تاريخ تجسس العدو الصهيوني "إسرائيل" على مصر، مليء بالصولات والجولات، إلا أن محاولات التجنيد للأشخاص قائمة بين نجاح واحد وعشرات الإخفاقات، ومن بين القصص الشهيرة للتجنيد لصالح الموساد قصة الجاسوس إبراهيم سعيد شاهين، الذي عمل جاسوسا لإسرائيل وجند زوجته انشراح موسى وايضا أبنائه للعمل معه، وتم القبض عليه وإعدامه عام 1977.
كانمت بداية القصة، حين كان إبراهيم موظفا للحسابات في مديرية العريش، ولم يكن يحمل مؤهلات سوى الشهادة الإعدادية، وفي إحدى الحفلات تعرف على انشراح موسى، فتاة من مدينة المنيا وتقدم لطلب زواجها، وبرغم معارضة والدتها لبعد المسافة بين المنيا والعريش إلا أن انشراح تمسكت به، وخلال مدة قصيرة تم الزواج وانتقلت للعيش معه في مدينة العريش.
رزق الزوجان بمولودهما الأول نبيل عام 1955، ومن بعده محمد عام 1956، ثم عادل عام 1958 وفي عام 1963م اتفقا على إرسال الأولاد إلى عمهم في القاهرة، ليواصلوا دراستهم هناك، بعيدا عن حياة البداوة التي يتسم بها المجتمع العريشي، وبعد ثلاث سنوات تم ضبط إبراهيم يتلقى رشوة، فأحيل إلى المحاكمة وسجن ثلاثة أشهر، ولما خرج واجهته صعوبات الحياة.
بعد النكسة سدت الطرق أمام سفر إبراهيم وزوجته إلى القاهرة لرؤية أولادهما، وأصبح إبراهيم عاجزا عن شراء أبسط الأمور الضرورية للمعيشة، وكانت المخابرات الإسرائيلية تعمل بنشاط لتجنيد العملاء، فتوجه إبراهيم لمكتب الحاكم العسكري الإسرائيلي يطلب منه تصريحا له ولزوجته بالسفر إلى القاهرة وبسبب المماطلة في استخراج التصريح صرخ في وجه أحد الضباط بأنه فقد عمله ودخله ولا يوجد في منزله رغيف خبز، فطمأنه الضابط ووعده بالنظر في أمر التصريح ودار بينهما حديث غير قصير، ثم فوجئ إبراهيم بمن يستدعيه لمنحه تصريح السفر هو وزوجته.
كانت المفاجأة الثانية حين طلب من إبراهيم، شرطا للموافقة على سفره للقاهرة وهو أن يأتي لهم بأسعار الفاكهة والخضار هناك فوافق، وكانت استجابة إبراهيم السريعة اجتياز للاختبار، وفي اليوم التالي توقفت سيارة جيب عسكرية أمام منزل إبراهيم، وطلب منه جندي مرافقته إلى مكتب الأمن، حيث كان ينتظره ضابط يدعى أبو يعقوب بالغ في الترحيب به وامتد الحوار بينهما طويلا، استشف أبو يعقوب من خلال حاسته المخابراتية أن إبراهيم يدرك ما يبتغيه منه، فطلب منه أن يذهب إلى بئر سبع.
استضاف الإسرائيليون إبراهيم وأكرموه لتعاونه معهم في جمع معلومات عن مصر، وسلموه دفعة أولى مبلغ ألف دولار وهو الذي لم يكن يملك ثمن علبة سجائر، ووعدوه بتأمين حياته هو وذويه في العريش، ومن هنا أصبح إبراهيم جاسوس وقع باع نفسه للشيطان، وخضع لدورة تدريبية مكثفة تعلم فيها الكتابة بالحبر السري وتظهير الرسائل ووسائل جمع المعلومات من الأهل والأصدقاء، وتدرب أيضا على كيفية التفريق بين الطائرات والأسلحة المختلفة، واجتاز الدورة بنجاح.
عاد إبراهيم إلى منزله وجيبه عامر بالنقود، ولما سألته زوجته عن مصدرها قال لها إنه أرشد عن مخبأ فدائي مصري فكافأه الإسرائيليون بألف دولار، ووعدوه بمنحه التصريح خلال أيام فعانقته بكل فرحة، وفي 19 نوفمبر 1967 وصل إبراهيم وانشراح إلى القاهرة بواسطة الصليب الأحمر الدولي، فمنحته الحكومة سكنا مجانيا موقتا بحي المطرية، ثم أعيد إلى وظيفته بعدما نقلت محافظة سيناء مكاتبها من العريش إلى القاهرة، ومن خلال المحيطين به في السكن والعمل بدأ إبراهيم في جمع المعلومات وتصنيفها، وكانت زوجته تساعده في كتابة رسائله بالحبر السري، وتكتب بالخطابات أنها شريكته في كل صغيرة وكبيرة.
بحث إبراهيم عن غطاء للرخاء الذي ينعم به فاتجه إلى تجارة الملابس والأدوات الكهربائية، وبواسطة المال والهدايا كان يتغيب كثيرا عن عمله، وكانت رسائله لمكتب الموساد في روما لا تنقطع، مما جعل رجال الموساد يدعونه وزوجته إلى روما للاستفادة منهما هناك، وبالفعل أبحر إبراهيم وزوجته على لبنان ومنها طارا إلى روما حيث التقيا بمندوب الموساد، الذي سلمهما وثيقتي سفر إسرائيليتين باسم موسى عمر ودينا عمر، وطار الجاسوس وزوجته إلى تل أبيب حيث كان وفد من ضباط الموساد في استقبالهما وحصلا على دورة مكثفة في تحديد أنواع الطائرات والأسلحة والتصوير الضوئي وجمع المعلومات، ومنح إبراهيم رتبة عقيد في الجيش الإسرائيلي باسم موسى أما انشراح فقد منحت رتبة ملازم أول، وطلبت انشراح زيادة مخصصاتهما لصعوبة الدور الذي يقومان به لجمع المعلومات، وكانت مصر وقتها تخوض حرب الاستنزاف والطيران الإسرائيلي يضرب الأهداف والمنشآت المدنية، فكان إبراهيم وزوجته يدوران ويصوران المواقع والمصانع ويرسلان الصور مع خريطة تفصيلية للمكان.
تحولت الرحلات الأسرية في أنحاء مصر إلى روتين، لتصوير قواعد ومنشآت عسكرية في مصر، حتى سافرت انشراح وحدها إلى روما يوم وقابلها أبو يعقوب الضابط بالموساد وأمطرها بسيل من الأسئلة عن الحرب وأخبرها أبو يعقوب إن الجيش المصري والسوري هجما على إسرائيل وان المصريين عبروا القناة وحطموا خط بارليف، وأمرها بالعودة فورا إلى مصر، وفي بداية عام 1974 سافر إبراهيم إلى تركيا ومنها إلى اليونان ثم إلى تل أبيب وحضر اجتماعا خاصا مع قيادات المخابرات الإسرائيلية الجديدة بعد أن أطاحت حرب أكتوبر بالقيادات السابقة خضع فيه إبراهيم للاستجواب حول عدم تمكنه من معرفة ميعاد الحرب وأجاب إبراهيم انه لم يلحظ شيئا غير عادي بل أن قريبا له بالجيش المصري كان يستعد للسفر للعمرة وانه حتى لو كان يعلم بالميعاد فليس لدية أجهزة حديثة لإرسال مثل تلك المعلومات الهامة.
تم منح إبراهيم جهاز إرسال متطور ملحق به حاسوب صغير في حجم اليد له أزرار إرسال على موجه محددة واخبره كذلك أن راتبه الشهري قد تم رفعة إلى ألف دولار إضافة إلى مكافأة مليون دولار في حالة أخبارهم عن موعد الحرب القادمة التي ستشنها مصر بواسطة الفريق سعد الشاذلي، وقامت المخابرات الإسرائيلية بتوصيل الجهاز المتطور بنفسها إلى مصر خشية تعرض إبراهيم للتفتيش، وتم إرسال رسالة تجريبية ولكن عطل في مفتاح الجهاز جعل انشراح تسافر إلى تل أبيب للحصول على مفتاح جديد، حينها استطاع رجال المخابرات المصرية التقاط الموجة التي اطلقها الجهاز وتم وضع منزل إبراهيم تحت المراقبة ثم اعتقاله مع ولديه وانتظارا لوصول انشراح من تل أبيب أقام رجال المخابرات المصرية بمنزل إبراهيم لثلاثة أسابيع كاملة، وبمجرد وصولها استقبلها رجال المخابرات المصرية وزج بهم جميعا إلى السجن.
قام رجال المخابرات الإسرائيلية ببث بعض الرسائل بعد عودة انشراح من إسرائيل واستقبلها رجال المخابرات المصرية على الجهاز الإسرائيلي بعد أن ركبوا المفاتيح، ووصل الرد من مصر بالقبض على عائلة الجواسيس، وتمت محاكمة الخونة بتهمة التجسس لصالح إسرائيل وأصدرت المحكمة حكمها بإعدام إبراهيم وانشراح بينما حكم على ابنهما الأكبر نبيل بالأشغال الشاقة وأودع الولدان محمد وعادل بإصلاحية الأحداث نظرا لصغر سنهما، ونفذ حكم الإعدام في إبراهيم شاهين شنقا، بينما تم الإفراج عن انشراح وابنها بعد ثلاث سنوات من السجن في عملية تبادل للأسرى مع بعض أبطال حرب أكتوبر.