"كوهين" الإسرائيلي.. خدع الجميع ورشح رئيسًا لوزراء دولة عربية

إيلي كوهين

تصفه إسرائيل بأنه أهم جواسيسها على الاطلاق، وتؤكد نقله معلومات أدت إلى تحقيق إسرائيل النصر في حرب عام 1967، وذلك حسب اعتراف ليفي أشكول رئيس وزراء إسرائيل وقتها، أنه إلياهو بن شاؤول كوهين الشهير بإيلي كوهين الذي ولد بالإسكندرية بسبب هجرة اجداده إليها في 26 ديسمبر 1924 يهودي الأصل.

"النشأة والبداية"

ويعد إيلي كوهين من أكثر الجواسيس خطورة في تاريخ إسرائيل إذ انضم كوهين إلى منظمة الشباب اليهودي الصهيوني في الإسكندرية عام 1944، وبدا وقتها متحمسا للسياسة الصهيونية تجاه البلاد العربية برغم نشأته في مدينة الإسكندرية، وأخذ يدعو مع غيره من أعضاء المنظمة لهجرة اليهود المصريين إلى فلسطين لتعميرها باسم إسرائيل وإنشاء دولة فيها.

ورغم هجرة أسرته، إلا أنه ظل في الإسكندرية وعمل تحت قيادة إبراهام دار أحد كبار الجواسيس الإسرائيليين، الذي وصل إلى مصر ليباشر دوره في التجسس ومساعدة اليهود على الهجرة وتجنيد العملاء، وشارك في عدة عمليات عبارة عن تفجيرات في القاهرة والإسكندرية لإفساد العلاقات "المصرية - الأمريكية"، ولكن تم إلقاء القبض عليه مع أفراد الشبكة في فضيحة كبرى عرفت حينها بفضيحة لافون.‏

"الالتحاق بالموساد"

وبعد انتهاء التحقيقات خرج إيلي ‏من مصر‏ عام 1955‏، والتحق هناك بالوحدة رقم ‏131‏ بجهاز الموساد، ثم أعيد إلى مصر‏ لكنه كان تحت عيون المخابرات المصرية‏ التي لم تنس ماضيه، لذلك تم اعتقاله للمرة الثانية مع بدء العدوان الثلاثي في أكتوبر1956.

وهاجر إيلي إلى إسرائيل عام 1957‏ بعد الإفراج عنه، وعمل بمجال المحاسبات‏، وانقطعت صلته مع الموساد لفترة ثم عمل كمترجم في وزارة الدفاع الإسرائيلية، ولما ضاق به الحال استقال وتزوج من يهودية من أصل عراقي، لكن رأت المخابرات الإسرائيلية فيه مشروع جاسوس فتم إعداده في البداية لكي يعمل في مصر‏، لكن تم تعديل الخطة إذ وجد الموساد أن تاريخه في مصر لا يؤهله للعمل فيها، ولكن الأفضل وجوده في دمشق.

"الهجرة للأرجنتين"

تحت اسم كامل أمين ثابت تخفى الجاسوس الإسرائيلي، مع قصة ملفقة عن هجرته وعائلته إلى الإسكندرية ثم سفر عمه إلى الأرجنتين، إذ لحق به كامل وعائلته، وفي عام 1952 توفي والده في الأرجنتين بالسكتة القلبية، كما توفيت والدته بعد ستة أشهر، وبقي كامل وحده هناك يعمل في تجارة الأقمشة، هذا بعد تدريب مكثف على كيفية استخدام أجهزة الإرسال والاستقبال اللاسلكي والكتابة بالحبر السري، ودراسة كل أخبار سوريا وحفظ أسماء رجالها السياسيين والبارزين في عالم الاقتصاد والتجارة، مع تعليمه القرآن وتعاليم الدين الإسلامي.

غادر كوهين إسرائيل إلى زيوريخ‏ عام 1961،‏ ومنها حجز تذكرة سفر إلى العاصمة التشيلية سانتياجو باسم كامل أمين ثابت‏‏ لكنه تخلف في بوينس آيرس، إذ كانت هناك تسهيلات معدة لكي يدخل الأرجنتين دون تدقيق في شخصيته الجديدة‏، وهناك استقبله عميل إسرائيلي يحمل اسم إبراهام نصحه بتعلم اللغة الإسبانية حتى لا يفتضح أمره، وبالفعل تعلم كوهين اللغة الإسبانية، وكان أبراهام يمده بالمال ويطلعه على كل ما يجب أن يعرفه، لكي ينجح في مهمته، وبمساعدة بعض العملاء تم تعيين كوهين في شركة للنقل، وظل لمدة تقترب من العام يبني وجوده في العاصمة الأرجنتينية كرجل أعمال سوري ناجح‏، فكون لنفسه هوية لا يرقى إليها الشك،‏ واكتسب وضعا متميزا لدي الجالية العربية في الأرجنتين‏،‏ باعتباره رجلا وطنيا شديد الحماس لبلده.

"اختراق الجبهة السورية"

واعتاد كامل أمين ثابت إقامة الولائم ليكون الدبلوماسيون السوريون على رأس الضيوف‏،‏ ولم يكن يخفي حنينه إلى وطنه سوريا ورغبته في زيارة دمشق‏ لذلك لم يكن غريبا أن يرحل إليها بعد أن وصلته الإشارة من المخابرات الإسرائيلية، ووصل إليها بالفعل في يناير ‏1962، حاملا معه آلات دقيقة للتجسس،‏ ومزودا بعدد من التوصيات الرسمية وغير الرسمية لأكبر عدد من الشخصيات المهمة في سوريا‏،‏ مع الإشادة بنوع خاص إلي الروح الوطنية العالية التي يتميز بها‏،‏ وأعلن كوهين أنه قرر تصفية كل أعماله العالقة في الأرجنتين ليظل في دمشق مدعيا حب الوطن، وبعد أقل من شهرين من استقراره في دمشق‏،‏ تلقت أجهزة الاستقبال في الموساد أولى رسائله التي لم تنقطع على مدى ثلاث سنوات‏ بمعدل رسالتين علي الأقل كل أسبوع‏.

وفي الشهور الأولى تمكن كوهين من إقامة شبكة واسعة من العلاقات المهمة‏‏ مع ضباط الجيش والمسئولين العسكريين‏، وكان من المعتاد أن يزور أصدقاءه في مقار أعمالهم،‏ وكانوا يتحدثون معه بحرية عن تكتيكاتهم في حالة نشوب الحرب مع إسرائيل‏‏، ويجيبون على أي سؤال فني يتعلق بالطائرات أو الغواصات التي وصلت حديثا من الاتحاد السوفيتي، أو الفرق بين الدبابات وغيرها من أمور كانت محل اهتمامه كجاسوس، ووصلت هذه المعلومات إلي إسرائيل‏، ومعها قوائم بأسماء وتحركات الضباط السوريين بين مختلف المواقع والوحدات‏، وفي سبتمبر ‏1962‏ صحبه أحد أصدقائه في جولة داخل التحصينات الدفاعية بمرتفعات الجولان، وتمكن من تصوير جميع التحصينات بواسطة آلة تصوير دقيقة مثبتة في ساعة يده‏‏ أنتجتها المخابرات الإسرائيلية والأمريكية.

"كشف المخطط السوري للهجوم على تل أبيب"

وأرسل كوهين إلى قادته في تل أبيب تفصيلات وافية للخطط الدفاعية السورية في منطقة القنيطرة وأبلغهم بوصول صفقة دبابات روسية من طراز "ت-‏54" وأماكن توزيعها‏، وأيضا تفاصيل الخطة السورية التي أعدت بمعرفة الخبراء الروس لاجتياح الجزء الشمالي من إسرائيل في حالة نشوب الحرب.

وفي عام 1965 وبعد 4 سنوات من العمل في دمشق، تم الكشف عن كوهين عندما كانت تمر أمام بيته سيارة رصد الاتصالات الخارجية التابعة للأمن السوري حيث تم ضبط رسالة موريس وجهت من المبنى الذي يسكن فيه، وتم حصار المبنى على الفور وقام رجال الأمن بالتحقيق مع السكان ولم يجدوا مشبوها فيه، فاعتقلوه بعد مراقبة البث الصادر من الشقة.

وبعد القبض على كوهين تم إعدامه في ساحة المرجة، وسط دمشق في 18 مايو 1965 برغم مساعي كبيرة وواسعة للإفراج عنه، وانتهت أسطورة أخطر جاسوس إسرائيلي في دمشق كان مرشحا لمنصب رئيس الوزراء.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً