفصيل..
الاتجار في البشر
وتتعدد مجالاته، ما بين الاتجار في الفتيات المختطفات، وهي ممارسة واسعة النشاط، متورطة فيها أكبر شبكات المافيا العالمية، وهناك أيضًا الاتجار في الأطفال، وغالبًا ما يتركز هذا النشاط في جنس الأطفال، وتختلف طرق الترويج له، فبعض الإحصاءات، تشير إلى وجود نحو 42 ألف موقع على الشبكة العميقة، تُروج لمحتويات جنسية تتعلق بالأطفال! جزء آخر من الاتجار في البشر، مرتبط بالاتجار تحديدًا في الأعضاء البشرية، بدايةً من ألفي دولار (للعينين مثلًا) وحتى 200 ألف دولار وما فوق لأعضاء كالقلب والكلى وغير ذلك.
تجارة المخدرات
أكثر أنواع التجارة تحقيقًا للأرباح عبر شبكة الإنترنت العميقة، حرفيًا أرباحها مليارية، ومن بين أشهر المواقع التي كانت تعمل في هذا النشاط، موقع “طريق الحرير” (Silk Road) الذي استطاع تحقيق أرباح، تُقدر ببليون دولار، قبل أن تصل إليه السلطات الأمريكية وتغلقه في 2013.
تجارة العملات والأوراق المزيفة
على الشبكة العميقة، يُمكن لأي شخص استخراج أي ورق مزيف يحتاج إليه: جنسيات، جوازات سفر، هويات مواطنة، رخص قيادة. بعض التقارير الأجنبية، تقول إن ثمن رخصة القيادة الأمريكية المزورة، على مواقع الشبكة المختصة، تبدأ من 200 دولار فقط. بالإضافة إلى ذلك، تنشط تجارة الأموال المزيفة، فمثلًا بمبلغ مالي معين يمكنك شراء نقود مزيفة بأكثر من ضعف المبلغ، فإذا دفعت 600 دولار يمكنك الحصول على نحو ألفي دولار مزيفة باحترافية شديدة!
ولكن، كيف يُمكن لهذه الأنشطة الاستمرار دون مراقبة، إذا كانت قائمة على التحويلات المالية المراقبة بضرورة الحال؟
التعاملات النقدية
السّر يكمن في “بِتكوين”، وهي عملة إلكترونية مُعترف بها بين مستخدميها الذين يزيد عددهم بشكل مضطرد بمرور الوقت، بحيث يُمكن استبدالها بأي عملة نقدية عالمية!
البِتكوين هي عملة مُشفّرة، تعمل وفقًا لمنظومة أرقام خاصة، تعمد على تشفير البيانات المالية للمستخدمين، بحيث يتم التحويل المادي عبرها دون المرور على أي آلية من آليات الرقابة المالية المعروفة التقليدية، معتمدةً في عملها على مبدأ يعرف باسم Peer-to-peer أو “من نظير إلى نظير”، بمعنى أن تتم العملية مباشرة بين شخصين، دون وجود وسيط ثالث بينهما.
والآن تتجه العديد من الشركات العالمية، ومواقع الخدمات الكبرى إلى اعتماد البتكوين كعملة مدفوعة مقابل الخدمات التي تقدمها الشركة أو يقدمها الموقع. هذا، وبلغ سعر العملة الإلكترونية نحو 400 دولار أمريكي، مع توقعات بصعوده لأكثر من ذلك، بخاصة وأن أعداد المستخدمين لها تزداد بصورة مهولة، فضلًا عن اتجاه حكومات إلى الاعتراف بها، كمثل ألمانيا، التي تعترف بها عملة متداولة، بل تفرض على استخداماتها التجارية ضرائب، وفي بعض الأماكن، وُضعت آلات صرافة للبتكوين، بمعنى أنّك من خلال رصيدك للبتكوين على شبكة الإنترنت، تصرف عملة نقدية أخرى (الدولار مثلًا) وفقًا للسعر المتعارف عليه، والذي لا يُحدده أحد، إنما يتحدد بصورة آلية، لأنّ العملة غير مركزية، أي لا تخضع لجهة مركزية (كالبنوك المركزية) للتحكم فيها وفي سعر صرفها.
طرق الوصول
في البداية لابد أن تعلم جيدًا أن متصفحات الإنترنت التقليدية لن تجدي نفعًا. المتصفح الوحيد الأشهر، الذي سيوصلك إلى هذا العالم المخفي من الإنترنت هو متصفح “تور” (Tor). وعمومًا فهذا المتصفح الذي لا يكشف عن هوية مستخدميه على الإنترنت، مفيد لحالات أخرى غير الأنشطة اللامشروعة التي سبق وذكرناها، إذ يعمد إليه الصحافيون للبحث عن بعض القضايا الشائكة، أو صحافيو المناطق التي لا تتمتع بالحريات الكافية، وتفرض رقابة مشددة على الإنترنت.
عبر متصفح تور، توجد العديد من محركات البحث المتخصصة، التي ستساعدك على التنقيب وصولًا إلى أعماق الإنترنت، لتضع يدك على ما خفي منه، من بين هذه المحركات Complete Planet وهو دليل مجّاني للروابط المؤدية إلى قواعد البيانات على الشبكة العميقة.
هناك أيضًا Science وهو محرك بحث علمي. كما أن هناك محركات بحث للمعلومات والبيانات الاقتصادية مثل Free Lunch، وبخصوص البحث عن البيانات الأكاديمية من مقالات وأبحاث وغير ذلك، يمكنك اللجوء إلى Informine. أمّا المحركات العامة، والتي تعتبر بداية مناسبة لخوض غمار التنقيب داخل الشبكة العميقة، فمن بين أهمّها Archive
Internet، فضلًا عن ذلك، سيفيدك هذا الموقع كثيرًا للوصول إلى أبرز الروابط على الشبكة العميقة deep web links.