لن تتوقف إسرائيل عن محاولات دائمة لتجنيد جواسيس من المصريين ضعاف الإيمان والانتماء للوطن، وللأسف الشذوذ كان الطريق الذي سلكه بعض الجواسيس المصريين اللذين انضموا للمخابرات الإسرائيلية الموساد، وهو الطريق الذي يسر تجنيدهم والسيطرة عليهم حتى الايقاع بهم بصور مختلفة.
العطارالطالب الأزهري محمد عصام العطار 31 عاما هو حفيد الشيخ حسن العطار أحد علماء الأزهر الشريف القدامى، كانت نقطة ضعفه تتمثل في تعرضه لحادث اغتصاب وهو طفل، حيث استدرجه عاطل إلى شقته وتعدى عليه جنسيا، وكان صيدا ثمينا للموساد حيث تم تجنيده واستغلاله حين زار مقر سفارة إسرائيل في أنقرة عارضا خدماته، واستخدمته بعد التأكد من جديته وإمكانية الاستفادة منه، فزرعته في قلب المجموعات العربية المتواجدة في تركيا،وجعلت فتاة اسرائيلية تقابل معها في السفارة ترسم له الطريق هناك، فتولى اختباره ضابط إسرائيلي يدعى دانيال ليفي، وبعد أن اجتاز الامتحان استطاع أن يساعد الموساد الإسرائيلي في تجنيد ما يقرب من 20 مواطنا عربيا بينهم خمس مصريين.
طوال تعاون العطار مع الموساد كان على اتصال بالفتاة الإسرائيلية التي تعرف عليها في المرة الأولى بالسفارة الإسرائيلية، وكانت ترسل له مبالغ مالية عبر مكتب البريد، وحاول العطار أن يوقف التعاون مع المخابرات إلا أنه وجد في ذلك خطر على حياته فتراجع، وواصل عمله حتى أقاموا له حفلا داخل المعبد اليهودي، واحتفى به الحبر احتفالا شخصيًا داخل منزله، وأبلغه بأن المسئولين في إسرائيل يريدون الاحتفال به هناك ولكنه طلب زيارة القاهرة حيث إلقي القبض عليه.
بداية الخيط في الايقاع بالعطار في مطار القاهرة كان بلاغا من ضابط مخابرات عراقي سابق كشف فيه لأجهزة أمن مصرية أنه التقى بشاب مصري يدعى محمد العطار، وطلب منه معلومات عن العراقيين في تركيا ومراكزهم وأموالهم، وهل هناك بالفعل أسلحة كيماوية بالعراق، وعندما ارتاب العراقي في الشاب المصري أبلغ عنه، إلى جانب عدة بلاغات أخرى مشابهة للسفارة المصرية، مما جعل فريقا أمنيا على مستوى عالي يتحرك بسرعة أوصلت العطار إلى المحاكمة بتهمة التخابر مع إسرائيل.
عمر حمودةمحمد عمر حمودة شاذ آخر سلم نفسه إلى القنصلية الإسرائيلية في تركيا معتقدا أنه قام بدراسة قصة زميله الشاذ وعرف مواطن الخلل التي أدت إلى سقوطه وأنه سيتجنبها ليظل بعيدا عن أعين وآذان المخابرات المصرية ويعمل في صمت تام لصالح المخابرات الإسرائيلية لعدة سنوات متتالية.
حصل عمر حمودة على الثانوية العامة بمجموع هزيل وكانت أعظم أمانيه في تلك المرحلة هو علاقة مع شاب شاذ يشاركه شذوذه ويستمتع معه بالحرية الجنسية التي يحلم بتحقيقها فلقد كان عمر حمودة شاذًا سلبيا أي أنه يفضل أن يقوم بدور الأنثى ويرتدى ملابس الأنثى.
استفحل الداء عنده لدرجة شديدة برغم ضرب والده له بسبب ميوله النسائية وانتشرت حكاياته وفضائحه في منطقة السكن، وكان في العادة يبكي بعنف لوالده ويعده بأن يلتزم ويتأدب ولكن بلا فائدة حيث زاد شذوذه وفشل العلاج الطبي، واستمرت حياته على هذا الوضع وعندما تم استدعائه لتأدية الخدمة العسكرية كان مسرورا لأنه سيكون وسط الجنود فى وحدات بعيدة ومنعزلة عن الناس فربما يجد في هذه الوحدات متنفسا لشذوذه ولكنه فوجئ بهم يسلموه شهادة الإعفاء وهم يقولون له الجيش عايز رجاله فقط.
قرر حمودة تغيير خط سير حياته بعدما قرأ عشرات التقارير عن الشذوذ في الجيش الإسرائيلي وشواذ أوروبا الذين لا يخجلون من شذوذهم ويجهرون به بدعوى الحرية، وامتلأت رأسه بأفكار كثيرة تقوده في النهاية إلى حتمية الحياة في مجتمع متفتح فطرق بنفسه باب السفارة الإسرائيلية في نيقوسيا.
أنا لا أريد العودة إلى مصر ولقد كرهت مصر وكل ما فيها وكثيرًا ما فكرت في البحث عن دولة أخرى أعيش بها وهداني تفكيري إليكم هكذا قال عمر للمسئول الذي قابله حين لجأ للسفارة، فقال له الإسرائيلي: لماذا نحن ولماذا لم تلجأ لدولة عربية، فأجاب حمودة: أنا أحلم بالحياة في إسرائيل حيث الحرية بلا حدود وفرص العمل متوفرة والعائد المادي كبير، وتم تكليفه بأول عملية له بلبنان واقتصرت على الانضمام إلى إحدى المنظمات الفدائية الفلسطينية وجمع أكبر قدر ممكن من معلومات عن الفدائيين، وحققت العملية نجاحا باهرا، وعاد حمودة إلى اسطانبول بالمعلومات المنشودة، لتكن في انتظاره مهمة جديدة في القاهرة، وكانت مهمته هذه المرة هي التعرف على أسرار الجامعات والحركات الطلابية وتحفيز الطلاب على الثورة وعلى النظام القائم حينها، وعن طريق أخيه عبدالحميد، الذي كان يسكن في المدينة الجامعية لجامعة عين شمس بجوار وزارة الحربية دخل حمودة الحياة الطلابية، وتعرف على زملاء شقيقه الذين انجذبوا لقصصه عن اسطانبول، والفتيات التي تعرف عليهن هناك، حيث حاول أن يخلق لنفسه صورة البطل أمام زملاء أخيه من الطلاب، فاخترع قصصا بطولية وهمية وجهر بمعاداته للنظام القائم، وأخذه الحماس في صنع شخصيته البطولية إلى قمة الغباء عندما اعترف للشباب بأنه مكلف من طرف المخابرات الإسرائيلية بحرق القنصلية المصرية في بني غازي، في أعقاب المظاهرات المعادية لمصر التي وقعت في ليبيا في تلك الفترة.
ارتاب الطلاب في أمر حمودة بعد روايته لقصة ليبيا وطلبه تقارير عن الحركة الطلابية، فسارعوا بإبلاغ أمن الدولة وأعدت مباحث أمن الدولة كمينا للجاسوس الخائن فدعاه البعض إلى جلسة سمر بحجرتهم في المدينة الجامعية وجلس الجاسوس يستعرض أعماله البطولية الوهمية وتأخذه الحماسة فيعترف صراحة بعلاقته بالقنصلية الإسرائيلية في تركيا وعلاقته بالموساد، وجدد العرض بمساعدته في تقارير عن النشاطات الطلابية المعادية لإسرائيل.
اعترف الجاسوس بكل شيء أمام محكمة أمن الدولة العليا برئاسة المستشار مصطفى عبدالوهاب خليل، وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، وأثبتت التحقيقات أنه لم ينقل أي معلومات من مصر، وأن المعلومات التي ضبطت معه لا تشكل خطورة.