هناك حيث وجدوا الله، ارتدوا ثوب الزهد من تلك الحياة، بعد أن شابت قلوبهم بهمومها، وتدنست يداهم بما ارتكبت من ذنوب، فتوجهوا للتناجي بهذا الذي خصه الله واصطفاه حفيد الرسول صلى الله عليهم وسلم، ويغتسلوا من دنس الدنيا لترتقي قلوبهم إلى بارئها وتسبح في جنانه، عند تلك اللحظة يشعرون أن قلوبهم صافية كما ولدتهم أمهاتهم، حينما يجلسون أمام مقام سيدنا الحسين بن علي، نجل فاطمة الزهراء ابنة الحبيب المصطفى، والذي يحتفل الطرق الصوفية تلك الأيام بمولده.
2500 ولي صالح بمصر
يوجد في مصر أكثر من 2500 مقام لأولياء، أشهرهم يتم الاحتفال بمولدهم سنويًّا، وأشهرهم تلك ليست مولدين أو ثلاثة، بل أكثر من 50 مولدًا على مستوى الدولة المصرية، وبالطبع ليست كل الموالد تحظى بنفس الشهرة ونفس التغطية الإعلامية، إلا أن نشأة طقس الاحتفال بالموالد يرجع للعصر الفرعوني؛ حيث كان المصريون يحتفلون بعيد آمون في معبد الأقصر وأعياد الآلهة الحافظة الحامية لمصر، ولكن مولد الحسين له طابع خاص.
بدأت الطرق الصوفية أمس التوافد على ساحة مسجد سيدنا الحسين بن علي، "حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم"، للاحتفال بذكرى مولده، وسط أجاء معتادة كل عام، يتخللها توزيع الخيرات على الحاضرين، وارتداء ملابس معينة من قبل ابناء الصوفية، ووجود مشايخ الطرق الذين ييوزعون تباركاتهم على الحاضرين بتلاوة آيات من القرآن والدعاء لهم.
مولد الحسين الذي يحضره ما لا يقل عن مليون محتفل يوجدون حول ساحة مسجد الحسين في ربيع الثاني من كل عام، محتفلين ومغنين ومنشدين ومحيين لذكرى ميلاد أخي الحسن بن عليّ وابن الإمام عليّ وحفيد رسول المسلمين محمد عليه السلام.
حفيد الرسول
الحسين بن علي بن أبي طالب، ولد في المدينة ونشأ في بيت النبوة، وإليه نسبة كثير من الحسينيين. شارك في معارك الجمل وصفين والنهروان التي خاضها مع أبيه علي في مواجهة الناكثين والقاسطين والمارقين. خضع لإمامة أخيه الحسن والتزم ببنود الصلح مع معاوية، إلاّ أنّه بعد موت معاوية وأخذ البيعة لإبنه يزيد خلافًا بمعاهدة الصلح، رفض إضفاء الشرعية على حكم يزيد بن معاوية، وتوجّه على إثرها إلى الكوفة استجابة لدعوة الكوفيين إلاّ أنّه تفاجأ بخيانتهم وتنصلهم عن المواثيق والعهود التي أبرموها معه حتى قتلوه خلال معركته مع يزييد بن معاوية.
مراسم الاحتفال
تعتبر اليوم الاثنين هي آخر أيام الاحتفالات الكبرى بمولد الحسين بعد تشديدات الأمن على المشايخ بسبب تزامن الاحتفالات مع الذكرى السادسة للثورة، وهذا ما يخشاه القياادات الأمنية من تسلل بعض العناصر لإفساد فرحات الاحتفال بعمليات دنيئة.
تبدأ الاحتفالات الرسمية اليوم بأناشيد الشيخ ياسين التهامي وابنه الشيخ محمود، حتى الساعات الأولى من صباح يوم الثلاثاء، في حضور الالاف من أبناء الصوفية في طقس اعتادوه منذ أكثر من 35 عام خلال احتفالات.
ياسين التهامي 35 عاما في حب الرسول
ياسين التهامي بدأ حياته الإنشادية بجوار الباب الأخضر للمشهد الحسينى ثم انتقل بعدها لينشد أمام الجماهير الغفيرة أمام الباب الكبير للمشهد الحسينى ويأتى إليه جمهور من عشاقه عشرات الآلاف من زوار الحسين، من شتى محافظات الجمهورية، ومن خارج البلاد من محبي آل البيت الكرام من أجل الإحتفال بالمولد وأيضًا الإستمتاع بإنشاد الشيخ ياسين التهامى، والذى يعشقه ويأتى إليه جمهور من عشرات الآلاف من زوار الحسين، من شتى محافظات الجمهورية، ومن خارج البلاد من محبي آل البيت الكرام من أجل الإحتفال بالمولد وأيضًا الإستمتاع بإنشاد الشيخ.
ورغم أن قصائده ومديحه مكتوبة باللغة العربية الفصحى إلا أن محبيه يستمتعون بها وأهم ما يميز التهامى إحساسه بالقصائد وهو إحساس عال نشأ لديه بحكم نشأته في بيئة صوفيه متعلمة كما أنه أثناء إنشاده يقدم حالة فنية متكاملة فيه الصوت والكلمة واللحن والآداء المسرحى والزى الشعبى المتمثل في العمامة التى تميز منطقتى شمال سوهاج وأسيوط.
وانتشر أسلوب الشيخ على مستوى الجمهورية، وأصبح له مقلدون وتلاميذ وأصبح حضوره في ليالى الإسكندرية والمحلة والقاهرة وطنطا لا يقل عن حضوره في ليالى سوهاج وقنا وأسيوط معقل رأسه.
جماعات الصوفية تسيطر على الاحتفالات
حينما تدخل إلى ساحة المسجد، تحيطك تلك الخيم المنصوبة التي تعبر عن أصحابها الصوفية فكل طريقة من الطرق لها طقوسها التي لا تريد أن توغوش بها على أحد،وأن تستقل بنفسها خلال ممارستها، فهناك جلسوا واسترضوا الله ببركة الحسين بن علي بن أبي طالب، لتغفر ذنوبهم، وليبارك لهم الله في حياتم، ومازال التمسح بالحسين يطهر تلك القلوب الزاهدة.