اذا راجعنا مقولة حسن البنا "المال هو عماد الدعوات وسندها، ولا تبقى دعوة دون أن يضحي قادتها وجنودها بأموالهم في سبيلها"، المقولة التي أوردها جمعة أمين عبد العزيز مؤرخ الإخوان في كتابه "أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين"، وهي التي جعلت الإخوان يخصصون أموالهم عبر تاريخ لخدمة جماعتهم.
و في هذا السياق كشفت صحيفة الديلي ميل البريطانية وثائق سرية من داخل الجماعة حصلت عليها "السي- أي- ايه" توضح كيف حصلت الجماعة على الأموال، خاصة خيرت الشاطر الذي لقب بوزير مالية الجماعة، وكيف تم تهريبها؟.
خيرت الشاطرأكدت الديلي ميل في تقريرها أن خيرت الشاطر واحدًا من أبرز رجال جماعة الإخوان المسلمين على الإطلاق، وأكثر الوجوه الإخوانية التي تصدرت المشهد السياسي، وأهم المتخذين لقراراتها والموجهين لمسار الجماعة، فالرجل صاحب ثروة ضخمة، وصاحب النفوذ الاقتصادي الأكبر فيها، فهو المسئول بالشراكة مع حسن مالك، عن اللجنة المالية.
وأضافت أنه أتاح النفوذ الاقتصادي الكبير للشاطر داخل جماعته، قيادة جناح يوصف بـ"المحافظ"، مشيرة إلى أن خيانته لا تصل فقط إلى حد الوطن بل تتفشي داخل الجماعة أيضًا لإقصاء خصومه من المواقع القيادية داخل الجماعة، وتصعيد رموز جناحه، مثل محمد سعد الكتاتني وسعد الحسيني ومحمد مرسي وغيرهم، فهو الذى وضعهم في قلب المشهد السياسي، وأصبح وجه الشاطر مألوفًا إعلاميًا في نفس العام في قضية "ميليشيات الأزهر"، ليبزغ اسم الشاطر كواحد من أشهر رجال الجماعة.
تكمن خطورة الشاطر ليس فقط في حجم أمواله واستثماراته والتي عجزت المؤسسات الاقتصادية عن حصرها، وإنما لأنه همزة الوصل الرئيسية بين استثمارات التنظيم الدولي، والتنظيم في مصر، فهو المعبر الآمن لدخول أموال التنظيم الدولي إلى مصر وغسيلها من خلال شركاته بالتعاون مع حسن مالك، الأمر الذي جعل من الصعب على جماعة الإخوان نفسها أن تفصل بين أموال الشاطر وأموال الجماعة في مصر.
الصفقة الغامضةو تقول الوثائق التي نشرتها الديلي ميل البريطانية بعد ثورة 25 يناير تعددت أوجه الشاطر في إبرام صفقاته التجارية والشراكة، وهذا وضح في صفقة "بلومبرج جراين"، وهي واحدة من أكبر الشركات الأمريكية في مجال الزراعة وتخزين الحبوب وغيرها من الأنشطة الاقتصادية، ففي 14 أغسطس 2012، أرسلت الشركة رسالة طويلة ومفصلة إلى الشاطر، وأشرف سرى، وأعضاء من شركة معتوق بسيوني المتخصصة في التعاقدات التجارية والقانونية الدولية.
شملت خطة المشروع بناء مصنع ومركز تصدير، ومراكز تدريب للفلاحين من أجل تقليل خسائر المحاصيل أثناء النقل، وتحسين أساليبهم في الزراعة، وذلك بعدما اختارت الشركة مصر لتكون محور سوقها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ثم تنتقل الرسالة قائلة: «إن مصر سوق مهم للشركة، لذلك فجانب شديد الأهمية في المشروع هو اختيارنا للشريك المحلى، أنا أتفهم أنك (الشاطر) مهتم بالقيام بهذا الدور، ونحن متحمسون لمعرفة اهتمامك بالأمر»، ولا يظهر هنا إن كان الشاطر يتحدث كممثل عن الإخوان أم الحكومة المصرية أم كرجل أعمال، فهو ينتقل بين العام والخاص في مراسلاته دون فصل واضح، وتشير الرسالة إلى أن الشريك المحلى سيكون له الحق الحصري لاستخدام التكنولوجيا التي تنتجها الشركة، كما أن هذا الشريك سيكون له حق المشاركة في مشروعات الشركة في تركيا وليبيا.
لا تكشف الوثائق عن مكاسب «الشريك المحلى» من الصفقة، ولكن وفقا لتصريحات فيليب نُشر في مارس 2013، مع مجلة «بيزنس توداي» المصرية التي تصدر بالإنجليزية، إن محور التصدير الذى ينوى إنشاءه في مصر قد يزيد من مكسبها في التصدير على 6 مليارات دولار في العام، ويوفر فرص عمل لألف مصري، وتزداد تفاصيل الصفقة غرابة حين تبدأ اتصالات بين ديفيد بلومبرج، ابن صاحب الشركة، وعز ناصر، يقول ديفيد في رسالة لناصر إن عضو الكونجرس تيد دوتش، عضو مجلس العلاقات الخارجية عن الحزب الديمقراطي، وماريو دياز بيلارت، عضو لجنة الاعتمادات بالكونجرس عن الحزب الجمهوري، قد أرسلا خطابات للسفير المصري بواشنطن عن المشروع المعتزم.
فضائح غسيل الأموالو أشار التقرير أن القضية (404 لسنة 2009) لنيابة الأموال بمباحث أمن الدولة والمعروفة إعلاميا بـ"غسيل الأموال"، نموذج واضح لحجم الفساد المالي لقيادات الإخوان المسلمين، كما تعد نموذجًا لطريقة تعامل الأعضاء مع أموال التنظيم وكيفية التصرف والتحكم بها، بخلاف إصباغ الأموال المغسولة بغطاء قانوني داخل شركات أعضاء التنظيم والمحولة للجماعة من الخارج.
وبتحليل أبعاد حرب غزة نجد أن أحد أهم أهداف غسيل الأموال ليس فقط الضغط الداخلي على الحكومة المصرية وإنما من أجل افقاد الادارة المصرية مصداقيتها أمام الرأي العام، وإقصاؤها عن الساحة العربية، وهو الهدف الذى عملت عليه كل من قطر - العاصمة العربية الأولى للتنظيم – والتي كانت تنصب لنظام مبارك ولمصر العداء في تلك الوقت من خلال إحراج الدولة المصرية المتكرر، ومحاولة سحب البساط من مصر عربيا وإقليميا، أيضًا إيران والذي لم يختلف موقفها كثيرًا عن قطر، وإنما سعت من ناحية أخرى إلى التعاون مع مختلف الحركات مثل حماس وحزب الله، والتنسيق مع جماعة الإخوان في مصر، لإقصاء مصر عن الساحة الشرق أوسطية.
ويوضح التقرير أن ما تم ضبطه من أموال وملفات سياسية لجماعة الإخوان، في شركتي "الصباح" و"إبرامكو" للصرافة لا يتعلق من قريب أو بعيد بمشروعات استثمارية، وإنما يتعلق بتغيير سياسات دولة يعمل في داخلها كيان الجماعة الإرهابية متخذة من عدة شركات غطاءً لأنشطتها.
وسلطت الوثائق الضوء علي أن جزء من الأموال المستخدمة في تنفيذ تلك الخطط هو أموال تم تبييضها، حتى تكون سليمة المصدر عندما يتحرى عنه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أو حتى هيئة الرقابة الإدارية، وجزء آخر يدخل في استثمارات الجماعة التي تتخذ من أعضائها واجهة قانونيةً للعمل تحت أسمائهم، فلا تكون هناك شبهة بأن الجماعة تتلقى أموالًا من الخارج، وإنما هي أموال استثمارات تأتي من خلال شركات عابرة للقارات، جزء كبير منها يتبع التنظيم الدولي للإخوان.. مثل شركات الأوف شور أو استثمارات أعضائها في دول الخليج.